Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 9, Ayat: 12-12)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ونكثوا الأَيمان : أي لم ينفذوا بنود العهود ، والله سبحانه وتعالى يعطينا هنا حيثية قتال الكفار بعد كل المراحل التي حاربوا فيها الإيمان ، فهم قد نقضوا العهود ، ولم يكتفوا بذلك بل طعنوا في الدين . أي عابوا في الدين عيباً مقذعاً . وعندما يقال : إنَّ فلاناً طعن في فلان ، فلا بد أنه قد تجاوز مرحلة السب إلى مرحلة أكبر بكثير . وهنا يأمرنا الحق - سبحانه وتعالى - إما بقتالهم ، وإما أن يعلنوا الإيمان . وهذا حق للمسلمين لأنهم قدموا من قبل كل سبل المودة ، لكن أئمة الكفر رفضوها . وقول الحق سبحانه وتعالى : { فَقَاتِلُوۤاْ أَئِمَّةَ ٱلْكُفْرِ } ، أي : أن القتل يأتي أولاً لزعماء الكفار الذين يحرضون أتباعهم على محاربة دين الله ، فالأتباع ليسو هم الأصل ، ولكن أئمة الكفر لأنهم هم الذين يخططون وينفذون ويحرضون . وهم - كما يقال في العصر الحديث - مجرمو حرب والعالم كله يعرف أن الحرب تنتهي متى تخلص من مجرمي الحرب لأن هؤلاء هم الذين يضعون الخطط ويديرون المعارك ويقودون الناس إلى ميادين القتال ، تماماً كأئمة الكفر ، هؤلاء الذين اجترأوا على أساليب القرآن الكريم ، ومنعوا القبائل التي تأتي للحج من الاستماع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وحاربوا الدين بكل السبل من إغراء وتحريض ، وتهديد ووعيد . والأمر العجيب أنك ترى من يبرر لك قتل مجرمي الحرب ويستنكر قتل أئمة الكفر ، والحق سبحانه وتعالى يقول : { وَإِن نَّكَثُوۤاْ أَيْمَانَهُم مِّن بَعْدِ عَهْدِهِمْ … } [ التوبة : 12 ] . ويقول الحق عز وجل في ذات الآية : { إِنَّهُمْ لاَ أَيْمَانَ لَهُمْ … } [ التوبة : 12 ] . وفي هذا يأتي المستشرقون ومن يميلون إليهم بقلوبهم ويُحسَبون علينا بقوالبهم وظواهرهم ليقولوا : إن هناك تناقضاً ، فالله يقول : { وَإِن نَّكَثُوۤاْ أَيْمَانَهُم } أي أثبت أن لهم أيماناً ، ثم قال : { لاَ أَيْمَانَ لَهُمْ } . فكيف يثبت لهم الأيمان ثم ينفيها عنهم ؟ . والنفي والإثبات لا يجتمعان في وصف الشخص الواحد ونقول : إنهما لا يجتمعان عند من يفكر تفكيراً سطحياً ، أو يأخذ الأمور بظواهرها . ولكن من يعرف مرامي الألفاظ ، يعلم أن نفي الشيء وإثباته في القرآن الكريم يعني : أن الجهة منفكة . فالله سبحانه وتعالى يقول لرسوله صلى الله عليه وسلم في غزوة بدر : { وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ رَمَىٰ … } [ الأنفال : 17 ] . فقوله : { وَمَا رَمَيْتَ } نفي للرمي من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، و { إِذْ رَمَيْتَ } إثبات للرمي . ويجيء نفي الشيء وإثباته في آية واحدة ، والفاعل والفعل واحد . وهذه تسمى في الأسلوب انفكاك الجهة ، أي أن كل جهة تطلب معنى مختلفاً عن الجهة الأخرى ، تماماً مثلما يقال : إن فلاناً يسكن أعلى مني . فهذا قول صحيح ، ولكنه في ذات الوقت يسكن أسفل بالنسبة لمن فوقه ، إذن فهو عالٍ وأسفل في نفس الوقت عالٍ عمن تحته وأسفل ممن فوقه . أو تقول : - كمثال آخر - فلان أب وابن . هنا يبدو تناقض ظاهري ، أي أنه أب لابنه ، وابن لأبيه ، فهو أب من جهة الابن ، وابن من جهة أبيه ، ولا يوجد تعارض . وهذا ما نسميه انفكاك الجهة . إذن فلا يوجد أدنى تعارض بين نفي الرمي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وإثباته له لأن رسول الله أخذ حفنة من الحصى ورمى بها جيش الكفار ، هذا ما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم وهو من البشر ، لكن قدرة الله سبحانه وتعالى أخذت هذا الحصى وأوصلته إلى كل جندي من جيش الكفار ، وفي قول الحق سبحانه وتعالى : { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ * يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِّنَ ٱلْحَيَٰوةِ ٱلدُّنْيَا … } [ الروم : 6 - 7 ] . لقد قالوا : إن الله نفى العلم وأثبته لنفس الأشخاص ، ونقول : لا ، إنه نفى العلم الحقيقي ، وأثبت لهم ظاهر العلم ، وهذا مختلف عن ذلك تماماً ، وهنا يقول الحق تبارك وتعالى : { وَإِن نَّكَثُوۤاْ أَيْمَانَهُم … } [ التوبة : 12 ] . أثبتت الآية أن لهم أيماناً ، وفي آخر الآية ينفي عنهم الأيمان فيقول : { إِنَّهُمْ لاَ أَيْمَانَ … } [ التوبة : 12 ] . ونقول : فائدة الأيمان أو العهد أن يُحافظ عليه ، ومن لا يحافظ على يمينه أو عهده يكون لا أيمان له لأن أيمانه أي عهده لا قيمة له لأنه مجرد من الوفاء . وعندما يحلف الكذاب نقول : هذا لا يمين له . وهؤلاء أيمانهم لم تأخذ قداسة الأيمان ، فكأنهم لا أيمان لهم ، كأن يكون لك ابن اقترب امتحانه وتجبره على المذاكرة ، وتجلس تراقبه فيقلب الكتاب ولكنه لا يفهم شيئاً . وإن حاولت أن تحسب حصيلة المذاكرة لم تجد شيئاً ، فتقول : ذاكرت وما ذاكرت ، وهذا نفي للفعل وإثباته ولا تناقض بينهما : لأن الجهة منفكة . ونفي الأيمان في آخر الآية معناه : أنهم لا وفاء لهم ، وما داموا بلا وفاء فلا قيمة لأيمانهم . وقوله تعالى : { فَقَاتِلُوۤاْ أَئِمَّةَ ٱلْكُفْرِ إِنَّهُمْ لاَ أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ } [ التوبة : 12 ] . هذا أمر بقتالهم لا بقتلهم ، فيكون المعنى : قاتلوهم ، فإن لم يقتلوا فقد يجعلهم القتال ينتهون عن عدائهم للدين لأنهم حين يرون البعض منهم قد قتل وهم أضعف من المواجهة ، هنا ستخف حدة محاربتهم للإسلام ، وتنتهي اللجاجة في أمر الدين . ثم يقول الحق من بعد ذلك : { أَلاَ تُقَاتِلُونَ قَوْماً نَّكَثُوۤاْ أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّواْ بِإِخْرَاجِ ٱلرَّسُولِ وَهُم بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ … } .