Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 13, Ayat: 11-11)
Tafsir: ad-Durr al-maṣūn fī ʿulūm al-kitāb al-maknūn
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { لَهُ } الضميرُ فيه أربعةُ أوجهٍ ، أحدها : أنه عائدٌ على " مَنْ " المكررة ، أي : لِمَنْ أسرَّ القولَ ولِمَنْ جَهَرَ به ولِمَنْ استخفى وسَرَب مُعَقِّبات ، أي : جماعة من الملائكة يَعْقُبُ بعضُهم بعضاً . الثاني : أنه يعود على " مَنْ " الأخيرةِ ، وهو قولُ ابن عباس . قال ابنُ عطية : " والمُعَقِّبات على هذا : حَرَسُ الرَّجُلِ وجَلاوِزَتُه الذين يحفطونَه . قالوا : والآيةُ على هذا في الرؤساء الكفارِ ، واختاره الطبري في آخرين " ، إلا أنَّ الماورديَّ ذكر على التأويلِ أنَّ الكلامَ نفيٌ ، والتقدير : لا يحفطونه . وهذا ينبغي أن [ لا ] يُسْمَعَ البتة ، كيف يَبْرُزُ كلامٌ موجَبٌ ويُراد به نفي ؟ وحَذْفُ " لا " إنما يجوز إذا كان المنفيُّ مضارعاً في جوابِ قسمٍ نحو : { تَالله تَفْتَؤُاْ } [ يوسف : 85 ] وقد تقدَّم تحريرُه ، وإنما معنى الكلام - كما قال المهدوي - يحفظونه مِنْ أمرِ اللهِ في ظنِّه وزعمه . الثالث : أنَّ الضميرَ في " له " يعود على الله تعالى ذِكْرُه ، وفي " يَحْفظونه " للعبد ، أي : لله ملائكةٌ يحفظون العبدَ من الآفات ، ويحفطون عليه أعمالَه ، قاله الحسن . الرابع : عَوْدُ الضميرين على النبي عليه السلام ، وإن لم يَجْرِ له ذِكْرٌ قريبٌ ، ولتقدُّم ما يُشعر به في قوله : { لَوْلاۤ أُنزِلَ عَلَيْهِ } [ الأنعام : 8 ] . ومعَقِّبات : جمع " مُعَقِّب " بزنة مُفَعِّل ، مِنْ عَقَّب الرجلُ إذا جاء على عَقِب الآخر ؛ لأنَّ بعضَهم يعَقِّب بعضاً ، أو لأنهم يُعَقِّبون ما يتكلم به . وقال الزمخشري : " والأصلُ معْتَقِبات ، فَأُدْغمت التاءُ في القاف كقوله : { وَجَآءَ ٱلْمُعَذِّرُونَ } [ التوبة : 90 ] ، أي : : المُعْتَذِرُون " ، ويَجوز " مُعَقِّبات " بكسر العين ولم يقرأ به . وقال الشيخ : " وهذا وهمٌ فاحشٌ لا تُدْغم التاءُ في القاف ، ولا القاف في التاء ، لا مِنْ كلمةٍ ولا مِنْ كلمتين ، وقد نصَّ التصريفيون على أن القافَ والكاف كلٌ منهما يُدْغم في الآخر ، ولا يدغمان في غيرهما ، ولا يُدْغم غيرهما فيهما . وأمَّا تشبيهُه بقوله : { وَجَآءَ ٱلْمُعَذِّرُونَ } فلا يتعيَّن أن يكونَ أصلُه " المُعْتَذِرون " وقد تقدَّم توجيهُه ، وأنه لا يتعيَّن ذلك فيه . وأمَّا قوله " ويجوز " مُعَقِّبات " بكسر العين فهذا لا يجوز لأنه بناه على أنَّ أصلَه " مُتَعَقِّبات " فأُدْغِمَت التاءُ في القافِ ، وقد بيَّنَّا أنَّ ذلك وهمٌ فاحشٌ " / . وفي " مُعَقِّبات " احتمالان ، أحدهما : أن يكون " مُعَقِّبة " بمعنى مُعَقِّب والتاء للمبالغة كعلاَّمَة ونسَّابة ، أي : مَلَكٌ مُعَقِّبٌ ، ثم جُمِع كعلاَّمات ونسَّابات . والثاني : أن يكون " مُعَقِّبة " صفةً لجماعة ، ثم جُمِع هذا الوصفُ . وذكر ابن جرير أنَّ " مُعَقِّبة " جمعُ مُعَقِّب ، وشبَّه ذلك برجل ورِجال ورجالات . قال الشيخ : " وليس كما ذَكَر ، إنما ذلك كَجَمَل وجِمال وجِمالات ، ومُعَقِّبة ومُعَقِّبات إنما هي كضاربةِ وضاربات . ويمكن أن يُجابَ عنه بأنه يريد بذلك أنه أُطْلِق مِنْ حيث الاستعمالُ على جمع مُعَقَّب ، وإن كان أصلُه أن يُطْلَق على مؤنث " مُعَقِّب " ، فصار مثلَ " الوارِدَة " للجماعة الذين يَرِدُون ، وإن كان أصلُه للمؤنثة من جهةِ أن جموعَ التكسير في العقلاء تُعَامَلُ معاملةَ المؤنثة في الإِخبار وعَوْدِ الضمير ، ومنه قولهم " الرجال وأعضادُها " ، [ و " العلماء ذاهبة إلى كذا " وتشبيهه ] ذلك برجل ورجال ورِجالات من حيث المعنى لا الصناعةُ " . وقرأ أُبَيّ وإبراهيم وعُبيد الله بن زياد " له مَعاقيبُ " . قال الزمخشري : [ جمع مُعْقِب أو ] مُعْقِبة ، والياءُ عوضٌ مِنْ حذف إحدى القافين في التكسير " . قلت : ويوضِّحُ هذا ما قاله ابنُ جني فإنه قال : " معاقيب تكسير [ مُعْقِب بسكونِ العين ] وكسر القاف كمُطْعِم ومَطاعِيْم ، ومُقْدِم ومَقاديم ، فكأنَّ مُعْقِباً جُمِع على مَعاقِبَة ، ثم جُعِلَتِ الياء في " مَعاقيب " عوضاً من الهاء المحذوفة في مَعاقبة " . قوله : { مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ } يجوز أن يتعلَّقَ بمحذوفٍ على أنه صفةٌ لـ " مُعَقِّبات " ويجوزُ أَنْ يعتلَّق بمعقِّبات ، و " مِنْ " لابتداء الغاية ، ويجوز أن يكونَ حالاً من الضمير الذي هو في الظرف الواقع خبراً . والكلامُ على هذه الأوجهِ تامٌّ عند قوله { وَمِنْ خَلْفِهِ } . وعَبَّر أبو البقاء عن هذه الأوجهِ بعبارةٍ مُشْكلة هذا شَرْحُها ، وهي قولُه : { مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ } يجوز أن يكونَ صفةً لمعَقِّبات ، وأن يكون ظرفاً ، وأن يكونَ حالاً مِنَ الضميرِ الذي فيه ، فعلى هذا يتم الكلامُ عنده " . انتهى . ويجوز أَنْ يتعلَّق بـ " يحفظونه " ، أي : يحفظونه مِنْ بينِ يديه ومِنْ خلفِه . [ فإن قلت : كيف يتعلَّق حرفان ] متحدان لفظاً ومعنى بعاملٍ واحد : وهما " مِنْ " الداخلةُ على " بين " و " مِنْ " الداخلة على " أَمْرِ الله " ؟ فالجواب أنَّ " مِنْ " الثانيةَ مغايرةٌ للأولى في المعنى كما ستعرفه . قوله { يَحْفَظُونَهُ } يجوز أن يكونَ صفةً لـ " مُعَقِّبات " ، ويجوز أن يكونَ حالاً من الضميرِ المستكنِّ في الجارِّ الواقعِ خبراً . و { مِنْ أَمْرِ ٱللَّهِ } متعلقٌ به ، و " مِنْ " : إمَّا للسبب ، أي : بسبب أمرِ الله ، - ويدلُّ له قراءة علي بن أبي طالب وابن عباس وزيد بن علي وعكرمة " بأَمْرِ الله " . وقيل : المعنى على هذا : يحفظون عملَه بإذن الله ، فحذف المضافَ - وإمَّا أن تكونَ على بابها . قال أبو البقاء : " مِنْ أَْمْرِ الله ، أي : من الجنِّ والإِنس ، فتكون " مِنْ " على بابها " . يعني أَنْ يُرادَ بأمر الله نفسُ ما يُحْفَظُ منه كَمَرَدة الإِنس والجنِّ ، فتكون " مِنْ " لابتداء الغاية . وجَوَّز أيضاً أن تكونَ بمعنى " عن " ، وليس عليه معنىً يليقُ بالآية الكريمة . ويجوز أن تتعلَّق بمحذوفٍ على انه صفةٌ لمُعَقِّبات أيضاً ، فيجيء الوصفُ بثلاثةِ أشياءَ في بعض الأوجه المتقدمة : بكونها مِنْ بينِ يديه ومِنْ خلفِه ، وبكونها تحفظُه ، وبكونها مِنْ أَمْرِ الله ، ولكن يتقدَّمُ الوصفُ بالجملةِ على الوصف بالجارِّ ، وهو جائزٌ فصيح . وليس في الكلام تقديمٌ وتأخيرٌ كما زعم الفراءُ وغيره ، وأن الأصلَ : له مُعَقِّبات مِنْ أَمْرِ الله يحفظونه مِنْ بينِ يديه ، لأنَّ الأصلَ عدمُه مع الاستغناءِ عنه . قوله : { وَإِذَا أَرَادَ } العاملُ في " إذا " محذوفٌ لدلالة جوابِها عليه تقديرُه : لم يُرَدَّ ، أو وقع ، ونحوُهما ، ولا يَعْمل فيها جوابُها ؛ لأنَّ ما بعد الفاء لا يعمل فيما قبلها .