Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 9, Ayat: 68-68)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

والوعد للخير والوعيد للشر ، ويقال : " أوعد " في الشر ، وفي بعض الأحيان تستخدم كلمة " وَعَدَ " بدلاً من " أوعد " حتى إذا استمع السامع لها يتوقع خيراً . فإذا جاء الأمر بالعذاب كان ذلك أليماً على النفس . وهذا استهزاء بالمنافقين والكفار ، مثل قوله تعالى : { وَإِن يَسْتَغِيثُواْ يُغَاثُواْ بِمَآءٍ كَٱلْمُهْلِ يَشْوِي ٱلْوجُوهَ … } [ الكهف : 29 ] . كأن الله أعطاهم وعداً أنهم إن يستغيثوا سيأتيهم الغوث ثم يقلبه عليهم ويجعله ماء يغلي ويشوي وجوههم - والعياذ بالله - ونلحظ أيضاً أن الحق سبحانه قد قدَّم المنافقين والمنافقات على الكفار ، وهذا يؤيده قول الحق سبحانه وتعالى : { إِنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ فِي ٱلدَّرْكِ ٱلأَسْفَلِ مِنَ ٱلنَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً } [ النساء : 145 ] . وهنا يقول الحق سبحانه : { وَعَدَ الله الْمُنَافِقِينَ وَٱلْمُنَافِقَاتِ وَٱلْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ ٱللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ } . وهكذا نرى أن المنافقين موقعهم الدرك الأسفل من النار . والكفار موقعهم الدرك الأعلى ، وقد يسأل سائل : كيف يكون ذلك ؟ ونقول : إن الكافر بكفره قد أعطانا مناعة فلأنه أعلن الكفر فنحن نأخذ حذرنا دائماً منه ، فلا يلحق بنا إلا ضرراً محدوداً ، أما المنافق فهو قد تظاهر بالإيمان فآمناه ، ويستطيع أن يلحق بنا شرّاً رهيباً لأنه بحكم ما أخذه من أمان منا ، يعرف أسرارنا ومواطن الضعف فينا ، وقد تكون طعنته قاتلة . والعدو الخفي - كما نعلم - شر من العدو الظاهر لأننا نكون على حذر من العدو الظاهر ، لكننا لا نأخذ الحذر من العدو الخفي ، وهو يعرف ما في نفسي ، ويعرف كل تحركاتي ، ويستطيع أن يغدر بي في أي وقت دون أن أكون منتبهاً لهذا الغدر . ولذلك إذا أراد قوم أن يكيدوا للإسلام دون أن يسلموا ، فكيدهم يفشل لأنهم وهم على الكفر سيجدون مناعة عند المسلمين من الاستماع إليهم . أما إن احتالوا ودخلوا على الإسلام من داخل المسلمين أنفسهم ، فهم يجنِّدون عدداً من ضعاف الإيمان ليطعنوا في هذا الدين ، وتكون طعنات هؤلاء المسلمين بالاسم ، هي القاتلة وهي المؤثرة . هنا نلاحظ في قول الحق سبحانه وتعالى : { نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا } ولم يقل الحق بالخلود أبداً في النار إلا في ثلاث آيات فقط في القرآن الكريم . في قوله تعالى : { إِلاَّ طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً وَكَانَ ذٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيراً } [ النساء : 169 ] . وقوله عز وجل : { إِنَّ ٱللَّهَ لَعَنَ ٱلْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً * خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً لاَّ يَجِدُونَ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً } [ الأحزاب : 64 - 65 ] . وقوله جل جلاله : { وَمَن يَعْصِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً } [ الجن : 23 ] . ولكنه ذكر الخلود في الجنة أبداً مرات كثيرة . ونقول : إن الجنة هي بُشرى النعيم للمؤمنين . ويريد الحق سبحانه وتعالى أن يؤنس خلقه بالنعيم الذي ينتظرهم ، ولكن بالنسبة للنار فهي دار عذاب ، وتأبى رحمة الله وهو الخالق الرحيم بعباده ألا يُذكر الخلود في النار متبوعاً بكلمة أبداً إلا في ثلاث آيات حتى لا يظن الكفار أن الله سبحانه وتعالى بقوله : { خَالِدِينَ } دون ذكر الأبدية أنه خلود مؤقت في النار لذلك يُذكِّرهم بأنه خلود أبدي . وفي نفس الوقت تأبى رحمته سبحانه وتعالى أن يكون ذلك في كل آية تُذكَر فيها النار حتى يفتح طريق التوبة والرحمة لكل عاصٍ ، عَلَّه يتوب ويرجع إلى الله . والحق سبحانه يقول : { فَأَمَّا ٱلَّذِينَ شَقُواْ فَفِي ٱلنَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ * خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ ٱلسَّمَٰوَاتُ وَٱلأَرْضُ إِلاَّ مَا شَآءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ * وَأَمَّا ٱلَّذِينَ سُعِدُواْ فَفِي ٱلْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ ٱلسَّمَٰوَاتُ وَٱلأَرْضُ إِلاَّ مَا شَآءَ رَبُّكَ عَطَآءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ } [ هود : 106 - 108 ] . وثار الحديث بين المستشرقين : كيف يقول الحق سبحانه وتعالى عن النار والجنة خالدين فيها أبداً ؟ ثم يأتي في هذه الآيات ويستثنى ويقول : { إِلاَّ مَا شَآءَ رَبُّكَ } والاستثناء وارد على المؤمن والكافر ؟ ونقول : إن الذين يثيرون هذا الاعتراض لم يفهموا القرآن ولا المنهج ، فالذين سيدخلون النار قسمان : قسم آمن ولكنه عصى وارتكب سيئات فُيعذَّب في النار على قَدْر سيئاته ، ثم يُخرجه الله من النار إلى الجنة لأنه مؤمن ، وقسم آخر كافر أو منافق ، الاثنان يدخلان النار ، ولكن أولهما - وهو المؤمن - يُعذِّب على قَدْر سيئاته . والثاني يبقى خالداً فيها لأنه كفر أو نافق . إذن : فالمؤمن العاصي لا يخلد في النار ولذلك قال الحق سبحانه وتعالى : { إِلاَّ مَا شَآءَ رَبُّكَ } لأنه لن يبقى في النار إلا بقدر سيئاته ، فكأن خلوده في النار من البداية مؤقت وهو لا يبقى خالداً فيها لأن مشيئة الله سبحانه وتعالى تدركه ، فتخرجه من النار إلى الجنة . أما الكافر والمنافق فهما خالدان في النار لا يخرجان منها ، فكأن هناك من يدخل النار ولا يكون خلوده فيها أبديّاً ، وهذا هو المؤمن العاصي . وهناك من يدخل النار ويخلد فيها أبداً ، وهذا هو الكافر أو المنافق . وإذا جئنا إلى الجنة ، فهناك من سيدخل فيها خالداً أبداً أي منذ انتهاء الحساب إلى ما لا نهاية . وهذا هو المؤمن الذي غلبت حسناته سيئاته وأدخله الحق الجنة . ولكن هناك من سيدخل الجنة ، ولكن خلوده فيها يكون ناقصاً وهو المؤمن العاصي لأنه سيدخل النار أولاً ليجازى بمعاصيه . إذن : فالمؤمن العاصي خلوده في النار ناقص لأنه لن يبقى فيها أبداً . وكذلك يفتقد الخلود في الجنة فور انتهاء لحظة الحساب لأنه لن يدخل فيها بعد الحساب مباشرة ، بل سيدخل النار أولاً بقدر معاصيه . فقول الحق سبحانه وتعالى : { إِلاَّ مَا شَآءَ رَبُّكَ } ينطبق على عصاة المؤمنين الذين سيأخذون حظهم من العذاب أولاً على قدر سيئاتهم ، ثم بعد ذلك يدخلون الجنة . وقول الحق عن خلود المنافقين في النار : { هِيَ حَسْبُهُمْ } أي تكفيهم ، كأن يكون هناك إنسان شرير وأنت تريد أن تؤدبه ، فيأتي إنسان قوي ويقول لك : اتركه لي ، أنا وحدي كفيل أن أؤدبه ، فتقول : هذا حسبه ، أي يكفيه هذا ليتم التأديب المطلوب . كذلك النار ، فسبحانه وتعالى يريد أن يلفتنا إلى أنها تكفيهم ، أي : أن ما سيعانونه فيها من ألم وعذاب كافٍ جدّاً لمجازاتهم على ما فعلوه من سيئات . ثم يقول الحق : { وَلَعَنَهُمُ ٱللَّهُ } أي : طردهم من رحمته ومن طاعته فلا يقبل لهم توبة ولا عودة لأن مكان التوبة هو الدنيا . وأما ما بعد الموت والآخرة ، فلا محل فيهما لتوبة ولا رجوع عن معصية لأن زمان ذلك قد انتهى . لذلك فالعذاب لمن لم يَتُبْ في الدنيا هو عذاب مقيم في الآخرة . { وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ } وقد وصف الحق عذاب جهنم مرة بأنه عذاب أليم ، ومرة بأنه عذاب مهين ، ومرة بأنه عذاب مقيم لأنه يريدنا أن نعلم أن كل أنواع العذاب ستصيب أهل جهنم ، فإن كان الإنسان مُتجلِّداً له كبرياء يتحمل الألم الشديد ولا يُظْهِر ما يعاني ، فالعذاب لن يكون أليماً فقط ، ولكنه مهين أيضاً ، والهوان هو إيلام النفس ، وإن كان ذا كبرياء مُتجلِّد فإنه يُجَرُّ على وجهه ويُهَانُ . وبعض الناس قد يتحمل الألم ، ولكن لا يتحمل الإهانة التي تصيبه بعذاب نفسي أكثر من العذاب البدني ، فقد تأتي لكبير قوم وتهينه أمام أتباعه ، أو لأب وتهينه أمام أولاده ، ويكون هذا أكثر إيلاماً لنفسه من أن تضربه . وقول الحق سبحانه وتعالى : { عَذَابٌ مُّقِيمٌ } أي : عذاب دائم ، فإن كان أليماً يبقى الألم على شدته ولا يُخفَّف أبداً ، وإن كان مهيناً تبقى الإهانة مستمرة ولا تزول أبداً . وفي كلتا الحالتين هو عذاب فيه إقامة وفيه دوام واستمرار . ثم يخاطب الحق سبحانه وتعالى الكفار والمنافقين ، ويقول جل وعلا للخارجين عن منهجه : { كَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ كَانُواْ … } .