Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 109-110)
Tafsir: ad-Durr al-maṣūn fī ʿulūm al-kitāb al-maknūn
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم } : الكلامُ في " لو " كالكلامِ فيها عندَ قوله : { يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ } [ البقرة : 96 ] ، فمَنْ جَعَلَهَا مصدريةً هناك جعَلها كذلك هنا ، وقال : هي مفعولُ " يَوَدُّ " ، أي : وَدَّ كثيرٌ رَدَّكم . ومَنْ أبى جَعَلَ جوابَها محذوفاً تقديرُه : لو يَرُدُّونَكم كفاراً لَسُرُّوا - أو فرحوا - بذلك ، وقال بعضُهم : تقديرُه : لو يَرُدُّونكم كفاراً لَوَدُّوا ذلك ، فَوَدَّ دالَّةٌ على الجوابِ وليسَتْ بجوابٍ لأنَّ " لو " لا يتقدَّمُها جوابُها كالشرط . وهذا التقديرُ الذي قَدَّره هذا القائلُ فاسدٌ ؛ وذلك أنَّ " لو " حرفٌ لما كان سيقعُ لوقوعِ غيرِه فَيَلْزَمُ مِنْ تقديرِه ذلك أن وَدَادَتَهُم ذلك لم تَقَعْ ، لأن الموجَبَ لفظاً منفيٌّ معنىً ، والغرضُ أن ودَادَتَهم ذلك واقعةٌ باتفاقٍ ، فتقديرُ : لَسُرُّوا ونحوِه هو الصحيحُ . و " يَرُدُّ " هنا فيه قولان ، أحدُهما - وهو الواضحُ - أنها المتعديةُ لمفعولين بمعنى صَيَّر ، فضميرُ المخاطبين مفعولٌ أَوَّلُ ، و " كفاراً " مفعولٌ ثانٍ ، ومِنْ مجيء رَدَّ بمعنى صَيَّر قوله : @ 676 رمى الحَدَثانُ نسوةَ آلِ حربٍ بمِقْدارٍ سَمَدْنَ له سُمودا فَرَدَّ شعورَهُنَّ السُّودَ بيضاً وَرَدَّ وجوهَهُنَّ البِيضُ سُودا @@ وجَعَلَ أبو البقاء " كفاراً " حالاً من ضميرِ المفعولِ على أنَّها المتعديةُ لواحدٍ ، وهو ضعيفٌ لأنَّ الحالَ يُسْتَغْنى عنها غالباً ، وهذا لا بُدَّ منه . و " مِنْ بعدِ " متعلِّقٌ بيَرُدُّونكم ، و " مِنْ " لابتداءِ الغاية . قوله : { حَسَداً } نصبٌ على المفعولِ له ، وفيه الشروطُ المجوِّزة لنصبِه ، والعاملُ فيه " وَدَّ " أي : الحاملُ على ودَادَتِهم رَدَّكم كفاراً حَسَدُهم لكم . وجَوَّزوا فيه وجهين آخرين ، أحدُهما : أنه مصدرٌ في موضعِ الحالِ ، وإنما لم يُجْمَعْ لكونِه مصدراً ، أي : حاسِدِين ، وهذا ضعيفٌ ؛ لأنَّ مجيءَ المصدرِ حالاً لا يَطَّرِدُ . الثاني : أنه منصوبٌ على المصدريةِ بفعلٍ مقدَّرٍ من لفظِه أي يَحْسُدونكم حَسَداً ، والأولُ أظهرُ الثلاثة . قوله : { مِّنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ } في هذا الجارِّ ثلاثةُ أوجهٍ ، أحدُها ، أنَّه متعلِّقٌ بوَدَّ ، أي : وَدُّوا ذلك مِنْ قِبَلِ شَهَواتِهم لا من قبلِ التَدَيُّنِ ، و " مِنْ " لابتداءِ الغايةِ . الثاني : أنه صفةٌ لـ " حَسَدا " ، فهو في محلِّ نصبٍ ، ويتعلَّقُ بمحذوفٍ أي : حَسَداً كائناً مِنْ قِبَلهم وشهوتِهم ، ومعناه قريبٌ من الأول . الثالث : انه متعلِّقُ بيردُّونكم ، و " مِنْ " للسببية ، أي : يكونُ الردُّ مِنْ تِلْقائِهم وجِهَتِهم وبإغوائهم . قوله : " مِّن بَعْدِ مَا " متعلِّقٌ بـ " وَدَّ " ، و " مِنْ " للابتداءِ ، أي إنَّ ودَادَتَهم ذلك ابتدأتْ من حينِ وضوحِ الحقِّ وتبيُّنِه لهم ، فكفرُهم عنادٌ ، و " ما " مصدريةٌ أي : مِنْ بعدِ تبيُّنِ الحقِّ . والحَسَدُ : تمنِّي زوالِ نعمةِ الإِنسانِ ، المصدرُ : حَسَدٌ وحَسَادَة . والصَّفْحُ قريبُ من العفو ، مأخوذٌ من الإِعراض بِصَفْحَةِ العنق ، وقيل : معناهُ التجاوزُ ، مِنْ تَصَفَّحْتُ الكتاب أي : جاوزت / ورقَه ، والصَّفوح : من أسماء الله ، والصَّفُوح أيضاً : المرأةُ تَسْتُر وجهَها إعراضاً ، قال : @ 677 صَفُوحٌ فما تَلْقاكَ إلاَّ بِحِيلةٍ فمَنْ ملَّ منها ذلك الوصلَ مَلَّتِ @@ قوله : { وَمَا تُقَدِّمُواْ لأَنْفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ } كقوله : { مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ } [ البقرة : 106 ] فيجوز في " ما " أن تكونَ مفعولاً بها وأن تكونَ واقعةً موقعَ المصدرِ ، ويجوز في " مِنْ خيرٍ " الأربعةُ الأوجهِ التي في " من آية " . من كونِه مفعولاً به أو حالاً أو تمييزاً أو متعلقاً بمحذوفٍ . و " مِنْ " تبعيضيةٌ ، وقد تقدَّم تحقيقُها فَلْيُراجَع ثَمَّةَ . و " لأنفسِكم " متعلِّق بتقدِّموا ، أي : لحياةِ أنفسِكم ، فَحُذِفَ ، و " تَجِدُوه " جوابُ الشرطِ ، وهي المتعدِّيةُ لواحدٍ لأنها بمعنى الإِصابةِ ، ومصدرُها الوِجْدانُ بكسرِ الواو كما تقدَّم ، ولا بُدَّ من حذفِ مضافٍ أي : تَجدوا ثوابَه ، وقد جَعَلَ الزمخشري الهاءَ عائدةً على " ما " وهو يريد ذلك ، لأنَّ الخيرَ المتقدِّم سببٌ مُنْقَضٍ لا يوجد ، إنما يوجد ثوابُه . قوله : " عند الله " يجوزُ فيه وجهان . أحدُهما : أنه متعلقٌ بـ " تجدوه " . والثاني : أنه متعلِّقٌ بمحذوفٍ على أنه حالٌ من المفعولِ أي : تَجِدُوا ثوابَه مُدَّخَراً مُعَدَّاً عند الله ، والظرفيةُ هنا مجازٌ نحو : " لك عندَ فلانٍ يدُ " .