Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 9, Ayat: 84-84)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم على ميت هي رحمة له ، وغفران لذنوبه لأن الصلاة على الميت أن تطلب له الرحمة والمغفرة ، وأن تطلب له من الله أن يُلحقَه بالصالحين . وإذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الكلام ، ودعا بهذا الدعَاء ، فإن دعوة رسول الله مستجابة من الله . وهكذا حرمهم الله سبحانه وتعالى من رحمة يكون الإنسان في أشد الحاجة إليها حين ينتقل من الحياة الدنيا إلى حياة البرزخ . وقول الحق لرسوله : { وَلاَ تُصَلِّ عَلَىٰ أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَداً } معناها نهى عن فعل لم يأت زمنه . وقوله تعالى : { وَلاَ تَقُمْ عَلَىٰ قَبْرِهِ } أي : لا تذهب إلى قبره وتطلب له الرحمة ، ولكن الحق سبحانه وتعالى قال : { وَلاَ تُصَلِّ عَلَىٰ أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَداً } مع أن النهي عن المستقبل ، أي : من مات بعد نزول هذه الآيات ، فلماذا لم يقل الحق " يمت " أو " يموتوا " واستخدم الفعل الماضي { مَّاتَ } ؟ . ونقول : لأن الموت عملية حتمية مقررة عند الله ومُقدَّرة ، فموعد الموت مكتوب ومعروف عند الله ، وهو شيء لا يقرره الله مستقبلاً ، بمعنى أن موعد الموت لا يحدد قبل حدوثه بليلة أو ليلتين ، ولكن الموعد قد حُدِّد وانتهى الأمر . أما قوله الحق : { وَلاَ تُصَلِّ عَلَىٰ أَحَدٍ مِّنْهُم } فهو يدلنا على أن هذا الأمر ليس خاصّاً بسبب ، ولكنه عموم حكم ، فهناك : سبب للحكم ، وهناك عموم حكم . وسبب الحكم مثل الآية التي نزلت في زعيم المنافقين عبد الله ابن أبيّ ، فعندما مرض عبد الله بن أُبيّ مرض الموت جاء ابنه عبد الله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وطلب منه أن يعطيه قميصه يُكفِّن فيه أباه ، فأعطاه ، ثم سأله أن يصلي عليه ، فقام رسول الله صلى الله عليه ليصلي عليه ويستغفر له . وذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم مجاملة لابنه عبد الله بن أبيّ الذي أسلم وحَسُن إسلامه . وعندما وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم بجوار عبد الله بن أبيّ ، قال له : " أهلكك حب يهود " لأن ابن أبيّ كان يجامل اليهود ويعاونهم ، ونفاقه في الإسلام كان مجاملة لليهود وكان يُظهِر أمام اليهود الكفر ، ويُظهِر أمام المسلمين الإيمان . وهنا قال ابن أبيّ : يا رسول الله ، إنما أرسلت إليك لتستغفر لي ولم أرسل إليك لتؤنبني . فاستغفر له الرسول صلى الله عليه وسلم ، وهنا نزلت الآية الكريمة : { ٱسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ ٱللَّهُ لَهُمْ … } [ التوبة : 80 ] . وطلب عبد الله بن أبيّ من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يهبه ثوبه لكي يُكفَّن به ، فلما ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيته ، أرسل له الثوب الأعلى . وقد كان صلى الله عليه وسلم يلبس ثوبين ثوباً يلي جسده وثوباً فوقه . فلما جاء ابن أبيّ الثوب الأعلى ، قال : أنا أريد الثوب الذي لامس جسد رسول الله صلى الله عليه وسلم . انظر إلى زعيم المنافقين والذي كان يملؤه الكبرياء في حياته ، كبرياء على المؤمنين ها هو ذا يطلب كل هذه الطلبات ساعة احتضاره . فماذا صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ أرسل له القميص الذي لامس جسده الشريف . وكان كل هذا إرضاء لابنه عبد الله بن عبد الله بن أبيّ . ولم يتقبل هذا الفعل عدد من المؤمنين ولم يشعروا بالارتياح ، فعندما مات ابن أبيّ جاء ابنه عبد الله ، وطلب من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصلي عليه . وعندما هَمَّ النبي أن يصلي عليه ، وقف عمر بن الخطاب رضي الله عنه بين الرسول وبين القبلة . وهنا حسم الحق سبحانه وتعالى الموقف ونزلت الاية الكريمة : { وَلاَ تُصَلِّ عَلَىٰ أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَداً } فقد أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصلي على ابن أُبيّ لأنه رسول رحمة للعالمين . ولكن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقف بينه وبين القبلة حتى لا يصلي ، فأنزل الحق قوله : { وَلاَ تُصَلِّ عَلَىٰ أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَداً } وقالوا : تلك من الأمور التي وافق الوحي فيها عمر بن الخطاب رضي الله عنه . ومن المسائل التي وافق الوحي فيها عمر بن الخطاب رضي الله عنه تغيير القبلة من بيت المقدس إلى بيت الله الحرام . فقد كان عمر يرجوها ، وكان يقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم : يا رسول الله ، لو اتخذت مقام إبراهيم مصلّى . ومن هذه الأمور أيضاً رأيه في أسرى بدر ، وأن من الواجب قتلهم ، وكان رأي أبي بكر أن يقوم الأسرى بتعليم المسلمين القراءة والكتابة أو يؤخذ فيهم الفداء ، فنزلت الآية الكريمة : { مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَىٰ حَتَّىٰ يُثْخِنَ فِي ٱلأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ ٱلدُّنْيَا وَٱللَّهُ يُرِيدُ ٱلآخِرَةَ } [ الأنفال : 67 ] . بعض الناس يتساءل : كيف يستدرك عمر على رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ نقول : لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لن يُخلَّد في أمته لذلك أراد أن يعطيهم الأُسْوة بأنه صلى الله عليه وسلم متى رأى رأياً حسناً نزل عليه . وبعض المستشرقين يقولون : إنكم تقولون دائماً عمر فعل كذا ، ولماذا لا تقولون لنا محمد فعل كذا ؟ ونقول : إذا فعل محمد فهو رسول الله ، أما غير الرسول عندما يفعل فهو دليل على أن الفطرة الإسلامية من الممكن أن ترى شيئاً يتفق مع ما يريده الله . وبعد أن نزل قول الحق : { وَلاَ تُصَلِّ عَلَىٰ أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَداً } صار الحكم عاماً في ألا يصلي رسول الله على المنافقين . لكن من أراد من الناس أن يصلي فليُصلِّ . وكان الرسول عليه الصلاة والسلام يكرم كل مسلم بالصلاة عليه ، فلما نزلت هذه الآية امتنع عن الصلاة على المنافقين . كذلك " امتنع صلى الله عليه وسلم عن الصلاة على الميت وعليه دين ، فكان يسأل أهل الميت : هل عليه دَيْن ؟ فإن قالوا : نعم . سأل : هل ترك ما يسده ؟ . فإن قالوا : لا ، قال : " صَلُّوا على صاحبكم " ، وامتنع هو عن الصلاة . " ولكن ما ذنب من عليه دين حتى يُحرَم صلاة رسول الله عليه ؟ نجد الإجابة في قوله صلى الله عليه وسلم : " مَنْ أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه ، ومَنْ أخذها يريد إتلافها أتلفه الله " . فلو كان هذا الميت المدين ينوي سداد دينه لأعانه الله على أن يُسدِّده ، أما إذا ترك ما يفي بهذا الدين من عقارات أو أراض أو أموال في البنوك فلا يكون مديناً . ويقول الحق سبحانه هنا : { وَلاَ تَقُمْ عَلَىٰ قَبْرِهِ } ونحن نعلم أن رسول الله عليه الصلاة والسلام كان يذهب إلى قبر حمزة رضي الله عنه ، ويقف على قبور المؤمنين : " السلام عليكم دار قوم مؤمنين " ومنعه الحق من ذلك العمل على قبور المنافقين . ويعطينا الحق سبحانه العلة في ذلك فيقول : { إِنَّهُمْ كَفَرُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُواْ وَهُمْ فَاسِقُونَ } وعرفنا كيف كفروا بالله ورسوله ، لكن ماذا عن قوله الحق : { وَمَاتُواْ وَهُمْ فَاسِقُونَ } . فهل ماتوا وهم خارجون عن المنهج ؟ نعم ، تماماً مثلما نقول : فسقت الرطبة لأن البلح في نضجه يكون أحمر اللون أو أصفر وتلتصق قشرته به ، فإذا رطب انفصلت القشرة عن البلحة ، بحيث تستطيع أن تنزعها بسهولة ، فكأن منهج الله بالنسبة للمؤمن لا بد أن يلتصق به كقشرة البلحة الحمراء ، وإذا انفصل عنه مثل قشرة الرطبة يُصَابُ بالفساد . ولكن هنا نتساءل : أليس الكفر أكبر مرتبة من الفسق ؟ لأننا نعلم أنه ليس بعد الكفر ذنب ؟ فكيف يقول الحق سبحانه وتعالى : { وَمَاتُواْ وَهُمْ فَاسِقُونَ } مع أنهم كفروا ، والكفر أكبر الذنوب ؟ ونقول : إن الكفر هو عدم الإيمان بالله ورسوله وعدم الدخول في الإسلام ، ولكن الفسق هو عدم الالتزام بأية قيم ، ذلك أن الدين قد أوجد في النفوس عامة قيماً معروفة يتبعها حتى الذين كفروا ، فمثلاً عندما أرادوا بناء الكعبة قبل الإسلام ، قالوا : نريد أن نبنيها بمال حلال ، لا يدخل فيه مال بَغيٍّ . وكانوا في الماضي يُحضرون البغايا ، ويُقيمون لهن الرايات ، ويأخذون من أموالهن . لم يكن الإسلام قد جاء بَعْد ، ولكن كانت هناك قيم من مناهج السماء التي جاءت قبل الإسلام . وجاء الإسلام موافقاً لبعضها . إذن : فقوله الحق : { كَفَرُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ } ، أي : لم يكونوا مسلمين . { وَمَاتُواْ وَهُمْ فَاسِقُونَ } أي : لم يلتزموا بأية قيم . ثم يقول الحق سبحانه وتعالى : { وَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلاَدُهُمْ إِنَّمَا … } .