Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 13, Ayat: 17-17)
Tafsir: ad-Durr al-maṣūn fī ʿulūm al-kitāb al-maknūn
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { أَوْدِيَةٌ } : هو جمعُ وادٍ ، وجمعُ فاعِل على أَفْعِلَة ، قال أبو البقاء : " شاذٌّ ، ولم نَسْمَعْه في غيرِ هذا الحرف ، ووجهُه : أنَّ فاعِلاً قد جاء بمعنى فَعِيل ، وكما جاء فَعِيل وأفْعِلَة كجَرِيْب وأَجْرِبَة ، وكذلك فاعِل " ، قلت : قد سُمع فاعِل وأفْعِلة في حرفين آخرين ، أحدُهما : قولهم : جائز وأجْوِزَة ، والثاني : ناحِية وأَنْحِية . قوله : " بقَدَرها " فيه وجهان ، أحدُهما " أنه متعلِّقٌ بـ " سالَتْ " ، والثاني : أنه متعلِّقٌ بمحذوفٍ لأنه صفةٌ لـ " أَوْدية " . وقرأ العامَّةُ بفتح الدال ، وزيد بن علي والأشهب العقيلي وأبو عمرو في روايةٍ بسكونها ، وقد تقدَّم ذلك في سورة البقرة . و " احتمل " بمعنى حَمَل فافْتَعَلَ بمعنى المجرد ، وإنما نكَّر الأودية وعَرَّف السيلَ ؛ لأنَّ المطر يَنْزِل في البِقاع على المناوبة ، فتسيلُ بعضُ أوديةِ الأرضِ دونَ بعضٍ ، وتعريفُ السيل لأنه قد فُهِم من الفعل قبله وهو " فسالَتْ " وهو لو ذُكِرَ لكان نكرةً ، فلمَّا اُعيد اُعِيدَ بلفظِ التعريفِ نحو : " رايت رجلاً فأكرمت الرجلَ " [ والزَّبَد : وَضَرُ الغَلَيان وخَبَثُه ] قال النابغة : @ 2852 - فما الفُراتُ إذا هَبَّ الرياحُ له تَرْمي غوارِبُه العِبْرَيْنِ بالزَّبَدِ @@ وقيل : هو ما يَحْتمله السَّيلُ مِنْ غُثاءٍ ونحوه ، وما يرمي به [ على ] ضفَّته من الحَباب . وقيل : هو ما يَطْرحُه الوادي إذا جاش ماؤه ، وارتفعت أمواجُه . وهي عباراتٌ متقاربة . والزُّبَد : المستخرجُ من اللبن . قيل : مشتقٌّ مِنْ هذا لمشابَهَتِه إياه في اللون ، ويقال : زَبَدْتُه زَبْداً ، أي : أعطيته مالاً ، يُضرب به المثلُ في الكثرةِ ، وفي الحديث : " غُفِرَتْ له ذنوبُه وإن كانت مِثْلَ زَبَد البحر " . قوله : { وَمِمَّا يُوقِدُونَ } هذا الجارُّ [ خبر مقدَّمٌ ، ومبتدَؤه " زَبَدٌ " ] . و " مثلُه " صفةُ المبتدأ ، والتقدير : ومن الجواهرِ التي هي كالنحاس والذهب والفضة زَبَدٌ ، أي : خَبَثٌ مثلُه ، أي : مثلُ زَبَدِ الماء ، ووجهُ المماثلةِ : أنَّ كلاًّ منهما ناشئٌ مِن الأَكْدار . وقَرَأَ الأخَوانِ وحفصٌ " يُوقِدُوْن " بالياء من تحت ، أي : الناسُ ، والباقون بالتاء مِنْ فوقُ على الخطاب . و " عليه " متعلقٌ بـ " يُوْقِدون " . وأمَّا " في النار " ففيه وجهان ، أحدُهما : أنه متعلقٌ بـ يوقِدون ، وهو قول الفارسيِّ والحوفيِّ وأبي البقاء . الثاني : أنه متعلقٌ بمحذوف ، أي : كائناً أو ثابتاً ، قاله مكي وغيره . ومنعوا تعلُّقه بـ " يُوقِدُون " لأنهم زعموا أنه لا يُوْقَد على شيء إلا وهو في النار ، وتعليقُ حرفِ الجر بـ " يُوْقِدون " يقتضي تخصيصَ حالٍ من حالٍ أخرى . وهذا غيرُ لازمٍ . قال أبو علي : " قد يُوْقَد على الشيء وإن لم يكنْ في النارِ ، كقولِه تعالى : { فَأَوْقِدْ لِي يٰهَامَانُ عَلَى ٱلطِّينِ } [ القصص : 38 ] والطِّين لم يكن فيها ، وإنما يُصيبُه لَهَبُها ، وأيضاً فقد يكونُ ذلك على سبيلِ التوكيدِ كقوله تعالى : { وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ } [ الأنعام : 38 ] . قوله : " ابتغاءَ " فيه وجهان ، أظهرُهما : أنه مفعولٌ مِنْ اجله . والثاني : أنه مصدرٌ في موضع الحال ، أي : مُبْتَغِين حِلْية ، و " حِلْيةٍ " مفعولٌ معنىً . " أو متاعٍ " نَسَقٌ على " حِلْيةٍ " ، فالحلْيَةُ ما يُتَزَيَّن به ، والمَتَاع : مَا يَقْضُون به حوائِجَهم كالمَساحي من الحديد ونحوِها . و " مِنْ " في قوله : { وَمِمَّا يُوقِدُونَ } تحتمل وجهين ، أحدُهما : أن تكونَ لابتداءِ الغاية ، أي : ومنه ينشأ زَبَدٌ مثلُ زَبَدِ الماء . والثاني : أنها للتبعيضَ ، بمعنى : وبَعْضُه زَبَدٌ . قوله : " جُفاءً " حال . والجُفَاءُ : قال ابن الأنباري : " المتفرِّقُ " . يقال : جَفَأَتِ الريحُ السحابَ ، أي : قَطَعَتْه وفَرَّقته . وقيل : الجُفاء : ما يَرْمِي به السَّيْلُ . يُقال : جَفَأَتِ القِدْرُ بزَبَدِها تَجْفَأُ ، وجَفَأَ السَّيْلُ بزَبَدِه وأَجْفَأَ وأَجْفَلَ ، وباللامِ قرأ رُؤبة بن العجاج . قال أبو حاتم : " لا يُقرأ بقراءةِ رؤبة ، لأنه كان يأكلُ الفارَ " يعني أنه أعرابيٌّ جافٍ . قلت : قد تقدَّم ثناءُ الزمخشري عيله أولَ البقرة ، وذِكْرُ فصاحتِه . وقد وجَّهوا قراءَتَه بأنها مِنْ أَجْفَلَتِ الريحُ الغنمَ ، أي : فَرَّقَتْه قِطَعاً فهي في المعنى كقراءةِ العامَّة بالهمزة . وفي همزة " جُفاء " وجهان ، أظهرهُما : أنها أصلٌ لثبوتِها في تصاريف هذه المادةِ كما رأيتَ . والثاني : بدلٌ من واو ، وكأنه مختارُ أبي البقاء وفيه نظرٌ ؛ لأنَّ مادة جفا يَجْفو لا يليق معناها هنا ، والأصلُ عدمُ الاشتراكِ . قوله : " كذلك يَضْرِب " / الكافُ في محلِّ نصبٍ ، أي : مثلَ ذلك الضَّرْبِ يَضْرِب .