Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 9, Ayat: 76-76)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ولله عطاءان : عطاء الأسباب ، وعطاء التفضل . و " عطاء الأسباب " يتمثل في أن يَجدَّ الإنسان في أي عمل من الأعمال فيعطيه الله ثمرة عمله مؤمناً كان أو كافراً طائعاً أو عاصياً لأن الإنسان قد أخذ الأسباب وأتقنها ، ولذلك تجد بعضاً من الكافرين بالله وهم يعيشون في سعة لأنهم يحسنون الأسباب ، وما داموا قد أحسنوا الأسباب ، وهم عبيد الله أيضاً ، وسبحانه هو الذي استدعاهم للوجود ، فضمن لهم أن تستجيب لهم الأسباب ، ولا تضِنّ عليهم فالشمس تشرق على المؤمن والكافر ، وعلى الطائع والعاصي ، والمطر ينزل على الأرض . وكذلك كل شيء في الأرض تستجيب عناصره لما يزرعون أو لما يفعلون ، إذن فهذا عطاء الأسباب . ولكن الحق سبحانه يستر عطاء الفضل في عطاء الأسباب ، كمن يسير في طريق مجهول فيجد كنزاً ، أو أن ثمار محصوله لا يأتي عليها ريح أو إعصار يقلل من ناتج المحصول . ويبارك له الحق سبحانه في بيع محصوله ، ويبارك له في رزقه منه ، فلا يصرفه فيما يضيع ويذهب ماله . وهذا كله اسمه عطاء الفضل . وعطاء الأسباب عَامٌّ للناس جميعاً . أما عطاء الفضل فهو خاص بأولياء الله الذين أخلصوا عملهم لله طاعة وامتثالاً . وقول الحق سبحانه وتعالى : { فَلَمَّآ آتَاهُمْ مِّن فَضْلِهِ } دليل على أن الرزق الذي جاءهم لم يخضع للأسباب وحدها . بل زاد عما تعطيه الأسباب بفضل من الله . فالتكاثر الذي حدث في أغنام ثعلبة لم يكن تكاثراً بالأسباب فقط ، بل فيه بركة جعلت البطن الواحدة من الشاة تأتي بأكثر من وليد ، والعشب الذي ترعاه يُدِرّ كمية كبيرة من اللبن . { فَلَمَّآ آتَاهُمْ مِّن فَضْلِهِ بَخِلُواْ بِهِ } ما هو البخل ؟ هناك في اللغة أسماء للامتناع عن العطاء ، فهناك بُخْل ، وشُح ، وكزازة ، وكلها أسماء للامتناع عن عطاء شيء ، لكن منازل العطاء والبخل تختلف بمعنى أن هناك إنساناً لا يعطي إلا من سأله تلك منزلة ، وإنساناً آخر لا يعطي كل من سأله ، بل يعطي من سأله بأسباب تثير عواطفه نحوه ، كأن يقول : ولدي مريض ، أو احترق بيتي ، فالسائل هنا لا يسأل فقط ، ولكنه يجيء بعلة السؤال مثيرة للعواطف . وهناك من يعطي بغير سؤال . هي إذن : ثلاث مراحل للعطاء واحد يعطي من يراه هكذا مظنة أن حالته رقيقة من غير أن يسأل ، وهذه منزلة من منازل القرب من الله ، ينير الله بها بصائر قوم لتكون يدهم هي يد الله عند خلق الله . بل إن هناك أناساً يعاتبون أنفسهم إذا جاء إنسان فسألهم صدقة أو معونة كالرجل الذي ذهب فطرق الباب ، فخرج إليه صاحب البيت فسأله عما يريد ، فطلب السائل منه مالاً فدخل صاحب البيت بيته وأخذ شيئاً من مال وأعطاه للسائل ، فعلمت امرأته أنه جاء يسأله مالاً فأعطاه ، ولكن الزوج الذي أعطى مالاً رجع يبكي . فقالت له : وما يبكيك وقد أجبْتَهُ إلى مطلبه ؟ فقال : يبكيني أنني تركته ليسألني ، أي : أنه يبكي لأنه لم يملك فِطْنَةً تجعله يستشفُّ مسائل الناس من حوله ليعطي المحتاجين بغير سؤال . إذن : فواحد يعطي عن مسألة تلك مرتبة ، وهناك من يعطي من غير مسألة ، بل يعطي عن فضل عنده ، أي : يملك الكثير ويعطي منه . وثالث : يعطي نصف ما عنده يقاسمه فيما يملك ، أو يعطي أكثر ما عنده حسب ما ينقدح في ذهنه من حاجة الإنسان المعطي . هي إذن ثلاث مراحل : رجل يعطي من غير سؤال ، ورجل يعطي بسؤال فيه أسباب مثيرة ومُهيِّجة للعاطفة ، ورجل يعطي بمجرد السؤال . فمن هو البخيل ؟ أفظع درجة للبخل أن يبخل الرجل على من يسأله مسألة مُسبَّبة بأحداث تهيج العواطف ، ومع ذلك لا يرق قلبه ، هذا هو البخيل . { فَلَمَّآ آتَاهُمْ مِّن فَضْلِهِ بَخِلُواْ بِهِ وَتَوَلَّواْ وَّهُمْ مُّعْرِضُونَ } واحد من هؤلاء لم يبخل فقط ، بل انصرف عن الذي يسأله ، مثل الذي انصرف عن العامل الذي جاء يأخذ الصدقة ، وقد كان عليه - مثلاً - أن يُجْلس العامل ، ويقدم له التحية الواجبة ثم يقول له سنرى رأينا ، ولكنه تولَّى وأعرض عنه . ويأتي الحق هنا بعقاب من يسلك مثل هذا السلوك فيقول : { فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَىٰ … } .