Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 9, Ayat: 42-42)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
والعَرَضُ هو ما يقابل الجوهر ، والجوهر هو ما لا تطرأ عليه أغيار ، فالصحة عَرَض والمرض عرض لأن كليهما لا يدوم ، إذن فكل ما يتغير يسمى عَرَضاً يزول . ويقال : الدنيا عَرَضٌ حاضر يأكل منها البَرُّ والفاجر . إذن : فقول الحق سبحانه وتعالى : { لَوْ كَانَ عَرَضاً قَرِيباً } أي : لو كان أمراً من متاع سهل التناوب ، ومحبباً للنفس وليس فيه مشقة السفر والتضحية بالمال والنفس لأسرعوا إليه . { وَسَفَراً قَاصِداً } ، والقاصد هو المقتصد الذي في الوسط وبعض الناس يسرف في الكسل ، فلا يستنبط الخير من السعي في الأرض ومما خلق الله ، وبعض الناس يسرف في حركة الدنيا ويركض كركض الوحوش في البرية ، ولا يكون له إلا ما قسمه الله . وأمزجة الناس تتراوح ما بين الإسراف والتقتير ، أما المؤمن فعليه أن يكون من الأمة المقتصدة . والحق هو القائل : { مِّنْهُمْ أُمَّةٌ مُّقْتَصِدَةٌ } [ المائدة : 66 ] . لأن المؤمن لا يأخذه الكسل فيفقد خير الدنيا ، ولا يأخذه الإسراف فينسى الإيمان . إذن : فالحق سبحانه وتعالى يوضح لرسوله صلى الله عليه وسلم أنه لو كان هناك متاع من متاع الدنيا أو سفر بلا مشقة ولا تعب لاتبعوك ، فهم لم يتبعوك لأنه ليست هناك مغانم دنيوية لأن هناك مشقة ، فالرحلة إلى تبوك ، ومقاتلة الروم ، وهم أصحاب الدولة المتحضرة التي تضع رأسها برأس دولة الفرس ، وهذه أيضاً مشقة ، والعام عُسْر والحر شديد ، ولو أن الأمر سهل مُيسَّر لاتبعوك . ويتابع سبحانه : { وَلَـٰكِن بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ ٱلشُّقَّةُ } أي : أن المشقة طويلة ، ثم يقول : { وَسَيَحْلِفُونَ بِٱللَّهِ لَوِ ٱسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ } هم إذن لم يتبعوك لأن المسألة ليست عرضاً قريباً ولا سفراً سهلاً ، بل هي رحلة فيها أهوال ، وتضحيات بالمال والنفس ، وحين تعود من القتال سوف يحلفون لك أنهم لو استطاعوا لخرجوا معكم للقتال . وقد قال الحق ذلك قبل أن تأتي أوان الحلف ، وهذه من علامات النبوة لكي يعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم المنافقين مِنْ صادقي الإيمان . وسبحانه وتعالى يفضح غباء المنافقين لذلك قال : { وَسَيَحْلِفُونَ بِٱللَّهِ } واستخدام حرف السين هنا يعني أنهم لم يكونوا قد قالوها بعد ، ولكنهم سيقولونها في المستقبل ، ولو أنهم تنبهوا إلى ذلك لامتنعوا عن الحلف . ولقالوا : إن القرآن قال سنحلف ، ولكننا لن نحلف . ولكن الله أعماهم فحلفوا ، وهكذا يأتي خصوم الإسلام ليشهدوا - رغم أنوفهم - للإسلام . ومثال آخر على نفس الأمر عندما حُوّلت القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة الشريفة قال الحق سبحانه وتعالى : { سَيَقُولُ ٱلسُّفَهَآءُ مِنَ ٱلنَّاسِ مَا وَلاَّهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ ٱلَّتِي كَانُواْ عَلَيْهَا } [ البقرة : 142 ] . وقوله هنا { سَيَقُولُ } معناها أنهم لم يقولوا بعد ، وإلا ما استخدم فيها حرف السين . وهذه الآية نزلت في القرآن يتلى ولا يتغير ولا يتبدل إلى يوم القيامة . . ورغم أنه كان في استطاعتهم ألا يقولوا ذلك القول ، ولو فعلوا لساهموا في التشكيك بمصداقية القرآن ، ولهدموا قضية الدين التي يتمنون هدمها ، ولكنهم مع ذلك قالوا : { مَا وَلاَّهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ } وجاءوا مثبتين ومُصدِّقين للقرآن . وفي هذه الأيام نجد شيئاً عجيباً نجد من يقول : أنا لا أتبع إلا ما جاء في القرآن ، أما السنة فلستُ مطالباً بالالتزام بها . وتقول لمن يردد هذا الكلام : كم عدد ركعات الصبح وركعات الظهر والعصر والمغرب والعشاء ؟ وسوف يرد قائلاً : صلاة الصبح ركعتان ، والظهر أربع ، والعصر أربع ، والمغرب ثلاث ، والعشاء أربع . ونقول : من أين أتيت بهذا ؟ يقول : من السنة . نقول : إذن فلا بد من اتباع السنة حتى تستطيع أن تصلي ، ولن تفهم التطبيق العملي لكثير من الأحكام إلا باتباع السنة . ويجبر الحق سبحانه هذا الذي يحارب سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ويدعو إلى عدم الالتزام بها يجبره سبحانه على الاعتراف بضرورة اتباع السنة ، وبهذا يصدق قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يوشك الرجل يتكىء على أريكته يُحدَّث بحديثي ، فيقول : بيني وبينكم كتاب الله ، فما وجدنا فيه حلالاً استحللناه ، وما كان فيه حراماً حرَّمْناه ، وإن ما حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم كما حرم الله " . وقد قالوا ذلك القول طَعْناً في الكتاب ، ولكنهم من حيث لا يدرون أكدوا صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فهم لم يمتلكوا الذكاء لأن الذكاء الذي لا يهدي للإيمان هو لون من الغباء وعَمى البصيرة ، وكذلك كان حال من حلفوا بعدم استطاعتهم الخروج للقتال فقد سبقهم قول الله : { وَسَيَحْلِفُونَ بِٱللَّهِ لَوِ ٱسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ } وجاءوا من بعد ذلك وحلفوا ليؤكدوا صدق القرآن . وهم في حلفهم يدّعون عدم استطاعتهم للقتال ، مع أن لديهم المال والقدرة . ويقول الحق عنهم : { يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ } وما داموا قد حلفوا بالله كذباً ، فقد أدخلوا أنفسهم في الهلاك ، فهم لم يكتفوا بعدم الجهاد بل كذبوا وفضح الله كذبهم . ويقول الحق بعد ذلك : { عَفَا ٱللَّهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكَ … } .