Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 182-182)

Tafsir: ad-Durr al-maṣūn fī ʿulūm al-kitāb al-maknūn

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { فَمَنْ خَافَ } : يجوزُ فيها الوجهان الجائزان في " مَنْ " قبلَها . والفاءُ في " فلا إثم " هي جوابُ الشرطِ أو الداخلةُ في الخبر . و " مِنْ موصٍ " يجوزُ فيه ثلاثةُ أوجهٍ ، أحدُها : أن تكونَ متعلقةً بخاف على انها لابتداءِ الغاية . الثاني : أن تتعلَّقَ بمحذوفٍ على أنها حالٌ من " جَنَفَاً " ، قُدِّمَتْ عليه ، لأنها كانَتْ في الأصل صفةً له ، فلمَّا تَقَدَّمَتْ نُصِبَتْ حالاً . ونظيره : " أخَذْتُ من زيد مالاً " إن شِئت عَلَّقْتُ " مِنْ زيد " بـ " أَخَذْتُ " ، وإنْ شِئْتَ جَعَلْتَه حالاً من " مالاً " لأنه صفته في الأصلِ ، الثالث : أن تكونَ لبيان جنسِ الجانفين : وتتعلَّقُ أيضاً بخاف . فعلى القولين الأولين لا يكونَ الجانِفُ من الموصِين بل غيرُهم ، وعلى الثالث يكونُ من الموصين . وقرأ أبو بكر وحمزة والكسائي : " مُوَصٍّ " بتشديدِ الصادِ والباقون بتخفيفها . وهما من أوصى ووصَّى ، وقد تقدَّم أنهما لغتان ، إلاَّ أن حمزةَ والكسائي وأبا بكر هم من جملةِ الذين يَقْرؤون { وَوَصَّىٰ بِهَآ إِبْرَاهِيمُ } [ البقرة : 132 ] مضعَّفاً ، وأنَّ نافعاً وابن عامر يقرآن : " أوصى " بالهمزة ، فلو لم تكن القراءةُ سُنَّةً متبعةً لا تجوزُ بالرأي لكان قياسُ قراءةِ ابن كثير وأبي عمرو وحفص هناك " ووصَّى " بالتضعيف أن يقرآ هنا " مُوَصٍّ " بالتضعيف ، وأما نافعٌ وابنُ عامر فإنهما قرآ هنا " مُوصٍ " مخففاً على قياس قراءتهما هناك و " أَوْصَى " على أَفْعَل . وكذلك حمزة والكسائي وأبو بكر قرؤوا : " ووصَّى " هناك بالتضعيف فقرؤوا هنا " مُوَصٍّ " بالتضعيفِ على القياس . والخَوْفُ هنا بمعنى الخَشْيَة وهو الأصلُ ، وقيل : بمعنى العِلْم وهو مجازٌ ، والعلاقةُ بينهما هو أنَّ الإِنسَان لا يَخافُ شيئاً حتى يَعْلَم أنه مِمَّا يُخاف منه فهو من باب التعبير عن السبب بِالمُسَبِّبِ . ومِنْ مجيء الخوف بمعنى العِلْم قولُه تعالى : { إِلاَّ أَن يَخَافَآ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ ٱللَّهِ } [ البقرة : 229 ] ، وقولُ أبي مِحْجن الثقفي : @ 830 إذا مُتُّ فادْفِنِّي إلى جَنْبٍ كَرْمَةٍ تُرَوِّي عظامي في المَمات عروقُها ولا تَدْفِنَنِّي في الفلاةِ فإنني أخَافُ إذا ما مُتُّ ألاَّ أذوقُها @@ والجَنَفُ لأهلِ اللغةِ فيه قولان أحدُهما : المَيْلُ ، قال الأعشى : @ 831 تَجانَفُ عن حُجْرِ اليمَامةِ ناقتي وما قَصَدَتْ من أهلِها لِسِوائكا @@ وقال آخر : @ 832 هُمُ المَوْلى وإنْ جَنَفُوا عَلَيْنا وإنَّا مِنْ لقائِهِمْ لَزُورُ @@ وقيل : هو الجَوْرُ . قال : @ 833 إني امرؤٌ منعَتْ أَرومةُ عامرٍ ضَيْمي وقد جَنَفَتْ عليَّ خُصومُ @@ يقال : جَنِفَ بكسر النون يَجْنَفُ بفتحها فهو جَنِفٌ وجانِفٌ ، وأَجْنَفَ جاء بالجَنَفِ كَألاَم جاء بما يُلام عليه . والضميرُ في " بينهم " عائد على الموصي والورثةِ ، أو على الموصَى لهم ، أو على الورثةِ والمُوصى لهم . والظاهرُ عودُه على المَوصى لهم ، إذ يدلُّ على ذلك لفظُ " المُوصى " . وهو نظيرُ { وَأَدَآءٌ إِلَيْهِ } [ البقرة : 178 ] [ في ] أن الضمير يعودُ للعافي لاستلزام " عفا " له ، ومثلُه ما أنشد الفراء : @ 834 - وما أَدْري إذا يَمَّمْتُ أرضاً أريدُ الخيرَ أيُّهما يَليِني @@ فالضمير في " أيُّهما " يعودُ على الخيرِ والشرِّ ، وإنْ لم يَجْرِ ذِكْرُ الشِّر لدلالةِ ضِدِّه عيله ، والضميرُ في " عليه " وفي " خاف " وفي " أصلح " يعود على " مَنْ " .