Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 9, Ayat: 88-88)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

أي : إياكم أن تحزنوا على هؤلاء المنافقين بسب قعودهم عن الجهاد معكم ولا تقولوا : نحن خسرناهم في قتالنا لأن الحق لا يحتاج إليهم ولا إلى جهادهم . وسبحانه القائل : { فَإِن يَكْفُرْ بِهَا هَـٰؤُلاۤءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً لَّيْسُواْ بِهَا بِكَافِرِينَ } [ الأنعام : 89 ] . ويقول سبحانه : { فَإِنِ ٱسْتَكْبَرُواْ فَٱلَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِٱللَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ وَهُمْ لاَ يَسْأَمُونَ } [ فصلت : 38 ] . وكذلك يقول الحق سبحانه : { هَا أَنتُمْ هَـٰؤُلاَءِ تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ وَٱللَّهُ ٱلْغَنِيُّ وَأَنتُمُ ٱلْفُقَرَآءُ وَإِن تَتَوَلَّوْاْ يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُونُوۤاْ أَمْثَالَكُم } [ محمد : 38 ] . وأيضاً نجد قوله الحق : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي ٱللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ … } [ المائدة : 54 ] . إذن : فتخلف بعض أصحاب القوة والمال والجاه عن الجهاد ، يجب ألا يشيع الفزع أو الحزن في نفوس المؤمنين لأن الله معهم ، ولأنهم لهم الخيرات ، أي : لهم كل ما يطلق عليه خير : { وَأُوْلَـٰئِكَ لَهُمُ ٱلْخَيْرَاتُ وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ } والمفلح : هو الفائز الناجي المستفيد بثمرة عمله ، وأصلها فلح الأرض أي : شقها لأن الزراعة تقتضي أن تحرث الأرض أولاً ، وهذه مهمة الإنسان ليخرج الزرع . والحق سبحانه وتعالى يقول : { أَفَرَأَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ * أَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ ٱلزَّارِعُونَ } [ الواقعة : 64 ] . ونحن حيث نحرث الأرض نهيجها ، وبدلاً من أن تكون صلبة لا يدخلها هواء ولا تتخللها أشعة الشمس ، تصير بعد الحرث مستقبلة للهواء وتتخللها أشعة الشمس فتخلصها من أي ماء راكد في داخلها ، وبذلك يتوافر للأرض الهواء اللازم لنمو جذور النبات لأن إذا وضعت الحَبّ في أرض غير محروثة ، فالزرع لا ينبت لعدم وجود الهواء الذي تتنفس منه الجذور . ولكن إذا حرثت الأرض جعلت أشعة الشمس تتخلل ما هو تحت السطح وتبخر الماء المخزون ليدخل الهواء بدلاً منه فتستطيع جذور النبات أن تنمو . إذن : فكل عمل يؤدي إلى نتيجة طيبة نُسمِّيه فَلاحاً . وهو مأخوذ من الأمر الحسّي ، الذي نراه كل يوم وهو الفِلاحة . وحين يريد الحق سبحانه وتعالى أن يوضح لنا أمراً معنويّاً ، فهو سبحانه يستحضر لنا صورة محسّة من الذي نراه أمامنا حتى نستطيع أن نُقرِّب المعنى إلى الأذهان خصوصاً في الغيبيات التي لا نراها ، فإذا أراد سبحانه أن يقرِّبها إلى أذهاننا فهو يضرب لنا الأمثال بأمور حسّية . والإنسان حين يفلح الأرض ويشقها ويبذر فيها الحب ، تعطيه محصولاً وفيراً ، وكذلك فإن كل عمل يؤدي إلى نتيجة طيبة نسميه فلاحاً . وعندما يحدثنا الحق سبحانه ، فهو يعطينا المثل مما نراه كل يوم ليقرب إلى أذهاننا جزاء الصدقة والزكاة ، ومضاعفته لنا الأجرَ ، فيقول : { مَّثَلُ ٱلَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَٱللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَآءُ … } [ البقرة : 261 ] . فإذا كانت الحبة عندما تضعها في الأرض تنبت سبعمائة حبة ، وإذا كانت الأرض ، وهي مخلوقة لله ، قد أعطتك عن الشيء الواحد سبعمائة ضعف ، فكم يعطي خالق الأرض ؟ وكم يضاعف ؟ إنها صورة مُحَسّة للجزاء على الصدقة والزكاة . وأنت ساعة تزرع الأرض لا تقول : أنا أنقصت المخزون عندي كيلة من القمح أو إردباً من القمح لأنك تعلم أنك تأخذ مما عندك إردباً من القمح لتزرعه في الأرض . ولكنك لا تنظر إلى الإردب الذي أخذته من المخزون عندك ، بل انظر إلى ما سوف يجيء لك من هذا الإردب ساعة الحصاد ، وكذلك الزكاة : إياك أن تنظر إلى ما سينقص من مالك عندما تؤدي الزكاة ، ولكن انظر إلى كم سيضاعف الله لك هذا المال . وقد ضرب الحق مثلاً بشيء مُحَسٍّ يعلمه الجميع ، ومن صورة ما نراه أمامنا لنفهم ما ينتظرنا ، فإذا كانت الأرض - وهي المصدر الأول للاقتيات - تُلقى فيها الحبة الواحدة ، فتعطي لك سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة ، وإذا كانت الأرض المخلوقة لله تعوضك عما وضعته فيها بسبعمائة ضعف ، فكم يعطيك خالق الأرض ؟ إذن : فهو سبحانه قادر أن يضاعف لمن يشاء بغير حساب . ولذلك يبشر الحق سبحانه وتعالى المؤمنين بقوله : { وَأُوْلَـٰئِكَ لَهُمُ ٱلْخَيْرَاتُ وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ } وهذا جزاء المؤمنين في الدنيا ، ولكن هناك جزاءاً آخر في الآخرة . وفي هذا يُبشِّرنا الحق سبحانه في قوله : { أَعَدَّ ٱللَّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي … } .