Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 13, Ayat: 10-10)
Tafsir: ad-Durr al-maṣūn fī ʿulūm al-kitāb al-maknūn
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { سَوَآءٌ مِّنْكُمْ مَّنْ أَسَرَّ } : في " سواءٌ " وجهان ، أحدُهما : أنه خبرٌ مقدَّمٌ ، و { مَّنْ أَسَرَّ } و { وَمَنْ جَهَرَ } هو المبتدأ ، وإنما بم يُثَنَّ الخبر لأنه في الأصل مصدرٌ ، وهو هنا بمعنى مُسْتَوٍ ، وقد تقدَّم الكلامُ فيه أوَّلَ هذا الموضوعِ ، و " منكم " على هذا حالٌ من الضمير المستتر في " سواءٌ " لأنه بمعنى " مُسْتَوٍ " . قال أبو البقاء : " ويَضْعُفُ أن يكونَ حالاً من الضمير في " أَسَرَّ " أو " جَهَرَ " لوجهين ، أحدُهما : تقديمُ ما في الصلةِ على الموصولِ أو الصفة على الموصوف ، والثاني : تقديمُ الخبرِ على " منكم " ، وحقُّه أن يقعَ بعده " . قلت : [ قوله ] " وحقُّه أن يقع بعده " يعني بعده وبعد المبتدأ ، وإلا يَصِرْ / كلامُه لا معنى له . والثاني : أنه مبتدأ ، وجاز الابتداءُ به لوصفِه بقوله " مِنْكم " وأَعْرَبَ سيبويه " سواءٌ عليه الخيرُ والشرُّ " كذلك . وقولُ ابن عطية أن سيبويه ضَعَّفَ ذلك بأنه ابتداءٌ بنكرة ، غَلَطٌ عليه . قوله : { وَسَارِبٌ بِٱلنَّهَارِ } فيه ثلاثةُ أوجهٍ ، أحدُها : أن يكونَ معطوفاً على " مُسْتَخْفٍ " ، ويُرادُ بـ " مَنْ " حينئذٍ اثنان ، وحَمَلَ المبتدأَ الذي هو لفطةُ " هو " على لفظِها فأفرده ، والخبرَ على معناها فثَنَّاه . الوجه الثاني : أن يكونَ عطفاً على " { مَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ } لا على مُسْتَخْفٍ وحدَه . ويُرَجِّح هذين الوجهين ما قاله الزمخشري . قال رحمه الله : " فإنْ قلت : كان حقُّ العبارة أن يُقال : " ومَنْ هو مُسْتَخْفٍ بالليل ومَنْ هو ساربٌ بالنهار ؛ حتى يتناولَ معنى الاستواء المستخفي والساربُ ، وإلاَّ فقد تناول واحداً هو مُسْتَخْفٍ وساربٌ . قلت : فيه وجهان ، أحدٌهما : أنَّ قولَه " وساربٌ " عطفٌ على { مَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ } لا على " مُسْتَخْفٍ " . والثاني : أنه عَطْفٌ على " مُسْتَخْفٍ " ، إلا أنَّ " مَنْ " في معنى الاثنين ، كقوله : @ 2843 - … نَكُنْ مثلَ مَنْ يا ذئبُ يَصْطَحِبانِ @@ كأنه قيل : سواءٌ منكم اثنان : { مُسْتَخْفٍ بِٱلْلَّيْلِ وَسَارِبٌ بِٱلنَّهَار } . قلت : وفي عبارتِه بقوله " كان حقُّ العبارةِ كذا " سوءُ أدب . وقوله : كقولِه " نَكُنْ مثلَ مَنْ " يشير إلى البيت المشهور في قصة بعضِهم مع ذئبٍ يخاطبه : @ تَعَشَّ فإنْ عاهَدْتَني ولا تَخُونُني نَكُنْ مِثْل مَنْ يا ذئبُ يَصْطَحِبان @@ وليس في البيت حَمْلٌ على اللفظِ والمعنى ، إنما فيه حَمْلٌ على المعنى فقط ، وهو مقصودُه . وقوله : " وإلا فقد تناول واحداً هو مُسْتَخْفٍ وسارِبٌ " لو قال بهذا قائلٌ لأصاب الصوابَ ، وهو مذهبُ ابنِ عباس ومجاهدٍ ، ذهبا إلى أن المتسخفي والسارب شخصٌ واحد ، يَسْتخفي بالليل ويَسْرُب بالنهار ليرى تصرُّفَه في الناسِ . الثالث : أن يكونَ على حذف " مَنْ " الموصولة ، أي : ومَنْ هو سارِبٌ ، وهذا إنما يَتَمَشَّى عند الكوفيين ، فإنهم يُجيزون حَذْفَ الموصول ، وقد تقدَّم استدلالُهم ذلك . والسَّارِب : اسمُ فاعلٍ مِنْ سَرَبَ يَسْرُبُ ، أي : تَصَرَّف كيف شاء . قال : @ 2844 - أنَّى سَرَبْتِ وكنتِ غيرَ سَرُوْبِ وتُقَرِّبُ الأحلامُ غيرَ قريبِ @@ وقال آخر : @ 2845 - وكلُّ أُناسٍ قاربوا قَيْدَ فَحْلِهِمْ ونحنُ خَلَعْنَا قَيْدَهُ فهو سارِبُ @@ أي : متصرِّفٌ كيف تَوَجَّه ، لا يدفعه أحدٌ عن مَرْعى ، يَصِفُ قومه بالمَنَعَة والقوة .