Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 24-24)

Tafsir: ad-Durr al-maṣūn fī ʿulūm al-kitāb al-maknūn

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ } : " إنْ " الشرطيةُ داخلةٌ على جملة " لم تفعلوا " وتفعلوا مجزومٌ بلم ، كما تدخل إنْ الشرطيةُ على فعلٍ منفي بلا نحو : { إنْ لا تفعلوه } [ الأنفال : 73 ] فيكون " لم تفعلوا " في محلِّ جزم بها . وقوله : " فاتَّقوا " جوابُ الشرطِ ، ويكونُ قولُه : " ولَنْ تفعلوا " جملةً معترضةً بين الشرطِ وجزائه . وقال جماعةٌ من المفسرين : معنى الآيةِ : وادعوا شهداءَكم مِنْ دونِ اللهِ إنْ كنتم صادِقين ، ولَنْ تَفْعلوا فإنْ لم تَفْعلوا فاتَّقوا النار . وفيه نظرٌ لا يَخْفى . وإنما قال تعالى : { فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ } فَعَبَّر بالفعلِ عن الإِتْيانِ لأن الفعلَ يجري مَجْرى الكناية ، فيُعَبَّر به عن كلِّ فعلٍ ويُغْني عن طول ما تَكْني به . وقال الزمخشري : " لو لم يَعْدِلْ من لفظِ الإِتيانِ إلى لفظِ الفعلِ لاسْتُطِيل أن يقال : فإنْ لم تأتوا بسورةٍ من مثله ولَنْ تأتوا بسورةٍ مِنْ مثلِه " . قال الشيخ : " ولا يَلْزَمُ ما قال لأنه لو قال : " فإنْ لم تأتوا ولَنْ تأتوا " كان المعنى على ما ذَكَر ، ويكونُ قد حَذَفَ ذلك اختصاراً ، كما حَذَف اختصاراً مفعولَ { لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ } ، ألا ترى أنَّ التقدير : فإنْ لم تفعلوا الإِتيانَ بسورةٍ من مِثله ، ولن تفعلوا الإِتيانَ بسورةٍ من مثله " . و " لَنْ " حرفُ نَصْبٍ معناه نَفْيُ المستقبل ، ويختصُّ بصيغةِ المضارع كـ " لم " ، ولا يقتضي نََفْيُه التأبيدَ ، وليس أقلَّ مدةً مِنْ نفي لا ، ولا نونُه بدلاً من ألفِ لا ، ولا هو مركباً من " لا أَنْ " خلافاً للخليلِ ، وزَعَم قومٌ أنها قد تَجْزِمُ ، منهم أبو عبيدةَ وأنشدوا : @ 277ـ لن يَخِبْ لانَ مِنْ رجائِك مَنْ حَرْ رَكِ مِنْ دونِ بابِك الحَلَقَهْ @@ وقال النابغة : @ 278ـ … فلن أُعَرِّضْ أَبَيْتَ اللَّعْنَ بالصَّفَدِ @@ ويُمكِنُ تأويلُ ذلك بأنه مِمَّا سُكِّنَ فيه للضرورةِ . قوله تعالى : { فَٱتَّقُواْ ٱلنَّارَ } هذا جوابُ الشرطِ كما تقدم ، والكثير في لغة العرب : " اتَّقىٰ يتَّقي " على افْتَعَل يَفْتَعِلُ ، ولغة تميم وأسد : تَقَى يَتْقي مثل : رَمَى يَرْمي ، فيُسكِّنون ما بعد حرفِ المضارعة ، حكى هذه اللغة سيبويه ، ومنهم مَنْ يُحَرِّكُ ما بعد حرف المضارعة ، وأنشدوا : @ 279ـ تَقُوه أيُّها الفِتْيانُ إنّي رأيتُ الله قد غَلَبَ الجُدودا @@ وقال آخر : @ 280ـ … تَقِ الله فينا والكتابَ الذي تتلو @@ قوله تعالى : { ٱلنَّارَ } مفعول به ، و " التي " صفتُها ، وفيها أربع اللغاتِ المتقدمةِ ، كقوله : @ 281ـ شُغِفَتْ بك اللَّتْ تَيَّمَتْكَ فَمثلُ ما بك ما بها مِنْ لَوْعةٍ وغَرامِ @@ وقال آخر : @ 282 - فقلْ لِلَّتْ تَلُومُك إنَّ نَفْسي أراها لا تُعَوَّذُ بالتَّميمِ @@ وقوله : { وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ } جملةٌ من مبتدأ وخبر صلةٌ وعائدٌ ، والألفُ واللامُ في " النار " للعهدِ لتقدُّمِ ذكرها في سورة التحريم وهي مكية عند قوله تعالى : { قُوۤاْ أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً } [ التحريم : 6 ] . والمشهورُ فتحُ واوِ الوَقود ، وهو اسمُ ما يُوقَدُ به ، وقيل : هو مصدر كالوَلوع والقَبول والوَضوء والطَّهور . ولم يجىءْ مصدرٌ على فَعُول غيرُ هذه الألفاظِ فيما حكاه سيبويه . وزاد الكسائي : الوَزُوع ، وقُرئ شاذاً في سورة ( ق ) { وما مسَّنا من لَغوب } [ الآية : 38 ] ، فتصير سبعةً ، وهناك ذَكرْتُ هذه القراءةَ ، ولكن المشهور أن الوقود والوَضوءَ والطَهور بالفتح اسمٌ وبالضم مصدرٌ ، وقرئ شاذاً بضمها وهو مصدرٌ . وقال ابن عطية : " وقد حُكيا جميعاً في الحَطَب ، وقد حُكيا في المصدر " انتهى . فإن أريدَ اسمُ ما يُوقد به فلا حاجةَ إلى تأويل ، وإنْ أَريد بهما المصدرُ فلا بدَّ من تأويلٍ وهو : إمَّا المبالغة أي جُعلوا نفس التوقُّدِ مبالغةً في وصفهم بالعذاب ، وإمّا حذفُ مضافٍ : إمَّا من الأولِ أي أصحابُ توقدِها ، وإمَّا من الثاني أي : يُوقِدُها إحراقُ الناس ، ثم حُذِفَ المضافُ وأُقيم المضافُ إليه مُقامَه . والهاءُ في الحجارةِ لتأنيثِ الجمع . قوله تعالى : { أُعِدَّتْ } فعلُ ما لم يُسَمَّ فاعلُه ، والقائمُ مَقَامَ الفاعلِ ضميرُ " النار " والتاء واجبة ، لأن الفعلَ أُسْنِدَ إلى ضمير المؤنث ، ولا يُلتفت إلى قوله : @ 283ـ فلا مُزْنَةٌ وَدَقَتْ وَدْقَها ولا أرضَ أَبْقَلَ إبْقالَها @@ لأنه ضرورةٌ خلافاً لابن كيسان . و " للكافرين " متعلقٌ به ، ومعنى أُعِدَّت : هُيِّئَتْ ، قال : @ 284ـ أَعْدَدْتَ للحَدَثان سا بِغَةً وعَدَّاءً عَلَنْدى @@ وقرئ : " أُعْتِدَتْ " من العَتاد بمعنى العُدَّة . وهذه الجملةُ الظاهر أنها لا محلَّ لكونِها مستأنفةً جواباً لمَنْ قال : لِمَنْ أُعِدَّتْ ؟ وقال أبو البقاء : " محلُّها النصبُ على الحالِ من " النار " ، والعامِلُ فيها اتقوا " . قيل : وفيه نظرٌ فإنها مُعَدَّةٌ للكافرين اتَّقَوْا أم لم يَتَّقُوا ، فتكونُ حالاً لازمةً ، لكن الأصل في الحال التي ليسَتْ للتوكيدِ أن تكونَ منتقلةً ، فالأَوْلَى أن تكونَ استئنافاً . قال أبو البقاء : " ولا يجوزُُ أن تكون حالاً من الضمير في " وَقُودُها " لثلاثة أشياء أحدها : أنها مضافٰ إليها . الثاني : أنَّ الحَطَب لا يعمل ، يعني أنه اسمٌ جامدٌ . الثالث : الفصلُ بين المصدرِ أو ما يَعْمَلُ عَمَلَهُ وبين مَا يَعْمَلُ فيه بالخبر وهو " الناسُ " ، يعني أنَّ الوُقودَ بالضمِّ وإن كان مصدراً صالحاً للعملِ فلا يجوزُ ذلك أيضاً ؛ لأنه عاملٌ في الحالِ وقد فَصَلْتَ بينه وبينها بأجنبي وهو " الناسُ " . وقال السجستاني : { أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ } من صلة " التي " كقوله : { وَٱتَّقُواْ ٱلنَّارَ ٱلَّتِيۤ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ } [ آل عمران : 131 ] ، قال ابن الأنباري : " وهذا غَلَطٌ لأن " التي " هُنا وُصِلَتْ بقوله : { وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ } فلا يجوز أن تُوصل بصلةٍ ثانية ، بخلافِ التي في آل عمران . قلت : ويمكن ألاَّ يكون غَلطاً ، لأنَّا لا نُسَلِّم أنَّ { وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ } والحالةُ هذه صلةٌ ، بل إمَّا معترضةً لأنَّ فيها تأكيداً وإمَّا حالاً ، وهذان الوجهان لا يَمْنَعهُما معنىً ولا صناعةً .