Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 9, Ayat: 43-43)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وكلمة { عَفَا } تدل على أن هناك أثراً قد مُحي تماماً كما يمشي إنسان في الرمال فتُحْدِث أقدامه أثراً ، ثم تأتي الريح فتملأ مناطق هذا الأثر بالرمال وتزيله . وهي تُطلق في الدين على محو الله سبحانه وتعالى لذنوب عباده فلا يعاقبهم عليها . وما دام الإنسان قد استغفر من ذنبه وقال : أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه ، فلا يجب أن يحرجه أحد بعد ذلك ، ولا أن يعايره أحد ، فقد استغفر عند من يملك الملك كله ، وهو وحده سبحانه الذي يملك العفو والمغفرة ، فلا يُدْخِلنَّ أحدكم نفسه في هذه المسألة ، ولا يجب أن يحرج إنسان مذنباً ما دام قد استغفر مَنْ يملك العفو ، ومن يسمع مستغفراً عليه أن يقول : عفا الله عنك . ولا أحد يعرف إن كان الله قد عفا عنه أم لا ، فَلْتُعِنْهُ بالدعاء له ، ومن يعاير مذنباً نقول له : تأدب لأنه لم يرتكب الذنب عندك ، ولكنه ارتكبه عند ربه ، وإذا كان من يستغفر من ذنبه لا يُحرج به بين الناس ، فما بالنا بعفو الله سبحانه القادر وحده على العفو . وهنا يقدم الحق سبحانه العفو عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أذن لهم بالقعود عن القتال ، ثم يأتي القرآن من بعد ذلك ليؤكد أن ما فعله رسول الله بالإذن لهم بالقعود كان صواباً ، فيقول في موضع آخر من نفس السورة : { لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً } [ التوبة : 47 ] . إذن : فلو أنهم خرجوا لكانوا سبباً في الهزيمة ، لا من أسباب النصر . وصوَّبَ الحق عمل الرسول ، وهو صلى الله عليه وسلم له العصمة . وهنا نحن أمام عفو من الله ، على الرغم من عدم وجود ذنب يُعفى عنه ، وهنا أيضاً إذن من الرسول لهم بالقعود ، ونزل القرآن ليؤكد صوابه . وهناك من فهم قول الحق : { لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ } على أنها استفهام استنكاري ، وكأن الحق يقول : كيف أذِنْتَ لهم بالعفو ؟ إذن : فرسول الله بين أمرين : بين عفو لا يُذْكَرُ بعده ذنب ، واستفهام يفيد عند البعض الإنكار . ونقول : إن الحق سبحانه وتعالى أيَّد رسوله صلى الله عليه وسلم بقوله : { لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً } [ التوبة : 47 ] . فكأن الرسول قد هُدِيَ إلى الأمر بفطرته الإيمانية ، وقد أشار القرآن إلى ذلك ليوضح لنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم معصوم وفطرته سليمة ، وكان عليه أن يقدم البيان العقلي للناس لأنه الأسوة حتى لا يأتي من بعده واحد من عامة الناس ليفتي في مسألة دينية ويقول : أنا رأيت بفطرتي كذا ، بل لا بد أن يتبين الإنسان ما جاء في القرآن والسنة قبل أن يفتي في أمر من أمور الدين . وعلى سبيل المثال : اختلف الأمر بين المسلمين في مسألة الفداء لأسرى بدر ونزل القول الحق : { لَّوْلاَ كِتَابٌ مِّنَ ٱللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَآ أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } [ الأنفال : 68 ] . وأيَّد الله حكم رسوله وأبقاه . إذن فرسول الله صلى الله عليه وسلم هُدِي إلى الأمر بفطرته الإيمانية ، ولكن هذا الحق لا يباح لغير معصوم . وقد أباح الحق سبحانه الاستئذان في قوله : { فَإِذَا ٱسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَن لِّمَن شِئْتَ مِنْهُمْ } [ النور : 62 ] . والحق سبحانه وتعالى يقول هنا في الآية التي نحن بصدد خواطرنا عنها : { عَفَا ٱللَّهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكَ ٱلَّذِينَ صَدَقُواْ وَتَعْلَمَ ٱلْكَاذِبِينَ } وهكذا يتبين لنا أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد أذن لهم بالمقدمات والبحث والفطرة ، ورأى أن الإذن لهؤلاء المتخلفين هو أمر يوافق مراد الحق سبحانه لأنهم لو خرجوا مع جيش المسلمين ما زادوهم إلا خبالاً ، لعدم توافر النية الصادقة في الجهاد لذلك ثبطهم الله ، وأضعف عزيمتهم حتى لا يخرجوا . والعفو هنا جاء في شكلية الموضوع ، حيث كان يجب التبيُّن قبل الإذن ، فيقول الحق سبحانه : { حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكَ ٱلَّذِينَ صَدَقُواْ وَتَعْلَمَ ٱلْكَاذِبِينَ } أي : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لو لم يأذن لهم لكانوا قد انكشفوا ، ولكن إذنه لهم أعطاهم ستاراً يسترون به نفاقهم ، فهم قد عقدوا النية على ألا يخرجوا ، ولو فعلوا ذلك لافتُضِحَ أمرهم للمسلمين جميعاً ، فشاء الرسول صلى الله عليه وسلم أن يسترهم . ثم يقول الحق سبحانه وتعالى : { لاَ يَسْتَأْذِنُكَ ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ … } .