Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 9, Ayat: 86-86)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وهكذا شاء الحق أن يفضح المنافقين ، هؤلاء الذين استمرأوا الاستمتاع بنفس حقوق المؤمنين لمجرد إعلانهم الإسلام ، بينما تبطن قلوبهم الكفر والكيد للمسلمين . وقوله الحق : { وَإِذَآ أُنزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُواْ بِٱللَّهِ وَجَاهِدُواْ مَعَ رَسُولِهِ } هو خطاب للمنافقين يكشف بطلان إيمانهم ولذلك جاء قوله الحق : { أَنْ آمِنُواْ } أي : اجعلوا قلوبكم صادقة مع ألسنتكم ، فالله يريد إيماناً بالقلب واللسان ، فيتفق السلوك مع العقيدة . وقول الحق : { وَجَاهِدُواْ مَعَ رَسُولِهِ } أي : انفروا للجهاد مع رسول الله ، فهذا هو التعبير العملي عن الإيمان ، ولا تفرحوا بتخلفكم عن القتال في سبيل الله لأن الجهاد والقتال في سبيل الله شرف كبير له ثواب عظيم . وامتناع إنسان عن الجهاد هو تنازل عن خير كبير ، فالحق سبحانه يعطي جزيل الأجر لمن جاهد جهاداً حقيقيّاً . ويقول الحق سبحانه وتعالى : { ٱسْتَأْذَنَكَ أُوْلُواْ ٱلطَّوْلِ مِنْهُمْ } و " استأذن " من مادة استفعل ، وتأتي للطلب ، كأن تقول : " استفهم " أي : طلب أن يفهم ، و " استعلم " أي : طلب أن يعلم . إذن : فقوله : { ٱسْتَأْذَنَكَ } أي : طلبوا الإذن ، ولأنهم يتظاهرون بالإيمان ويبطنون الكفر ، تجدهم ساعة النداء للجهاد لا يقفون مع المؤمنين ، وكان من المفروض أن يكونوا بين المجاهدين ، وأن يجدوا في ذلك فرصة لإعلان توبتهم ورجوعهم إلى الحق فيكون جهادهم تكفيراً عما سبقه من نفاق ، ولكنهم لم يفعلوا ذلك ، بل طلبوا الإذن بالقعود . ومن الذي طلب الإذن ؟ إنهم أولو الطَّوْل . و " أولو " معناها أصحاب القوة والقدرة . و " الطَّوْل " هو أن تطول الشيء ، أي : تحاول أن تصل إليه ، فإذا لم تصل يدك إليه يقال : إن هذا الشيء يدك لم تَطُلْه ، أي : لم يكن في متناول يدك . و { أُوْلُواْ ٱلطَّوْلِ } أي : الذين يملكون مقومات الجهاد من سلامة البدن من الأمراض ووجود القوة ، ولا يعانون من ضعف الشيخوخة ، وأن يكون الإنسان قد بلغ مبلغ الرجولة وليس صبيّاً صغيراً لأن الشيخ الكبير ضعيف لا يقدر على الجهاد ، وكذلك الصبي الصغير لا يملك جَلَداً على الحرب . وأيضاً نجد المريض الذي قد يعوقه مرضه عن الحركة . أما أولو الطول فهم الذين يملكون كل مقومات الحرب ، من قوة بدنية وسلاح ، والذين لم يبلغوا سن الشيخوخة ، ولا هم صبيان صغار ولا مرضى . إذن : فعندما تنزل آية فيها الجهاد ، فالذين يستأذنون ليسوا أصحاب أعذار - لأنهم معفون - لكن الاستئذان يأتي من المنافقين الذين تتوافر فيهم كل شروط القتال ، ويستأذنون في القعود وعدم الخروج للقتال . ويقولون ما يخبرنا الحق به : { وَقَالُواْ ذَرْنَا نَكُنْ مَّعَ ٱلْقَاعِدِينَ } والقاعد مقابله القائم . والقيام - كما نعلم - هو مقدمة للحركة . فإذا أراد الإنسان أن يمشي ، قام من مكانه أولاً ، ثم بدأ المشي والحركة ، ومن القيام أخذتْ مادة القوم أي : الجماعة القائمة على شئونها ، والقوم هم الرجال ، أما النساء فلا يدخلن في القوم ، مصداقاً لقول الحق : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَىٰ أَن يَكُونُواْ خَيْراً مِّنْهُمْ وَلاَ نِسَآءٌ مِّن نِّسَآءٍ عَسَىٰ أَن يَكُنَّ خَيْراً مِّنْهُنَّ … } [ الحجرات : 11 ] . إذن : فالقيام يقابله القعود ، والقوم يقابلهم النساء . والقعود هو مقدمة للسكون ، فمتى جلس الإنسان فهناك مقدمة لفترة من السكون ، وقعود المنافقين وتخلفهم واستئذانهم أن يبقوا مع النساء والعجزة والمرضى والصبية هو حَطٌّ من شأنهم . ولذلك يقول عنهم الحق سبحانه وتعالى : { رَضُواْ بِأَن يَكُونُواْ مَعَ ٱلْخَوَالِفِ … } .