Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 9, Ayat: 92-92)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
إذن : فالمعفوْن من الجهاد هم : الضعيف والمريض ، والذي لا يجد قوتاً ، ولا يجد راحلة فيطلبها من رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول له رسول الله : { لاَ أَجِدُ مَآ أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ } ومن في مثل هذه الحالة يحزن مرتين ولا يفرح الحزن الأول : بسبب عجز المسلمين في ذلك الوقت أن يملكوا ما ينهض بنفقات المقاتلين أو أن يجهزوا لهم وسائل الانتقال إلى ميدان القتال ، والحزن الثاني : بسبب عدم تواجده في ميدان القتال مشاركاً ومجاهداً ، ولا يبقى له إلا مشاركة الاستطاعة بجهاد يختلف عن الجهاد في ميدان القتال . إنه جهاد حماية القاعدين من إشاعات المنافقين . ذلك أن المنافقين لن يسكتوا عن محاربة الإيمان ، بل سيرجفون بنقل الأخبار الكاذبة إلى أهالي المقاتلين ، وهم من نسميهم في الاصطلاح الحديث " الطابور الخامس " ، وهم من يُثبِّطون همم ومعنويات أهالي المقاتلين . إذن : فمن قعد عن القتال بسبب عذر حقيقي فله جهاد آخر في حماية الجبهة الداخلية من أهالي المقاتلين في مواجهة حرب الإشاعات التي يقودها المنافقون . وهكذا نجد الجهاد فريضة من فرائض الإسلام ، ومجاهدة غير المسلمين تكون لأمرين : الأمر الأول : حين يعارض غير المسلمين الدعوة إلى الإيمان ، وأن يقفوا في سبيل الداعي ليسكتوه عن الدعوة إلى الله ، والأمر الثاني : أن ينتشر المسلمون في الأرض ليُعْلوا كلمة الله ، ليس إكراهاً عليها ، فالدين لا إكراه فيه ، والسيف الذي حُمل في الإسلام ، لم يُحمل ليفرض ديناً ، وإنما حُمل ليكفل حرية الاختيار للإنسان في أن يختار الدين الذي يريد اعتناقه بلا إكراه . وتحرير اختيار الإنسان إنما ينشأ بإزاحة العقبات التي تفرض عليه ديناً آخر ، ثم يستقبل الإنسان الأديان كلها ، فيختار بحرية الدين الذي يرتضيه . إذن : فالإسلام لم يفرض بالسيف ، وإلا فمن الذي فرض الإسلام على الذين سبقوا إليه حين كان ضعيفاً لا يملك أن يحمي من دخل فيه ؟ ! وما دام الجهاد فريضة بهذا المعنى ، فكل مسلم مكلف بأن يجاهد ، إما فرض عين - إن غلب المؤمنون على أمر مكروه ، وإما فرض كفاية - إن قام به البعض سقط عن الباقين . ولم يعذر الله من الجهاد إلا هذه الطوائف الضعفاء بشيخوخة أو صغَر ، والمرضى أصحاب الداءات ، والذين لا يجدون ما ينفقون ، وهم قسمان : قسم لا يجد ما ينفقه على نفسه ، وقسم لا يجد ما ينفقه على الحرب ، أي : لا يجد أدوات القتال أو الراحلة التي يركبها . ورفع الحق سبحانه الحرج عن هؤلاء ، ووظَّفهم سبحانه في وظيفة إيمانية تخدم الجهاد بأن يكونوا في عون أهل المجاهدين ، ويقمعوا المرجفين الذين يريدون النيل من الروح المعنوية للمسلمين ، وأن يردوا عليها ، ويخرسوا ألسنة السوء ، هذا بالنسبة للذين لا يجدون ما ينفقونه على أنفسهم خلال الجهاد من طعام وسلاح وغير ذلك . أما الذي يجد ما ينفق ، ولا يجد الوسيلة التي تنقله إلى ساحة القتال فعليه أن يذهب إلى ولي الأمر ليسأله الراحلة ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو قائد الجهاد في حياته ، فإن قال لأحد : ليس عندي ما أنقلك عليه إلى مكان القتال . فهذا إذن بالقعود ، لكنه إذن لا يكفي لرفع الحرج عنه ، بل يجب أن يعلن بوجدانه انفعاله في حب الجهاد ، وحزنه على أنه لم يكن مع الذين يجاهدون . ولذلك قال الحق : { تَوَلَّوْا وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ ٱلدَّمْعِ حَزَناً أَلاَّ يَجِدُواْ مَا يُنْفِقُونَ } وكلمة " تفيض أعينهم " توضح ما في قلب هؤلاء المؤمنين . والفيض دائماً للدموع ، والدموع هي ماء حول العين يهيجه الحزن فينزل ، فإذا اشتد الحزن ونفد الدمع وجمدت العين عن البكاء يؤخذ من سائل آخر فيقال : " بكيت دما " . وأراد الحق سبحانه وتعالى أن يبين لنا شدة حزن المؤمنين على حرمانهم من الجهاد ، فلم يقل سبحانه وتعالى : " فاضت دموعهم " ، ولم يقل : " بكوا دماً بدل الدموع " ، وإنما قال : { وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ } ، فكأن العين ليس فيها ماء ، ولا دم ، ولم يعد إلا أن تفيض العين على الخد ، وذلك إظهار لشدة الحزن في القلب ، وهذا المجاهد لا لوم عليه ولا ذنب لأنه فعل ما في وسعه وما في طاقته وعبر عن ذلك بحرقة مواجيده على أنه لم يكن من أهل الجهاد . ثم يقول الحق سبحانه : { إِنَّمَا ٱلسَّبِيلُ عَلَى … } .