Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 9, Ayat: 7-7)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

أي لقد جربتم العهود مع المشركين ، وفي كل مرة يعاهدونكم ينقضون عهدهم ، وقد نقضوا عهدهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في معاهدة الحديبية ، إذن فالله سبحانه وتعالى يريد أن يلفتنا إلى أننا يجب ألا نأمن لعهود المشركين لأنهم لا يحفظون العهد ولكنهم ينقضونه ، وعلى ذلك فعِلَّةُ نقض العهد أنهم لم يستقيموا للعهد من قبل . ويكون بقاء العهد هو الأمر العجيب . و " كيف " هنا للاستفهام عن الحالة ، يقال : كيف حالك ؟ . تقول : بخير والحمد لله . إذن فـ " كيف " يُسأل بها عن الحال ، والحال قد يكون عاماً ، أي كيف حالك وحال أسرتك وأولادك ومعيشتك إلى آخره ، وقد يكون خاصاً أن تسأل عن مريض فتقول : كيف حال فلان ؟ . فيقال : شُفِي والحمد لله . أو تسأل عن معسر فتقول كيف حاله ؟ . فيقال : فرّج الله ضائقته . أو تسأل عن ابن ترك البيت هارباً فيقال : عاد والحمد لله . إذن فـ " كيف " إن أطلقت تكون عامة ، وإن خصصت تكون خاصة ، ولكنها تُطلق مرة ولا يراد بها الاستفهام ، بل يراد بها التعجب إما تعجب من القبح ، وإما تعجب من الحسن . كأن يقال لك : كيف سب فلان أباه ؟ . هنا تعجب من القبح لأن ما حدث شيء قبيح ما كان يصح أن يحدث . وتأتي لإنسان اخترع اختراعاً هاماً وتقول : كيف وصلت إلى هذا الاختراع ؟ . وهذا تعجب من الحسن . والتعجب من القبح يكون تعجب إنكار والتعجب من الحسن تعجب استحسان كأن نقول : كيف بنيت هذا المسجد ؟ وفي هذه الآية الكريمة يقول سبحانه وتعالى : { كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ … } [ التوبة : 7 ] . وهذا تعجب من أن يكون للمشركين شيء اسمه عهد لأنهم لا يعرفون إلاَّ نقض العهد ، ولا يتمسكون بالعهود ولا يحترمونها ، إذن يحق التعجب من أن يكون لهم عهد بينما في الحقيقة لا عهد لهم . وهذا التعجب للاستهزاء والإنكار ، فأنت مثلاً إذا جاء أحد يهددك ، فقلت له : من أنت حتى تهددني ؟ . يكون هذا استهزاء واستنكاراً لأنك تعرفه ، وأيضاً تستهزىء أن يملك القدرة على أن ينفذ تهديده لك . ومرة تكون استفهاماً حقيقياً ، كأن تسأل إنساناً لا تعرفه : من أنت ؟ . فيقول لك : أنا فلان بن فلان . وأحياناً تكون الإجابة عن الكيفية بالكلام ، وأحياناً لا ينفع الكلام فلا بد أن يجاب بالفعل . واقرأ قول الحق سبحانه وتعالى : { وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِـي ٱلْمَوْتَىٰ … } [ البقرة : 260 ] . كيف هذه تحمل معنى التعجب الاستحساني لأنك إذا بعثت الحياة في ما لا حياة فيه فهذه مسألة عجيبة تستوجب الاستحسان . ولم يجب سبحانه وتعالى على سيدنا إبراهيم باللفظ ، بل أجاب بتجربة عملية ، ودار حوار بين الحق سبحانه وتعالى وخليله إبراهيم عليه السلام فسأله المولى سبحانه : { أَوَلَمْ تُؤْمِن … } [ البقرة : 260 ] . رد إبراهيم عليه السلام : { قَالَ بَلَىٰ … } [ البقرة : 260 ] . أي أنني يا رب آمنت ، وأضاف القرآن الكريم على لسان سيدنا إبراهيم عليه السلام : { وَلَـكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي … } [ البقرة : 260 ] . والإيمان هو اطمئنان القلب ، فكيف يقول إبراهيم آمنت ؟ أليس في ذلك تناقض ؟ . وأقول : إن إبراهيم واثق من أنَّ الله سبحانه خلق الكون كله ولكنه يريد أن يعرف كيفية الإحياء وكيف يحدث ، حينئذ لم يجبه الحق سبحانه وتعالى بالكلام ، بل أراه تجربة عملية ، فقال له : { فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ ٱلطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ } [ البقرة : 260 ] . أي عليك أن تختار أربعة طيور وتضمها إليك وتتأكد من شكلها حتى إذا ماتت وأحييت تكون متأكداً من أنها هي نفس الطير . { ثُمَّ ٱجْعَلْ عَلَىٰ كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ٱدْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَٱعْلَمْ أَنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } [ البقرة : 260 ] . أي قطّع هذه الطيور بنفسك ، وضع على كل جبل قطعة ، وبعد ذلك ادْعُها أنت تأتيك سعياً أي مشياً ، حتى لا يقال إنها طيور قد جاءت من مكان آخر ، بل تجيئك نفس الطيور سيراً ، فإذا كان الله سبحانه وتعالى يعطي القدرة لمخلوق عندما يستدعي الميت أن يأتيه حياً ، فما بالك بقدرة الله عز وجل ؟ إذن فقول الحق : سبحانه وتعالى : { كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِندَ ٱللَّهِ وَعِندَ رَسُولِهِ … } [ التوبة : 7 ] . وهذا استفهام للإنكار والتعجب من أن المشركين ليس لهم عهد ، بل تمردوا وتعودوا دائماً على نقض العهود ثم يقول الحق سبحانه وتعالى : { إِلاَّ ٱلَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِندَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ فَمَا ٱسْتَقَامُواْ لَكُمْ فَٱسْتَقِيمُواْ لَهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُتَّقِينَ } [ التوبة : 7 ] . أي أن الله عز وجل وهو يخبر المؤمنين بأن هؤلاء الكفار لا عهد لهم ، لا يطالب المؤمنين أن يواجهوا المشركين بالمثل ، بل يأمر سبحانه وتعالى المؤمنين أن يحافظوا على العهد ما دام الكافرون يحافظون عليه ، إلى أن يبدأ الكافرون في نقض العهد وهنا يلزم سبحانه المؤمنين أن يقابلوا ذلك بنقض مماثل وهذا ما يفسره قوله تعالى : { إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُتَّقِينَ } [ التوبة : 7 ] . والمتقي هو الطائع لله فيما أمر وفيما نهى ويجعل بينه وبين صفات الجلال من الله وقاية ، إذن فأساس التقوى هو ألاَّ ينقض المؤمن عهداً سواء مع مؤمن أم مع كافر ، وإنما الذي يبدأ بالنقض هو الكافر ، وعلى المؤمن أن يحترم العهد والوعد . ويقول الحق تبارك وتعالى من بعد ذلك : { كَيْفَ وَإِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لاَ يَرْقُبُواْ فِيكُمْ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً … } .