Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 9, Ayat: 35-35)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
نحن نعلم أن النار لا تُحمى إلا للمعادن ، فإن كان ما كنزوه أوراقَ نقد فكيف يُحمَى عليها ؟ وإن كان ما كنزوه معادن فهي صالحة لأنْ تُكْوَى بها أجسادهم ، أما الورق فكيف يتم ذلك ؟ ونقول : إن القادر سبحانه وتعالى يستطيع أن يجعل من غير المُحْمَى عليه مُحمىً ، أو يحولها إلى ذهب وفضة وتكوى بها نَواحٍ متعددة من أجسادهم ، والكية هي أن تأتي بمعدن ساخن وتلصقه بالجلد فيحرقه ويترك أثراً . وحين مات أحد الصحابة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وبحثوا في ثيابه فوجدوا فيها ديناراً ، قال الرسول صلى الله عليه وسلم : " هذه كَيَّة من النار " لأن صاحبه كان حريصاً على أن يكنزه ، كما وجدوا مع صحابي آخر دينارين كنزهما ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " هاتان كَيَّتانِ " . كان هذا قبل أن تشرع الزكاة ، أما إذا كان صاحب المال قد أدى حق الله فيه فلا يُعَدُّ كنزاً ، وإلا لو قلنا : إنَّ الإنسان إذا أبقى بعضاً من المال لأولاده حتى ولو أدى زكاته فإن ذلك يعتبر كنزاً ، لو قلنا ذلك لكنا قد أخرجنا آيات الميراث في القرآن الكريم عن معناها لأن آيات الميراث جاءت لتورث ما عند المتوفي . والمال المورَّث المفترض فيه أنه قد أتى عن طريق حلال وأدى فيه صاحبه حق الله ، لذلك لا يعتبر كنزاً . وهنا يقول الحق سبحانه وتعالى : { فَتُكْوَىٰ بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ } [ التوبة : 35 ] ، لماذا خَصَّ الله هذه الأماكن بالعذاب ؟ لأن كل جارحة من هذه الجوارح لها مدخل في عدم إنفاق المال في سبيل الله . كيف ؟ مثلاً : تجدون الوجه هو أداة المواجهة ، وإذا رأيت إنساناً فقيراً متجهاً إليك ليطلب صدقة ، وأنت تعرف أنه فقير وقد جاءك لحاجته الشديدة ، فإن كان أول ما تفعله حتى لا تؤدي حق الله أن تشيح بوجهك عنه ، أو تعبس ويظهر على وجهك الغضب ، فإن هذا الفقير يحس بالمهانة والذلة لأن الغني قد تركه وابتعد عنه ، فإذا لم تنفع إشاحة الوجه واستمر الفقير في تقدمه من الغني ، فإنه يعرض عنه بأن يدير له جنبه ليحس بعدم الرضا ، فإذا استمر الفقير واقفاً بجانبه فإنه يعطي له ظهره . إذن : فالجوارح الثلاث قد تشترك في منع الإنفاق في سبيل الله ، وهي الوجه الذي أداره بعيداً ، ثم أعطاه جانبه ، ثم أعطاه ظهره . هذه هي الجوارح الثلاث التي تشترك في منع حق الله عن الفقير ، ولذلك لا بد أن تُعذَّب فَتُكْوى الجباه والجنوب والظهور . ثم يقول الحق تبارك وتعالى : { هَـٰذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ } [ التوبة : 35 ] ، أي : هذا ما منعتم فيه حق الله ، فإن كنز الإنسان مالاً كثيراً فسيكون عذابه أشد ممن كنز مالاً قليلاً لأن الكَيَّ سيكون بمساحة كبيرة ، أما إن كان الكنز صغيراً فتكون الكية صغيرة . ولهذا لا يجب أن يغتر المكتنز بكمية ما كنز لأن حسابه سوف يكون على قدر ما كنز . وقوله سبحانه وتعالى : { فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ } [ التوبة : 35 ] أي : أن عذابكم في الآخرة سيكون بسبب كنزكم المال ، فالمال الذي تفرحون بكنزه في الدنيا كان يجب أن يكون سبباً في حزنكم لأنكم تكنزون عذاباً لأنفسكم يوم القيامة ، ومهما أعطاكم كنز المال من تفاخر وغرور في الحياة الدنيا ، فسوف يقابله في الآخرة عذابٌ ، كُلٌّ على قدر ما كنز . ويقول الحق سبحانه وتعالى بعد ذلك : { إِنَّ عِدَّةَ ٱلشُّهُورِ عِندَ ٱللَّهِ ٱثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَٰ بِ ٱللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ مِنْهَآ أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ … } .