Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 9, Ayat: 64-64)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

والحذر معناه الاستعداد لدفع خطر أو ضرر متوقع ، وعلى سبيل المثال يقال لمن يسافر في طريق محفوف بالأخطار : خذ حذرك وأنت تسير في هذا الطريق . وهنا قد يصحب المسافر معه رفيقاً ، أو يأخذ معه سلاحاً يدافع به عن نفسه إن قابلته عصابة من قطاع الطرق . إذن : فالحذر هو الإعداد لدفع خطر أو ضرر متوقع . ولكن إذا كانت السورة تتنزل من عند الله على رسوله فكيف يحذرون ويستعدون لنزول هذه السورة ؟ نقول : إن هذا استهزاء بهم لأنهم أظهروا الإيمان وأبطنوا الكفر ، ولأن آيات سابقة نزلت تفضح ما يخبئونه في نفوسهم . فهم دائماً خائفون من أن تنزل آية جديدة تفضحهم أمام المسلمين . الحق سبحانه وتعالى يريدهم أن يعرفوا أنه عليم بما في نفوسهم ، ويخوفهم من أن تنزل آيات تكشفهم ، فهم يخشون أن يخرج ما في بطونهم من كفر يخفونه ، وهو غيب عن المؤمنين . والغيب - كما نعلم - محجوب بزمان ومكان ، وغيب الزمان محجوب بالماضي أو بالمستقبل ، فإن كان هناك حدث قد مضى ولم تشهده ، فهو غيب عنك ما لم تعلمه من كتب التاريخ ، وكذلك إن كان هناك حدث سوف يأتي في المستقبل ، فهو لم يقع بعد ، فهو إذن محجوب بالمستقبل ، أما حجاب المكان فهو حجاب الحاضر ، وعلى سبيل المثال : إن كنا الآن في القاهرة فنحن لا نعلم ما يحدث في الإسكندرية . والله سبحانه وتعالى هتك كل هذه الحجب في القرآن الكريم ، فهتك الحق سبحانه حجاب الماضي في أمثلة كثيرة أخبر بها رسوله صلى الله عليه وسلم ، مثل قوله سبحانه : { وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ ٱلْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَآ إِلَىٰ مُوسَى ٱلأَمْرَ وَمَا كنتَ مِنَ ٱلشَّاهِدِينَ } [ القصص : 44 ] . وأيضاً يقول سبحانه : { وَمَا كُنتَ ثَاوِياً فِيۤ أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُواْ عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَلَكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ } [ القصص : 45 ] . فكأن الحق سبحانه وتعالى قد كشف لرسوله من حجب الزمن الماضي ، ما لم يكن يعلمه أحد ، وذلك مصداقاً لقوله تعالى : { تِلْكَ مِنْ أَنْبَآءِ ٱلْغَيْبِ نُوحِيهَآ إِلَيْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَآ أَنتَ وَلاَ قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هَـٰذَا فَٱصْبِرْ إِنَّ ٱلْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ } [ هود : 49 ] . وكشف الله سبحانه وتعالى - أيضاً - لرسوله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين حجاب الزمن المستقبل فقال : { سَيَقُولُ ٱلسُّفَهَآءُ مِنَ ٱلنَّاسِ مَا وَلاَّهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ … } [ البقرة : 142 ] . وهؤلاء السفهاء سمعوا الآية قبل أن يتساءلوا عن تحويل القبلة ، ورغم ذلك تساءلوا عن تحويل قبلة الصلاة . وأيضاً قال الحق من أمثلة كشف حجب المستقبل : { سَيُهْزَمُ ٱلْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ ٱلدُّبُرَ } [ القمر : 45 ] . وقد نزلت هذه الآية والمسلمون يلاقون عذاباً شديداً من الكفار ، حتى إن عمر بن الخطاب قال : أي جمع هذا ؟ وعندما حدثت غزوة بدر قال عمر : صدقت ربي : { سَيُهْزَمُ ٱلْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ ٱلدُّبُرَ } . وكذلك كشف الحق سبحانه وتعالى حجاب المستقبل حين قال : { غُلِبَتِ ٱلرُّومُ * فِيۤ أَدْنَى ٱلأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ ٱلأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ ٱلْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ ٱللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَآءُ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ } [ الروم : 2 - 5 ] . أي : أن الله تبارك وتعالى أعطى نتيجة المعركة بين الروم والفرس قبل أن تحدث بسنوات طويلة ، وحدد الجانب المنتصر وهو الروم ، وكذلك أنبأ سبحانه وتعالى رسوله بما يحدث في أعماق النفس . وما يدور في صدور الخلق ، وساعة ما ينتهك حجاب النفس ، كأنه يوضح لكل إنسان : إن سِرَّك الذاتي مفضوح عند الله ، والمثال على هذا قول الحق سبحانه : { وَيَقُولُونَ فِيۤ أَنفُسِهِمْ لَوْلاَ يُعَذِّبُنَا ٱللَّهُ بِمَا نَقُولُ … } [ المجادلة : 8 ] . هم قالوا في أنفسهم ، ولو لم يقولوا لعارضوا ما أخبرهم به محمد صلى الله عليه وسلم عما قالوه في أنفسهم وأعلنوا أنه كذب . ولكنهم لم يُكذِّبوا رسول الله فيما أبلغ عن الله . وهذا يدلنا أيضاً على أن المنافقين كانوا في حذر ، وكان يغلب على ظنهم صدق رسول الله . والمثال هو قول الحق هنا : { يَحْذَرُ ٱلْمُنَافِقُونَ أَن تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِم قُلِ ٱسْتَهْزِءُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ مُخْرِجٌ مَّا تَحْذَرُونَ } [ التوبة : 64 ] . وإن كان البعض منهم قد استهزأ قائلاً : لا داعي أن نتكلم حتى لا يُنزِل فينا قرآناً ، فالحق يُبلِّغ رسوله أن يرد عليهم : { قُلِ ٱسْتَهْزِءُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ مُخْرِجٌ مَّا تَحْذَرُونَ } [ التوبة : 64 ] . وما تحذرون منه أيها المنافقون سيكشفه الله لرسوله وللمؤمنين . ويقول الحق بعد ذلك : { وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا … } .