Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 9, Ayat: 57-57)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
والملجأ : هو ما نلجأ إليه ليحمينا من الأذى مثل الحصون ، وكذلك المغارة وهي الكهف في الجبل . والمدَّخَل : هو شيء يشبه النفق تحت الأرض تدخل فيه بمشقة والتواء ، إذن : فهناك ثلاثة ملاجئ يفِرُّون إليها إنْ وُجدوا في المعركة لأنهم يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم . وهم يتمنَّوْن الذهاب إلى مكان بعيد ليسبُّوا الإسلام على ما هم فيه من مشقة القتال ، وهم لا يستطيعون أن يفعلوا ذلك أمام المسلمين لذلك تجدهم في حالة بحث عن مكان لا يسمعهم فيه أحد . { لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَئاً أَوْ مَغَٰرَاتٍ أَوْ مُدَّخَلاً لَّوَلَّوْاْ إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ } فالكلام إذن عن المنافقين الذين ذكر الحق أوصافهم ، وعهودهم التي نقضوها ، وحَلِفهم كذباً ، وما يعيشه كل منهم من تناقض مَلَكاته ، ذلك التناقض الذي يورثه الشقاء لأن كل واحد منهم يُظْهِرُ غير ما يبطن ويخاف من انكشاف أمره . فيظل مضطرباً لأن ما بداخله يتناقض مع واقع حياته . إن هذه الحالة هي عكس حالة المؤمن الذي يعيش حياة منسجمة لأن ما في قلبه هو ما يحكيه لسانه ، فضلاً عن انسجامه بالإيمان مع الكون الذي يعيش فيه ، وكذلك فحالة المنافق تختلف عن حالة الكفر ، فالكافر قد أعلن الكفر الذي في قلبه بلسانه . أما المنافق فله قلب يكفر ولسان ينطق كذباً بالإيمان . ولذلك فهو في تعب مستمر من أن ينكشف أمره ، أو يعرف المؤمنون ما في قلبه لأنه يُكِنّ الحقد لمنهج الله وإن كان يعلن الحب ظاهراً . والإنسان إذا اضطر أن يمدح من يعاديه وأن يتظاهر له بالحب ، فإن هذا السلوك يمثل ثقلاً نفسياً رهيباً يحمله على ظهره ، وهكذا نرى أن المنافقين يُتعِبون أنفسهم قبل أن يُتعبوا المجتمع ، تماماً كالرجل البخيل الذي يتظاهر بأنه كريم ، وكلما أنفق قرشاً ليؤكد هذا التظاهر فإن هذا القرش يذبحه في نفسه ويسبب له آلاماً رهيبة . وحتى يرتاح الإنسان مع الدنيا لا بد أن يرتاح مع نفسه أولاً ويتوافق مع نفسه . ومن هنا نجد المنافقين حين يريدون أن يُنفِّثوا عما في صدورهم ، فهم يَختَلُّون ببعضهم بعضاً بعيداً عن أعين وآذان المسلمين ليُظهروا ما في نفوسهم من حقد وغِلّ وكراهية لهذا الدين ، ويبحثون عن ملجأ يكونون آمنين فيه ، أو مغارة في الجبل بعيداً عن الناس حتى لا يسمعهم أحد ، أو مُدَّخلاً وهو المكان الضيق الذي لا تستطيع أن تدخل فيه إلا بصعوبة . هم إذن يبحثون عن مكان يغيبون فيه عن سَمْع المؤمنين وأنظارهم لِيُخرِجوا الكراهية المحبوسة في صدورهم ، ولذلك يقول الحق سبحانه وتعالى : { لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَئاً أَوْ مَغَٰرَاتٍ أَوْ مُدَّخَلاً لَّوَلَّوْاْ إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ } و { وَلَّوْاْ } أي : انطلقوا إليه وقد شغلهم الإسراع للذهاب إلى المكان عن أي شيء آخر ، { وَهُمْ يَجْمَحُونَ } والجماح هو أن تفقد السيطرة على الفرس الذي تركبه ، فلا تقدر على كَبْح جماحه أو التحكم فيه ، فينطلق بسرعة ، وحين يقال هذا عن الإنسان فهو يعني الانطلاق بسرعة إلى المكان الذي يقصد إليه ولا يستطيع أحدٌ منعه ، وإنْ تعرض له أحد دفعه بعيداً لينطلق في طريقه بسرعة . والآية هنا تعطينا صورة دقيقة لحالة المنافقين في أي معركة . فبمجرد بَدْءِ القتال تجدهم لا يتجهون إلى الحرب ، ولا إلى منازلة العدو ، ولا يطلبون الاستشهاد ، ولكنهم في هذه اللحظة التي يبدأ فيها القتال يبحثون عن مكان آمن يهربون إليه ، أو مغارة يختبئون فيها ، أو مُدَّخل في الأرض ينحشرون فيه بصعوبة ليحميهم من القتال . فإذا انتهت المعركة خرجوا لينضموا إلى صفوف المسلمين ، ذلك أنهم لا يؤمنون . فكيف يقاتلون في سبيل دين لا يؤمنون به ؟ ولذلك كنت تجدهم في المدينة إذا نودي للجهاد فهم أول من يحاول الهروب ويذهبون للقاء النبي صلى الله عليه وسلم طالبين التخلف عن المعركة ، ويقول الواحد منهم : { ٱئْذَن لِّي وَلاَ تَفْتِنِّي … } [ التوبة : 49 ] . وفي الصدقة يحاولون التشكيك في توزيع الصدقة وكيف يتم فيقول الحق سبحانه وتعالى عنهم : { وَمِنْهُمْ مَّن يَلْمِزُكَ فِي … } .