Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 9, Ayat: 75-75)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَمِنْهُمْ } أي : من المنافقين الذين عرض الله صوراً كثيرة لهم في هذه السورة الكريمة ، فقال : { وَمِنْهُمْ } ، و { وَمِنْهُمْ } و { وَمِنْهُمْ } ، واختلفت روايات المفسرين والرواة في مدلول قوله تعالى { وَمِنْهُمْ مَّنْ عَاهَدَ ٱللَّهَ } . فقال بعضهم : إنه ثعلبة بن حاطب ، وقال آخرون : إنه مُعتِّب بن قشير ، وقال رأي ثالث : إنه الجد بن قيس ، وقال قائل رابع : إنه حاطب بن أبي بلتعة . كل هذه خلافات تحتملها الآية الكريمة لأن الحق سبحانه وتعالى قال : { وَمِنْهُمْ مَّنْ عَاهَدَ ٱللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلصَّالِحِينَ } ولم يقل الحق : " فلما آتيناه من فضلنا بخل به " بحيث ينطبق على حالة واحدة ، ولكن الحق تبارك وتعالى جاء بها بصيغة الجمع فقال سبحانه : { فَلَمَّآ آتَاهُمْ مِّن فَضْلِهِ بَخِلُواْ بِهِ … } [ التوبة : 76 ] . إذن : فهناك جمع . والروايات كلها يمكن أن تكون صحيحة في أن الآية الكريمة نزلت في أفراد متعددين ، وسبحانه يقول : { وَمِنْهُمْ مَّنْ عَاهَدَ ٱللَّهَ } فكيف يكون للمنافقين عهد مع الله ؟ نقول : لقد عُومل هؤلاء المنافقون بظواهر ألسنتهم ، فهم قد أعلنوا إسلامهم ، وكان الواحد منهم يقول : أعاهد الله على كذا وكذا تماماً كما يأتي الواحد منهم للصلاة ويحرص بعضهم على التواجد في الصف الأول للمصلين ، فهل منعه النفاق من الصلاة ظاهراً ؟ لم يمنعه أحد ، كذلك عندما يعاهد الله فهو يعاهده بظاهر لسانه . وقصة الآية : أن رجلاً فقيراً من الأنصار ذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : إني فقير مملق - أي شديد الفقر - فادع لي الله يا رسول الله أن يوسع عليّ دنياي . وبفطنة النبوة قال صلى الله عليه وسلم : إن قليلاً تؤدي شكره خير من كثير لا تطيقه ، فعاوده وقال : ادع الله لي أن يوسّع عليّ . فدعا له فوسّع الله عليه . ولسائل أن يسأل : كيف يستجيب الرسول ويدعو لمنافق ؟ وإذا كان الرسول قد دعا ترضية له وتأليفاً لقلبه فكيف يجيب الله رسوله في طلب منافق منه ؟ ونقول : ربما كان ذلك لأن المنافق أراد أن يجرب : أرسول الله رسول حق ، بحيث إن دعا الله أجيب ؟ فلما دعا رسول الله أراد الحق سبحانه وتعالى أن يُعْلم هذا المنافق أنه : نعم هو رسول الله وإن دعا لأي أحد يُجِبْه الله ، فتكون هذه للنبي صلى الله عليه وسلم . فلما دعا رسول الله لثعلبة ، أو للجد بن قيس ، أو لحاطب بن أبي بلتعة استجاب الله لدعاء رسوله وأعطى مَنْ سأل الدعاء مالاً وفيراً ، وقالوا : ولقد تكاثر مال ثعلبة ، وكانت ثروته من الأغنام قد تناسلت حتى ضاقت بها شعَاب المدينة فهرب بها إلى شعاب الجبال ، وإلى الصحراء الواسعة ، فامتلأت ، فشغلته أمواله أول ما شغلته عن صلاة الجماعة ، وأصبح لا يذهب للصلاة إلا في يوم الجمعة فلما كثرت كثرة فاحشة شغلته أيضاً عن صلاة الجمعة . وفي ذلك دليل صدق لتنبؤ رسول الله له . إذن : فكل الأمر إنما جاء تأييداً لمنطق الرسول معهم حتى يُسفِّههم في أنهم نافقوا في الإسلام . وبعد ذلك سأل عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالوا : إنه في الشعاب شغله ماله . فقال : يا ويح ثعلبة . وأرسل إليه عامل الصدقة لأن ثعلبة قد عاهد الله وقال : { لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ } فذهب عامل الصدقة إليه ، فلما قال له : هات ما كتب الله عليك من الصدقة من مالك . قال : أهي أخت الجزية ؟ وذكَّره عامل الصدقة : أنت الذي عاهدت ، ومن ضمن عهدك أنك إن أوتيت تصدقت وكنت من الصالحين ، فما لك لا توفي بالعهد . ورد ثعلبة على عامل الصدقة : اذهب حتى أرى رأيي . إذن : هو قد عاهد الله ، ودعا رسول الله ، واستجاب الله له ، وكثرت أمواله ، وبعد ذلك صدَّقَ الله نبيه في قوله : " قليل تؤدي شكره ، خير من كثير لا تطيقه " ، فلما عاد عامل الصدقة إلى رسول الله بردِّ ثعلبة . قال صلى الله عليه وسلم : ويح ثعلبة . فلما علم ثعلبة أن قرآناً قد نزل فيه ، انزعج انزعاجاً شديداً ، وأسرع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعرض عليه الزكاة . فلم يقبلها رسول الله منه ، فأخذ يتردد عليه للقبول ، فلم يقبلها رسول الله منه . لقد أراد صلى الله عليه وسلم بذلك أن يثبت أن الله وفقراء الله في غنى عن مالك يا ثعلبة . فلما انتقل رسول الله إلى الرفيق الأعلى جاء ثعلبة بالصدقات المؤخرة عليه كلها إلى أبي بكر ، فقال أبو بكر : ما كان لرسول الله أن يمتنع عنها ثم يأخذها أبو بكر . لما توفي أبو بكر جاء إلى عمر ، فقال عمر مقالة أبي بكر . وجاء لعثمان ، إلا أنه قبل أن يصل إليه كان قد هلك في عهد عثمان . { لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ } ، وكلمة { لَئِنْ } قَسَم ، والقَسَم هو صورة العهد ، فكأنه قال : أقسم بالله إن أتاني الله مالاً لأفعلنَّ كذا . وقد فهمنا أنها قَسَم من وجود اللام في جواب القَسَم { لَنَصَّدَّقَنَّ } و " الصدقة " هي الصدقة الواجبة أي الزكاة ، و { لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلصَّالِحِينَ } أي : نزيد في التطوعات ، والمروءة ، والأريحية ، وكل ما يدل على الصلاح . ويقول الحق بعد ذلك : { فَلَمَّآ آتَاهُمْ مِّن فَضْلِهِ بَخِلُواْ … } .