Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 9, Ayat: 83-83)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

والله سبحانه وتعالى يوضح لرسوله صلى الله عليه وسلم : عندما تنتهي الغزوة وتعود إلى المدينة ، فهناك حكم لا بد أن تطبقه مع هؤلاء المنافقين ، الذين تخلفوا وفرحوا بعدم الجهاد . وقوله : { فَإِن رَّجَعَكَ } كلمة " رجع " من الأفعال ، وكل فعل يجب أن يكون له فاعل ومفعول ، فلا يمكن أن تقول : " ضرب محمد " ثم تسكت لأنه عليك أن تبين من المضروب . ولا يمكن أن تقول " قطف محمد " ، بل لا بد أن تقول ماذا قطف ؟ وهكذا نحتاج إلى مفعول يقع عليه الفعل . ولكن هناك أفعالاً لا تحتاج إلى مفعول . كأن تقول : " جلس فلان " والفعل الذي يحتاج إلى مفعول اسمه " فعل مُتعَدٍّ " أما الفعل الذي لا يحتاج إلى مفعول فاسمه " فعل لازم " . إذن : فهناك فعل متعد وفعل لازم . وهنا في هذه الآية الكريمة يقول الحق سبحانه : { فَإِن رَّجَعَكَ ٱللَّهُ } والحق سبحانه هو الفاعل ، والكاف في { رَّجَعَكَ } هي المفعول به . ولكن لأنها ضمير ملتصق بالفعل يتقدم المفعول على الفاعل . إذن : { فَإِن رَّجَعَكَ ٱللَّهُ } رجع فعل متعد ، والفاعل لفظ الجلالة . والمفعول هو الضمير العائد على رسول الله صلى الله عليه وسلم أي : أن الله رجعك يا محمد . ولكن هناك آية في القرآن الكريم تقول : { وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَىٰ إِلَىٰ قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفاً … } [ الأعراف : 150 ] . في الآية التي نحن بصددها { فَإِن رَّجَعَكَ ٱللَّهُ } الفاعل هو الله ، أما في قوله الحق : { وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَىٰ } نجد أن موسى هو الفاعل ولا يوجد مفعول به ، إذن فـ " رجع " يمكن أن يكون فعلاً لازماً ، كأن تقول : " رجع محمد من الغزوة " . ويمكن أن يكون فعلاً متعدياً كقوله سبحانه : { فَإِن رَّجَعَكَ ٱللَّهُ } أي : يا محمد من الغزوة . إذن : فرجع تستعمل لازمة وتستعمل متعدية . ولكن في قصة سيدنا موسى عليه السلام عندما ألقته أمه في البحر والتقطه آل فرعون ومشت أخته تتبعه ثم حرَّم الله عليه المراضع ليعيده إلى أمه كي يزيل حزنها ، يقول الحق سبحانه : { إِذْ تَمْشِيۤ أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ مَن يَكْفُلُهُ فَرَجَعْنَاكَ إِلَىٰ أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَلاَ تَحْزَنَ … } [ طه : 40 ] . ما هو الفرق بين الآيات الثلاث ؟ ولماذا استعمل فعل " رجع " لازماً ومتعدياً ؟ نقول : إنه في قول الحق سبحانه وتعالى : { وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَىٰ إِلَىٰ قَوْمِهِ } هنا هيئ لموسى من ذاته أن يرجع ، أي : أنه قرار اختياري من موسى ، أما قوله تعالى : { فَرَجَعْنَاكَ إِلَىٰ أُمِّكَ } ، فموسى في هذه المرحلة كان طفلاً رضيعاً لا يستطيع أن يرجع بذاته ، ولا بد أن يهيئ له الحق طريقة لإرجاعه ، أي : من يحمله ويرجعه . أما قوله تعالى : { فَإِن رَّجَعَكَ ٱللَّهُ إِلَىٰ طَآئِفَةٍ مِّنْهُمْ } فقد كان من الممكن أن يقال : " وإذا رجع إلى طائفة منهم " مثلما قال في موسى عليه السلام : { وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَىٰ } ولكن الحق استخدم { رَّجَعَكَ } ليدل على أن زمام محمد عليه الصلاة والسلام في الفعل والترك ليس بيده . وكأنه سبحانه وتعالى يوضح : إياكم أن تنسبوا الأحداث إلى بشرية محمد صلى الله عليه وسلم ، فإن محمداً إذا ذهب إلى مكان فالله هو الذي أذهب إليه . وإن عاد من مكان فهو لا يعود إلا إذا أرجعه الله منه . كما كانت هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة بإذن من الله ، فقبل أن يأذن الله له بالهجرة ، لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم ببشريته يستطيع أن يهاجر . إذن : فالحق سبحانه وتعالى يريد أن نعرف دائماً : أن ذهاب محمد صلى الله عليه وسلم ورجوعه من أي مكان ، ليس ببشرية رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بل بإرادة الحق سبحانه . ولكن لماذا قال الحق سبحانه وتعالى : { فَإِن رَّجَعَكَ ٱللَّهُ إِلَىٰ طَآئِفَةٍ مِّنْهُمْ } وكان من الممكن أن يقول " فإن رجعك الله إليهم " أو : " فإن رجعك الله إلى المدينة " ؟ نقول : إن الحق سبحانه وتعالى يريد الحديث هنا عن الطائفة التي حدثت منها المخالفة ، فهناك من بقوا في المدينة رغماً عنهم ولم يكن لديهم ما ينفقونه أو لم يكن لدى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يحملهم عليه . كذلك المرضى وكبار السن الذين لا يستطيعون قتالاً . وهؤلاء حَسُنَ إسلامهم وقَبِل الله ورسوله أعذارهم . ولكن الحق سبحانه يتحدث هنا عن الطائفة التي تخلفت عن الجهاد وهي قادرة ، والتي امتنعت عن الخروج ، وهي تملك المال والسلاح وكل مقومات الجهاد ، هذه الطائفة هي التي فرحت بالتخلف عن القتال . أما الطوائف الأخرى فكانت عيونها تفيض بالدمع من الحزن على عدم اشتراكهم في الجهاد . إذن : فالحق يقصد هنا طائفة المنافقين الذين استمروا على نفاقهم ، فمن تاب منهم قبل نزول هذه الآية قبلت توبته ، ومن مات منهم قبل نزول هذه الآية فإنما حسابه على الله . وبقيت طائفة المنافقين الذين فرحوا وضحكوا عندما بقوا في المدينة ، وكان عقاب الله لهم بأن مسح أسماءهم من ديوان المجاهدين في سبيل الله ، ومنعهم الثواب الكبير للجهاد . ويقول سبحانه : { فَإِن رَّجَعَكَ ٱللَّهُ إِلَىٰ طَآئِفَةٍ مِّنْهُمْ فَٱسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ } فكيف استأذنوا أول الأمر للقعود وتحايلوا عليه ، وكيف يستأذنون الآن للخروج ؟ نقول : إنهم عندما رأوا المؤمنين وقد عادوا بالغنائم ، كان ذلك حسرة في قلوبهم لأنهم أهل دنيا . وحينئذ طلبوا الخروج حتى يحصلوا على الغنائم والمغانم الدنيوية . ولكن الحق سبحانه وتعالى طلب من رسوله عليه الصلاة والسلام ألا يأذن لهم بالجهاد مع المسلمين ، فقال : { فَقُلْ لَّن تَخْرُجُواْ مَعِيَ أَبَداً } أي : أن أسماءكم قد شطبت من ديوان المجاهدين والغزاة ، ولما قرر الحق سبحانه وتعالى ألا يعطيهم شرف الجهاد وثواب الخروج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ يقول الحق سبحانه : { إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِٱلْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ } . ولكن الحق يقول أيضاً هنا : { فَٱسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ } وهذا أمر لا يحدث إلا في الغزوات ، فما هو موقفهم إذا حدث اعتداء على المدينة ؟ ويبين الحق سبحانه لرسوله صلى الله عليه وسلم ألا يقبل منهم قتالاً حتى في هذه الحالة ، فطلب من رسوله عليه الصلاة والسلام أن يعلمهم بذلك ، ويقول لهم : { وَلَن تُقَاتِلُواْ مَعِيَ عَدُوّاً } إذن : فقد حسمت المسألة ، فلا هم مسموح لهم بالخروج في الغزوات ، ولا بقتال الأعداء إذا هاجموا المدينة لأنهم أُسقِطوا تماماً من ديوان المجاهدين ، ولا جهاد لهم داخل المدينة أو خارجها ما داموا قد فرحوا بالقعود ، ورفضوا أن يشتركوا في الجهاد وهم قادرون لذلك حكم الحق أن يبقوا مع الخالفين . وما معنى خالفين ؟ المادة هي " خاء " و " لام " و " فاء " ، فيها " خلف " و " خلاف " و " خلوف " وغير ذلك . و " خالفين " إما أن يكونوا قد تخلفوا عن الخروج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإما أن يكونوا خالفوا الرسول بأنهم رفضوا الخروج ، وإما أن يكونوا خلوفاً . ويقول صلى الله عليه وسلم في حديث عن الصيام : " لخلوف فم الصائم أطيب عند الله يوم القيامة من ريح المسك " والخلوف هو تغير الرائحة ، وتغير الرائحة يدل على فساد الشيء ، فكأنهم أصبحوا فاسدين . ومخالفين تعني فاسدين لأنهم قد خالفوا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتعني أنهم تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولم يقتصر جزاء هؤلاء المتخلفين فقط أن تشطب أسماؤهم من سجلات المجاهدين ، بل هناك جزاء آخر يبينه قول الحق سبحانه وتعالى : { وَلاَ تُصَلِّ عَلَىٰ أَحَدٍ … } .