Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 13, Ayat: 31-31)
Tafsir: ad-Durr al-maṣūn fī ʿulūm al-kitāb al-maknūn
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً } : جوابُها محذوفٌ ، أي : لكان هذا القرآنُ ، لأنه في غاية ما يكونُ من الصحة . وقيل : تقديرُه : لما آمنوا . ونُقِل عن الفراء أنَّ جوابَ " لو " هي الجملة مِنْ قولِه { وَهُمْ يَكْفُرُونَ } ففي الكلامِ تقديمٌ وتأخيرٌ ، وما بينهما اعتراضٌ . وهذا في الحقيقة دالٌّ على الجوابِ . وإنما حُذِفَت التاءُ في قوله " وكُلِّم به المَوْتى " وثَبَتَتْ في الفعلَيْن قبله لأنه من باب التغليب ؛ لأنَّ " المَوْتى " يشمل المذكرَ والمؤنث . قوله : { أَفَلَمْ يَيْأَسِ ٱلَّذِينَ } أصلُ اليَأْسِ : قَطْعُ الطمعِ عن الشيء والقُنوطُ فيه . واختلف الناسُ فيه ههنا : فقال بعضهم : هو هنا على بابه ، والمعنى : أفلم يَيْئَسِ الذين آمنوا من إيمانِ الكفَّار من قريش ، وذلك أنَّهم لَمَّا سألوا هذه الآياتِ طَمِعوا في إيمانِهم وطلبوا نزولَ هذه الايات ليؤمِنَ الكفار ، وعَلِمَ اللهُ أنهم لا يؤمنون فقال : أفلم يَيْئَسوا من إيمانهم ، قاله الكسائي . وقال الفراء : " أَوْقَعَ الله للمؤمنين أنْ لو يشاء اللهُ لهدى الناسَ جميعاً فقال : أفلم يَيْئسوا عِلْماً ، يقول : أَيْئَسهم العِلْم مضمراً ، كما تقول في الكلام : يَئِست منك أن لا تفلح ، كأنه قال : عَلِمه علماً " ، قال : فيَئِسَتْ بمعنى عَلِمَت ، وإنْ لم يكنْ قد سمع ، فإنه يتوجَّه إلى ذلك بالتأويل " . وقال ابن عطية : " ويحتمل أن يكونَ " اليأسُ " في هذه الآية على بابه ، وذلك : أنه لمَّا أبْعَدَ إيمانَهم في قوله : { وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً } على التأويلين في المحذوفِ المقدَّر قال في هذه : أفلم يَيْئَسِ المؤمنون من إيمانِ هؤلاءِ عِلْماً منهم أن لو يشاء اللهُ لهدَى الناسَ جميعاً " . وقال الزمخشري : " ويجوز أن يتعلَّقَ { أَن لَّوْ يَشَآءُ } بآمَنوا على : أولم يَقْنَطْ عن إيمانِ هؤلاءِ الكَفَرَةِ الذين آمنوا بأن لو يشاءُ اللهُ لهدى الناسَ جميعاً ولهداهم " وهذا قد سبقه إليه أبو العباس . وقال الشيخ : " ويُحْتَمَلُ عندي وجهٌ آخرُ غيرُ الذي / ذكروه : وهو أنَّ الكلامَ تامٌّ عند قوله : { أَفَلَمْ يَيْأَسِ ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ } وهو تقريرٌ ، أي : قد يَئِس المؤمنون من إيمان المعاندين ، و { أَن لَّوْ يَشَآءُ ٱللَّهُ } جوابُ قَسَمٍ محذوفٍ ، أي : وأُقْسِمُ لو يشاء الله لهدى الناس جميعاً ، ويدلُّ على هذا القَسَمِ وجودُ " أنْ " مع " لو " ، كقولِ الشاعر : @ 2857 - أَمَا واللهِ انْ لو كنتَ حُرَّاً وما بالحُرِّ أنت ولا القَمينِ @@ وقول الآخر : @ 2858 - فأُقسمُ أنْ لَوِ التقينا وأنتُمُ لكان لكم يومٌ من الشرِّ مظلِمُ @@ وقد ذكر سيبويه أنَّ " أنْ " تأتي بعد القَسَم ، وجعلها ابنُ عصفور رابطةً للقَسَم بالجملة المُقْسَمِ عليها . وقال بعضُهم : " بل هو هنا بمعنى عَلِمَ وتَبَيَّن . قال القاسم بن معن وهو من ثقاتِ الكوفيين : " هي لغة هوازن " . وقال ابن الكلبي : " هي لغةُ حيّ من النَّخَع ، ومنه قولُ رباح بن عدي : @ 2859 - ألم يَيْئَسِ الأقوامُ أني أنا ابنُهُ وإن كنتُ عن أرضِ العشيرةِ نائيا @@ وقول سحيم : @ 2860 - أقولُ لهم بالشَّعْبِ إذ يَأْسِرُونني ألم تَيْئَسُوا أني ابنُ فارسِ زَهْدَمِ @@ وقول الآخر : @ 2861 - حتى إذا يَئِسَ الرُّماةُ وأَرْسَلوا غُضْفاً دواجنَ قافِلاً أعْصامُها @@ وردَّ الفراء هذا وقال : " لم أَسْمَعْ يَئِسْتُ بمعنى عَلِمْتُ " . ورُدَّ عليه : بأنَّ مَنْ حَفِظ حجةٌ على مَنْ لم يَحْفَظْ ، ويَدُلُّ على ذلك قراءةُ عليّ وابن عباس وعكرمة وابن أبي مُلَيْكة والجحدري وعلي بن الحسين وابنه زيد وجعفر بن محمد وابن يزيد المديني وعبد الله بن يزيد وعلي ابن بَذِيمة : " أو لم يتبيَّنْ " ، مِنْ تبيَّنْتُ كذا إذا عَرَفْتَه . وقد افترى مَنْ قال : " إنما كتبه الكاتب وهو ناعِسٌ ، وكان أصله " أفلم يتبيَّن " فَسَوَّى هذه الحروفَ فَتُوُهِّمَ أنها سين " . قال الزمخشري : " وهذا ونحوُه ممَّا لا يُصَدَّقُ في كتاب [ كتاب الله الذي لا يأتيه ] الباطلُ مِنْ [ بينِ ] يديه ولا مِنْ خلفِه ، وكيف يَخْفَى هذا حتى يَبْقى بين دَفَتَيْ الإِمام ، وكان متقلِّباً في أيدي أولئك الأعلامِ المحتاطِيْنَ في دين الله ، المهيمنين عليه ، لا يَغْفُلون عن جلائِله ودقائقِه ، خصوصاً عن القانون الذي إليه المرجعُ ، والقاعدةُ التي عليها المبنى ، هذه واللهِ فِرْيَةٌ ، ما فيها مِرْيَةٌ " . وقال الزمخشري أيضاً : " وقيل : إنما اسْتَعْمل اليأسَ بمعنى العِلْم ، لأن الآيسَ عن الشيء عالمٌ بأنه لا يكونُ ، كما اسْتَعْمل الرجاءَ في معنى الخوف والنسيان والتركِ لتضمُّن ذلك " . ويُحتمل في " أَنْ " قولان ، أحدُهما : أنها المخففةُ من الثقيلة فاسمُها ضميرُ الشأنِ ، والجملةُ الامتناعيةُ بعدها خبرُها ، وقد وقع الفصلُ بـ " لو " ، و " أنْ " وما في حَيِّزها إن عَلَّقْناها بـ " آمنوا " تكونُ في محلِّ نصبٍ أو جَرّ على الخلاف بين الخليلِ وسيبويه ، إذ أصلُها الجرُّ بالحرفِ ، أي : آمَنوا بأن لو يشاءُ الله ، وإن عَلَّقْناها بـ " يَيْئَس " على أنه بمعنى " عَلِمَ " كانت في محلِّ نصبٍ لسَدِّها مَسَدَّ المفعولين . والثاني : أنها رابطةٌ بين القًسَمِ والمُقْسِمِ عليه كما تقدم . قوله : { أَوْ تَحُلُّ } يجوز أن يكونَ فاعلُه ضميرَ الخطاب [ أي : ] أو تَحُلُّ أنت يا محمدُ ، وأن يكونَ ضميرَ القارعة ، وهذا أَبْيَنُ ، أي : تُصيبهم قارِعَةٌ ، أو تَحُلُّ القارعة . وقرأ ابن جبير ومجاهد " يَحُلُّ " بالياء مِنْ تحتُ ، والفاعلُ على ما تقدم : إمَّا ضميرُ القارعة ، وإنما ذكَّر الفعلَ لأنها بمعنى العذاب ، أو لأن التاءَ للمبالغة ، والمرادُ قارِع ، وإمَّا ضميرُ الرسول ، أتى به غائباً . وقرآ أيضاً " مِنْ ديارهم " وهي واضحة .