Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 108-108)
Tafsir: ad-Durr al-maṣūn fī ʿulūm al-kitāb al-maknūn
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
منقطعةٌ هذا هو الصحيحُ في الآيةِ . قال ابنُ عطية " ظاهرُه الاستفهامُ المحضُ ، فالمعادِلُ هنا على قولِ جماعةٍ : أَمْ تريدون ، وقال قومٌ : أَمْ منقطعةٌ ، فالمعادِلُ محذوفٌ تقديرُه : أَمْ عَلِمْتُم ، هذا إذا أُريدَ بالخِطابِ أمتُه عليه السلام ، أمَّا إذا أُرِيدَ هو به فالمعادِلُ محذوفٌ لا غيرُ ، وكِلا القَوْلَين مَرْوِيُّ " انتهى . وهذا غيرُ مَرْضِيٍّ لِما مَرَّ أَنَّ المرادَ بِه التقريرُ ، فهو كقولِه : { أَلَيْسَ ٱللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ } [ الزمر : 36 ] { أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ } [ الانشراح : 1 ] والاستفهامُ بمعنى التقريرِ كثيرٌ جداً لا سيما إذا دَخَلَ على نفيٍ كما مَثَّلْتُه لك . وفي قولِه : { أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ ٱللَّهَ } التفاتان ، أحدُهما : خروجٌ من خطاب جماعةٍ وهو { خَيْرٍ مِّن رَّبِّكُمْ } ، والثاني : خروجٌ من ضميرِ المتكلِّم المعظِّمِ نفسَه إلى الغَيْبَةِ بالاسمِ الظاهر ، فلم يقل : ألم تعلموا أننا ، وذلكَ لِما يَخْفَى من التعظيمِ والتفخيم . { أَنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } : أَنَّ وما في حَيِّزِها : إمَّا سادةٌ مسدَّ مفعولَيْنِ كما هو مذهبُ الجمهورِ ، أو واحدٍ والثاني محذوفٌ كما هو مذهبُ الأخفشِ حَسْبَ ما تقدَّم من الخلافِ . قوله تعالى : { أَمْ تُرِيدُونَ } … قد تَقَدَّم أنَّ " أَمْ " هذه يجوزُ أن تكونَ متصلةً معادِلَةً لقولِه : " ألم تَعْلَمْ " ، وأَنْ تكونَ منقطعة وهو الظاهرُ ، فَتُقَدَّر ببل والهمزِ ، ويكون إضرابَ انتقالٍ من قصةٍ إلى قصة قال أبو البقاء : أَمْ هنا منقطعةٌ ، إذ ليسَ في الكلام همزةٌ تقعُ موقعَها ومع أم : أيُّهما ، والهمزةُ من قولِه : " ألم تعلمْ " ليسَتْ مِنْ أم في شيء والمعنى : بل أتريدون " فَخَرَجَ مِن كلام إلى كلام . وأصلُ تُريدون : تُرْودُون ، لأنه مِنْ رَادَ يَرُودُ ، وقد تقدَّم ، فَنُقِلَتْ حركةُ الواوِ على الراءِ فَسَكَنَت الواوُ بعد كسرةٍ فقُبِلَتْ ياءً . وقيل " أم " للاستفهامِ ، وهذه الجملةُ منقطعةٌ عما قبلها وقيل : هي بمعنى بل وحدَها ، وهذان قولان ضعيفان . قوله : { أَن تَسْأَلُواْ } ناصبٌ ومنصوبٌ في محلِّ نصبٍ مفعولاً به بقوله " تُريدون " ، أي : أتريدون سؤالَ رسولِكم . قولُه : " كما سُئِلَ " متعلِّقٌ بتَسْأَلوا ، والكافُ في محلِّ نصبٍ ، وفيها التقديران المشهوران : فتقديرُ سيبويه أنَّها حالٌ من ضمير المصدرِ المحذوف أي : أَنْ تَسْأَلوه أي : السؤالَ حالَ كونِه مُشَبَّهاً بسؤالِ قومِ موسى له ، وتقديرُ غيرِه - وهم جمهور النحويين - أنه نعت لمصدر محذوف ، أي : إن تسألوا رسولكم سؤالاً مشبهاً كذا . و " ما " مصدرية ، أي : كسؤال موسى ، وأجاز الحوفي كونها بمعنى الذي فلا بدَّ من تقدير عائد ، أي كالسؤال الذي سُئِله موسى . و " موسى " مفعول لم يُسمَّ فاعله ، حُذِف الفاعل للعلم به ، أي كما سأل قوم موسى . والمشهور : " سُئِل " بضم السين وكسر الهمزة ، وقرأ الحسن : " سِيل " بكسر السين وياء بعدها ، مِنْ : سالَ يسال نحو خِفْتُ أخاف ، وهل هذه الألفُ في " سال " أصلُها الهمزُ أولا ؟ تقدَّم خلافٌ في ذلك وسيأتي تحقيقُه في " سَأَلَ " ، وقُرىء بتسهيلِ الهمزةِ بينَ بينَ . و " من قبلُ " متعلق بسُئل ، و " قبلُ " مبنيةٌ على الضَمِّ لأن المضافَ إليه معرفةٌ أي : من قبلِ سؤالِكم . وهذا توكيدٌ ، وإلاَّ فمعلومٌ أنَّ سؤال موسى كان متقدَّماً على سؤالهم . قوله : { بِٱلإِيمَانِ } فيه وجهان ، أحدُهما : أنها باء العِوَضيَّة ، وقد تقدَّم تحقيقُ ذلك . والثاني : أنها للسببية ، قال أبو البقاء : " يجوز أن يكونَ مفعولاً بيتبدَّل ، وتكون الباءُ للسبب كقولك : اشتريْتُ الثوبَ بدرهمٍ " وفي مثالِه هذا نظرٌ . { فَقَدْ ضَلَّ سَوَآءَ ٱلسَّبِيلِ } قُرِىَء بإدغام الدال في الضاد وإظهارها ، و " سواءَ " قال أبو البقاء : " سواء السبيلِ ظرفٌ بمعنى وَسَطِ السبيلِ وأعدله " وهذا صحيحٌ فإنَّ " سَواء " جاء بمعنى وَسَط ، قال تعالى : { فِي سَوَآءِ ٱلْجَحِيمِ } [ الصافات : 55 ] وقال عيسى بن عمر : " ما زلت أكتب حتى انقطع سَوائي " وقال حسان @ 674 يا ويحَ أصحابِ النبيِّ ورَهْطِه بعدَ المُغَيَّبِ في سَواءِ المُلْحَدِ @@ ومن مجيئه بمعنى العَدْلِ قولُ زهير : @ 675 أَرُونا خُطَّةً لا عيبَ فيها يُسَوِّي بيننا فياه السَّواءُ @@ والسبيلُ يُذَكَّر ويؤنَّث : { قُلْ هَـٰذِهِ سَبِيلِيۤ } [ يوسف : 108 ] . والجملةُ من قولِه : " فَقَدْ ضَلَّ " في محلِّ جزمٍ لأنَّها جزاءُ الشرطِ ، والفاءُ واجبةٌ هنا لعَدَمِ صلاحيَتِه شَرْطَاً .