Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 25-25)

Tafsir: ad-Durr al-maṣūn fī ʿulūm al-kitāb al-maknūn

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قولُه تعالى : { وَبَشِّرِ ٱلَّذِين آمَنُواْ } : هذه الجملةُ معطوفةٌ على ما قبلها ، عَطَفَ جملةَ ثوابِ المؤمنين على جملةِ عقابِ الكافرين ، وجاز ذلك لأنَّ مذهبَ سيبويه وهو الصحيح أنه لا يُشْتَرَطُ في عطفِ الجملِ التوافُقُ معنىً ، بل تُعْطَفُ الطلبيةُ على الخبريةِ وبالعكس ، بدليلِ قولِهِ : @ 285ـ تُناغي غَزالاً عند بابِ ابنِ عامرٍ وَكَحِّلْ أماقِيكَ الحسانَ بإِثْمِدِ @@ وقول امرئ القيس : @ 286 - وإنَّ شفائي عَبْرَةٌ مُهْرَاقَةٌ وهل عند رَسْمٍ دارسٍ مِنْ مُعَوَّلِ @@ وأجاز الزمخشري وأبو البقاء أن يكونَ عطفاً على " فاتقوا " ليَعْطِفَ أمراً على أمر . وهذا قد رَدَّهُ الشيخ بأنَّ " فاتَّقُوا " جوابُ الشرط ، فالمعطوفُ يكون جواباً لأنَّ حكمَه حكمُه ، ولكنه لا يَصِحُّ لأنَّ تبشيرَه للمؤمنين لا يترتَّبُ على قولِهِ : فإنْ لَمْ تَفْعَلوا . وقرئ : " وبُشِّرَ " ماضياً مبنياً للمفعولِ . وقال الزمخشري : " وهو عطف على أُعِدَّت " . قيل : " وهذا لا يتأتَّى على إعرابِ " أُعِدَّتْ " حالاً لأنها لا تَصْلُحُ للحاليَّةِ " . والبِشارةُ : أولُ خبرٍ من خيرٍ أو شرٍّ ، قالوا : لأنَّ أثرَها يَظْهَرُ في البَشَرة وهي ظاهِرُ جلدِ الإِنسان ، وأنشدوا : @ 287ـ يُبَشِّرُني الغُرابُ بِبَيْنِ أهلي فقُلْتُ له : ثَكِلْتُكَ مِنْ بشيرِ @@ وقال آخر : @ 288ـ وبَشَّرْتَنِي يا سَعْدُ أَنَّ أَحِبَّتِي جَفَوْنِي وأنَّ الوُدَّ موعدُهُ الحَشْرُ @@ وهذا رأي سيبويه ، إلا أن الأكثرَ استعمالُها في الخير ، وإن اسْتُعْمِلَتْ في الشرِّ فبقَيْدٍ ، كقولِهِ تعالى : { فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ } [ آل عمران : 21 ] , وإن أُطْلِقَتْ كانت للخير ، وظاهرُ كلامِ الزمخشري أنها تختصُّ بالخَيْرِ ، لأنه تَأَوَّلَ مثلَ : { فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ } على العكسِ في الكلامِ الذي يُقْصَدُ به الزيادةُ في غَيْظِ المُسْتَهْزَأ به وتألُّمِهِ . والفعلُ منها : بَشَرَ وبَشَّر مخففاً ومثقلاً ، كقولَه : " بَشَرْتُ عيالي " البيت ، والتثقيلُ للتكثيرِ بالنسبة إلى المُبَشِّرِ به . وقد قرئ المضارعُ مخففاً ومشدداً ، وأمَّا الماضي فَلَمْ يُقْرَأْ به إلا مثقَّلاً نحو : { فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ } [ هود : 71 ] وفيه لغةٌ أخرى : أَبْشَرَ مثل أَكْرَمَ ، وأنكر أبو حاتم التخفيفَ ، وليس بصوابٍ لمجيء مضارعِهِ . وبمعنى البِشارة : البُشور والتَبْشير والإِبْشَار ، وإن اختَلَفَتْ أفعالُها ، والبِشارَةُ أيضاً الجَمالُ ، والبَشير : الجميلُ ، وتباشير الفجرِ أوائلُهُ . [ وقرأ زيدٌ بنُ علي رضي الله عنهما " وبُشِّرَ " : ماضياً مبنياً للمفعول قال الزمخشري : " عطفاً على " أُعِدَّت " انتهى . وهو غلط لأن المعطوف عليه [ مِن ] الصلة ، ولا راجعَ على الموصولِ من هذه الجملةِ فلا يَصِحُّ أن يكونَ عطفاً على أُعِدَّت ] . وفاعلُ " بَشِّرْ " : إِمَّا ضميرُ الرسولِ عليه السلام ، وهو الواضحُ ، وإمَّا كلُّ مَنْ تَصِحُّ منه البشارةُ . وكونُ صلةِ " الذين " فعلاً ماضياً دونَ كونِهِ اسمَ فاعلٍ دليلٌ على أَنْ يستحقَّ التبشيرَ بفضلِ الله مَنْ وَقَعَ منه الإِيمانُ وتَحَقَّقَ به وبالأعمالِ الصالحةِ . والصالحاتُ جمعُ صالحة وهي من الصفاتِ التي جَرَتْ مَجْرى الأسماءِ في إيلائِها العواملَ ، قال : @ 289ـ كيفَ الهجاءُ وما تَنْفَكُّ صالِحَةٌ مِنْ آلِ لأَْمٍ بظهرِ الغَيْبِ تَأْتِينِي @@ وعلامةُ نصبِه الكسرةُ لأنه من بابِ جَمْعِ المؤنث السالم نيابةً عن الفتحةِ التي هي أصلُ النصبِ . قولُه تعالى : { أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ } جناتٍ اسمُ أنَّ ، و " لهم " خبرٌ مقدمٌ ، ولا يجوز تقديمُ خبرِ " أنَّ " وأخواتِها إلا ظرفاً أو حرفَ جَرٍّ ، وأنَّ وما في حَيِّزها في محلِّ جَرّ عند الخليل والكسائي ونصبٍ عند سيبويهِ والفراء ، لأن الأصلَ " : وبَشِّرِ الذين آمنوا بأنَّ لهم ، فحُذِفَ حرفُ الجر مع أَنَّ ، وهو حَذْفٌ مُطَّردٌ معها ومع " أَنْ " الناصبة للمضارعِ ، بشرط أَمْنِ اللَّبْسِ ، بسبب طولهما بالصلة ، فلما حُذِفَ حرفُ الجرّ جرى الخلافُ المذكورُ ، فالخليل والكسائي يقولان : كأنَّ الحرفَ موجودٌ فالجرُّ باقٍ ، واستدلَّ الأخفشُ لهما بقولِ الشاعر : @ 290ـ وما زُرْتُ ليلى أنْ تَكُونَ حبيبةً إليَّ لا دَيْنٍ بها أنا طالِبُهْ @@ فَعَطْفُ " دَيْنٍ " بالجرِّ على محلِّ " أن تكون " يبيِّنُ كونَها مجرورةً ، قيل : ويَحْتملُ أن يكونَ من بابِ عَطْفِ التوهُّم فلا دليلَ فيه . والفراء وسيبويه يقولان : وَجَدْناهم إذا حذفوا حرفَ الجر نَصَبُوا ، كقولِهِ : @ 291ـ تَمُرُّونَ الديارَ وَلَمْ تَعُوجوا كلامُكُمُ عليَّ إذاً حَرَامُ @@ أي بالديار ، ولا يجوزُ الجرُّ إلا في نادرِ شعرٍ ، كقولِهِ : @ 292ـ إذا قيلَ : أيُّ الناسِ شرُّ قبيلةٍ أَشَارتْ كليبٍ بالأَكفِّ الأصابعُ @@ أي : إلى كُلَيْبٍ ، وقولِ الآخر : @ 293ـ … حتى تَبَذَّخَ فارتقى الأَعْلامِ @@ أي : إلى الأعلام . والجَنَّةُ : البُسْتَانُ ، وقيل : الأرضُ ذاتُ الشجرِ ، سُمِّيَتْ بذلك لسَتْرِها مَنْ فيها ، ومنه : الجنين لاستتارِه ، والمِجَنُّ : التُرْس ، وكذلك " الجُنَّة " لأنه يَسْتُر صاحبَه ، والجِنَّة لاستتارِهم عن أعينِ الناسِ . قوله : { تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ } هذه الجملةُ في مَحَلِّ نصبٍ لأنها صفةٌ لجنَّات ، و " تَجْرِي " مرفوعٌ لتجرُّدِهِ من الناصبِ والجازمِ ، وعلامةُ رفعِه ضمةٌ مقدرةٌ في الياءِ استثقالاً ، وكذلك تُقَدَّرُ في كلِّ فعلٍ معتلٍ نحو : يَدْعو ويَخْشَى إلاَّ أَنَّها في الألِفِ تُقَدَّرُ تعذُّراً . والأنهارُ جمع نَهْر بالفتح ، وهي اللغة العالية ، وفيه تسكينُ الهاءِ ، ولكن " أَفْعال " لا ينقاسُ في فَعْل الساكنِ العينِ بل يُحْفظ نحو : أَفْراخ وأَزْنَاد وأَفراد . والنهرُ دونَ البحرِ وفوقَ الجدولِ ، وهل هو مجرى الماءِ أو الماءُ الجاري نفسُه ؟ والأولُ أظهرُ ، لأنه مشتقٌّ من نَهَرْت أي : وسَّعْتُ ، قال قيس بن الخطيم يصفُ طعنةِ : @ 294ـ مَلَكْتُ بها كَفِّي فَأنْهَرْتُ فَتْقَها … @@ أي وَسَّعْتُ ، ومنه : النهارُ لاتساعِ ضوئِهِ ، وإنَّما أُطْلِقَ على الماءِ مجازاً إطلاقاً للمحلِّ على الحالِّ . و { مِن تَحْتِهَا } متعلقٌ بتجري ، و " تحت " مكانٌ لا يَتَصَرَّفُ ، وهو نقيضُ " فوق " ، إذا أُضيفا أُعْرِبَا ، وإذا قُطِعَا بُنِيَا على الضم . و " مِنْ " لابتداءِ الغايةِ وقيل : زائدةٌ ، وقيل : بمعنى في ، وهما ضعيفان . واعلمْ أنه إذا قيل بأنَّ الجَنَّة هي الأرضُ ذاتُ الشجرِ فلا بُدَّ من حَذْفِ مضافٍ ، أي : من تحتِ عَذْقِها أو أشجارِها . وإن قيل بأنها الشجرُ نفسَه فلا حاجةَ إلى ذلك . وإذا قيل بأنَّ الأنهارَ اسمٌ للماءِ الجاري فنسبةُ الجَرْيِ إليه حقيقةٌ . وإنْ قيلَ بأنه اسمٌ للأُخْدُودِ الذي يَجْرِي فيه فنسبةُ الجَرْي إليه مجازٌ كقول مهلهل : @ 295ـ نُبِّئْتُ أنَّ النارَ بعدكَ أُوْقِدَتْ واسْتَبَّ بعدَك يا كُلَيْبُ المَجْلِسُ @@ قال الشيخ : " وقد ناقضَ ابنُ عطيةَ كلامَهُ هنا فإنه قال : " والأنهار : المياهُ في مجارِيها المتطاولةِ الواسعةِ " ثم قال : " نَسَبَ الجَرْيَ إلى النهر ، وإنما يَجري الماءُ وحدَه توسُّعاً وتجوُّزاً ، كما قال تعالى : { وَسْئَلِ ٱلْقَرْيَةَ } [ يوسف : 82 ] ، وكما قال : نُبِّئْتُ أنَّ النار . البيت " . والألف واللامُ في " الأنهار " للجنس ، وقيل : للعَهْدِ لِذِكْرِها في سورة القتال . وقال الزمخشري : " يجوزُ أَنْ تَكونَ عوضاً من الضمير كقوله : { وَٱشْتَعَلَ ٱلرَّأْسُ شَيْباً } [ مريم : 4 ] أي : أنهارُها " ، بمعنى أنَّ الأصلَ : واشتعلَ رأسي ، فَعَوَّض " أل " عن ياء المتكلم ، وهذا ليس مذهب البصريين ، بل قال به بعض الكوفيين ، وهو مردودٌ بأنه لو كانت " أل " عوضاً من الضمير لَما جُمع بينهما ، وقد جُمع بينهما ، قال النابغة : @ 296ـ رَحِيبٌ قِطابُ الجَيْبِ منها رفيقةٌ بجَسِّ النَّدامىٰ بَضَّةُ المُتَجَرِّدِ @@ [ فقال : الجيبِ منها ] ، وأمَّا ما وَرَدَ وظاهرُه ذلك فيأتي تأويله في موضِعِه . قوله تعالى : { كُلَّمَا رُزِقُواْ مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ } تقدَّم الكلامُ في " كُلَّما " ، والعاملُ فيها هنا : " قالوا " ، و " منها " متعلِّق بـ " رُزِقوا " ، و " مِنْ " لابتداء الغاية وكذلك " مِنْ ثمرةٍ " لأنها بَدَلٌ من قولِه " منها " بدَلُ اشتمالٍ بإعادةِ العاملِ ، وإنما قُلْنَا بدلُ اشتمالٍ ، لأنه لا يتعلَّقُ حرفان بمعنىً واحدٍ بعاملٍ واحدٍ إلا على سبيلِ البدليةِ أو العطفِ . وأجاز الزمخشري أن تكونَ " مِنْ " للبيانِ ، كقولِك : رأيت منكَ أسداً . وفيه نظرٌ ، لأنَّ مِنْ شرطِ ذلك أن يَحُلَّ مَحَلَّها موصولٌ وأن يكونَ ما قبلَها مُحَلَّى بأل الجنسية ، وأيضاً فليس قبلَها شيءٌ يَتَبَيَّنُ بها ، وكونُها بياناً لِما بعدها بعيدٌ جداً وهو غيرُ المصطلح . و " رِزْقاً " مفعولٌ ثانٍ لـ " رُزِقوا " وهو بمعنى " مَرْزوقٍ " ، وكونُه مصدراً بعيدٌ لقولِه : { هَـٰذَا ٱلَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَابِهاً } والمصدرُ لا يُؤْتَىٰ به متشابهاً ، وإنما يُؤْتى بالمرزوق كذلك . قوله : " قالوا : هذا الذي رُزِقْنا مِنْ قبلُ " " قالوا " هو العاملُ في " كلما " كما تقدَّم ، و { هَـٰذَا ٱلَّذِي رُزِقْنَا } مبتدأ وخبرٌ في محلِّ نصبٍ بالقول ، وعائدُ الموصولِ محذوفٌ لاستكمالِهِ الشروطَ ، أي : رُزِقْناه . و " مِنْ قَبلُ " متعلِّقٌ به . و " مِنْ " لابتداءِ الغايةِ ، ولَمَّا قُطِعَتْ " قبلُ " بُنِيَتْ ، وإنما بُنِيَتْ على الضَّمةِ لأنها حركةٌ لم تكنْ لها حالَ إعرابها . واختُلِفَ في هذه الجملةِ ، فقيل : لا محلَّ لها مِنَ الإِعرابِ لأنَّها استئنافيةٌ ، كأن قيل لَمَّا وُصِفَت الجناتُ : ما حالُها ؟ فقيل : كلما رُزِقوا قالوا . وقيل : لَهَا محلٌّ ، ثم اختُلِفَ فيه فقيل : رفعٌ على أنه خبرُ مبتدأ محذوفٍ ، واختُلِفَ في ذلك المبتدأ ، فقيل : ضميرُ الجنات أي هي كلما . وقيل : ضميرُ الذين آمنوا أي : هم كلما رُزقوا قالوا ذلك . وقيل : محلًّها نصبٌ على الحالِ وصاحبُها : إمَّا الذينَ آمنوا وإمَّا جنات ، وجازَ ذلك وإنْ كان نكرةً لأنها تَخَصَّصَتْ بالصفةِ ، وعلى هذين تكونُ حالاً مقدَّرةً لأن وقتَ البشارةِ بالجناتِ لم يكونوا مرزوقينَ ذلك . وقيل : مَحَلُّهَا َنَصْبٌ على أنها صفةٌ لجنات أيضاً . قوله : { وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَابِهاً } الظاهرُ أنها جملةٌ مستأنفةٌ . وقال الزمخشري فيها : " هو كقولِكَ : فلانٌ أَحْسِنْ بفلان ، ونِعْمَ ما فعل ، ورأى من الرأي كذا ، وكان صواباً ، ومنه : { وَجَعَلُوۤاْ أَعِزَّةَ أَهْلِهَآ أَذِلَّةً وَكَذٰلِكَ يَفْعَلُونَ } [ النمل : 34 ] وما أشْبَه ذلك من الجملِ التي تُساق في الكلام معترضةً فلا محلَّ لها للتقرير " . قلت : يعني بكونها معترضةً أي بين أحوالِ أهل الجنة ، فإنَّ بعدها : { وَلَهُمْ فِيهَآ أَزْوَاجٌ } ، وإذا كانت معترضةً فلا محلَّ لها أيضاً . وقيل : هي عطفٌ على " قالوا " ، وقيل : محلُّها النصبُ على الحالِ ، وصاحبُها فاعلُ " قالوا " أي : قالوا هذا الكلامَ في هذه الحالِ ، ولا بُدَّ من تقديرِ " قد " قبل الفعلِ أي : وقد أُتوا ، وأصلُ أُتُوا : أُتِيُوا مثل : ضُرِبوا ، فَأُعِلَّ كنظائرِه . وقرئ : وأتَوا مبنياً للفاعل ، والضميرُ للوِلْدان والخَدَمْ للتصريحِ بهم في غير موضع . والضميرُ في " به " يعودُ على المرزوق الذي هو الثمرات ، كما أنَّ " هذا " إشارةٌ إليه . وقال الزمخشري : " يعودُ إلى المرزوق في الدنيا والآخرة لأنَّ قولَه : { هَـٰذَا ٱلَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ } انطوى تحته ذِكْرُ ما رُزِقوه في الدارَيْن . ونظيرُ ذلك قولُه تعالى : { إِن يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقَيراً فَٱللَّهُ أَوْلَىٰ بِهِمَا } [ النساء : 135 ] أي : بجنسَي الغنيّ والفقيرِ المدلولِ عليهما بقولِه : غنياً أو فقيراً " . انتهى . قلت : يَعْني بقولِه : " انطوى تحتَه ذِكْرُ ما رُزِقوه في الدارَيْن " أنه لمَّا كان التقديرُ : مثل الذي رُزِقْناه كان قدِ انطوى على المرزوقَيْنِ معاً كما أنَّ قولَكَ : " زيدٌ مثل ُ حاتم " مُنْطَوٍ على زَيد وحاتم . قال الشيخ : " وما قالَه غيرُ ظاهر ، لأنَّ الظاهر عَوْدُه على المرزوق في الآخرةِ فقط ، لأنه هو المُحَدَّثُ عنه ، والمشبَّهُ بالذي رُزقوه من قبلُ ، لا سيما إذا فسَّرْتَ القبلِيَّةَ بما في الجنة ، فإنه يتعيَّن عَوْدُه على المَرزوق في الجنةِ فقط ، وكذلك إذا أَعْرَبْتَ الجملةَ حالاً ، إذْ يَصيرُ التقديرُ : قالوا : هذا [ مثلُ ] الذي رُزقنا من قبل وقد أُتُوا به [ متشابهاً ] ، لأنَّ الحاملَ لهم على هذا القول كَونُه أُتُوا به متشابهاً وعلى تقديرِ أن يكونَ معطوفاً على " قالوا " لا يَصِحُّ عَوْدُهُ على المرزوقِ في الدارَيْنِ لأنَّ الإِتيانَ إذ ذاك يستحيل أن يكونَ ماضياً معنًى ، لأنَّ العاملَ في " كلما " وما في حَيِّزها يتعيَّنُ هنا أن يكونَ مستقبلَ المعنى ، لأنها لا تَخْلُو من معنى الشرط ، وعلى تقديرِ كونها مستأنفةً لا يظهرُ ذلك أيضاً لأنَّ هذه الجملَ مُحَدَّثٌ بها عن الجنة وأحوالِها " .