Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 253-253)

Tafsir: ad-Durr al-maṣūn fī ʿulūm al-kitāb al-maknūn

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ } : يجوزُ أن يكونَ حالاً من المشارِ إليه ، والعاملُ معنى الإِشارةِ كما تقدَّم ، ويجوزُ أن يكونَ مستأنفاً ، ويجوزُ أن يكونَ خيرَ " تلك " على أن يكونَ " الرسلُ " نعتاً لـ " تلك " أو عطفَ بيانٍ أو بدلاً . قوله : { مِّنْهُمْ مَّن كَلَّمَ ٱللَّهُ } هذه الجملةُ تحتملُ وجهين ، أحدهما : أن تكونَ لا محلَّ لها من الإِعراب لاستئنافِها . والثاني : أنها بدلٌ من جملةِ قوله " فَضَّلْنا " والجمهورُ على رفعِ الجلالة على أنه فاعلٌ ، والمفعولُ محذوفٌ وهو عائدُ الموصولِ أي : مَنْ كَلَّمه الله . وقُرِىء بالنصبِ على أنَّ الفاعلَ ضميرٌ مستترٌ وهو عائدٌ الموصولِ أيضاً ، والجلالةُ نَصْبٌ على التعظيمِ . وقرأ أبو المتوكل وابن السَّمَيْفَع : " كالَمَ اللهَ " على وزن فاعَلَ ونصبِ الجلالة ، و " كليم " على هذا معنى مكالِم نحو : جَلِيس بمعنى مُجالِس ، وخليط بمعنى مخالط . وفي هذا الكلامِ التفاتٌ لأنه خروجٌ من ضميرِ المتكلمِ المعظِّم نفسَه في قوله : " فَضَّلْنا " إلى الاسمِ الظاهرِ الذي هو في حكمِ الغائبِ . قوله : { دَرَجَاتٍ } في نصبِه ستةُ أوجهٍ ، أحدها أنه مصدرٌ واقعٌ موقع الحالِ . الثاني : انه حالٌ على حذفِ مضافٍ ، أي : ذوي درجاتٍ . الثالث : أنه مفعول ثان لـ " رفع " على أنه ضُمِّنَ معنى بلَّغ بعضهم درجات . الرابع أنه بدلُ اشتمالٍ أي : رَفَع درجاتٍ بعضَهم ، والمعنى : على درجاتِ بعض . الخامس : أنه مصدرٌ على معنى الفعل لا لفظِه ، لأن الدرجةَ بمعنى الرَّفْعة ، فكأنه قيل : ورَفَع بعضَهم رَفعاتٍ . السادس : أنه على إسقاطِ الخافضِ ، وذلك الخافضُ يَحْتمل أن يكونَ " على " أو " في " أو " إلى " تقديرُه : على درجاتٍ أو في درجاتٍ أو إلى درجاتٍ ، فلمَّا حُذِفَ حرفُ الجر انتصَبَ ما بعده . قوله : { وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ } مفعولُه محذوفٌ ، فقيل : تقديرُه : أَنْ لا تختلفوا وقيل : أَنْ لا تفشلوا ، وقيل : أَنْ لا تُؤمروا بالقتال ، وقيل : أَنْ يضطرَّهم إلى الإِيمانِ ، وكلُّها متقاربة . و " مِنْ بعدِهم " متعلِّقٌ بمحذوفٍ لأنه صلةٌ ، والضميرُ يعودُ على الرسل . و { مِّن بَعْدِ مَا جَآءَتْهُمُ } فيه قولان ، أحدُهما : أنه بدلٌ من قولِه : " مِنْ بعدِهم " بإعادةِ العاملِ . والثاني : أنه متعلقٌ باقتتل ، إذ في البينات - وهي الدلالاتُ الواضحةُ - ما يُغْنِي عن التقاتلِ والاختلافِ . والضميرُ في " جاءتهم " يعودُ على الذين مِنْ بعدِهم ، وهم أممُ الأنبياء . قوله : { وَلَـٰكِنِ ٱخْتَلَفُواْ } وجهُ هذا الاستدراكِ واضحٌ ، فإنَّ " لكن " واقعةٌ بين ضدين ، إذ المعنى : ولو شاءَ اللهُ الاتفاقَ لاتفقوا ولكنْ شاءَ الاختلافَ فاختلفوا . وقال أبو البقاء : " لكنْ " استدراكٌ لما دَلَّ الكلامُ عليه ، لأنَّ اقتتالهم كان لاختلافهم ، ثم بيَّن الاختلاف بقوله : { فَمِنْهُمْ مَّنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَّن كَفَرَ } فلا محلَّ حينئذٍ لقولِه : { فَمِنْهُمْ مَّنْ آمَنَ } . وقوله : { وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَا ٱقْتَتَلُواْ } فيه قولان ، أحدُهما : أنها الجملةُ الأولى كُرِّرت تأكيداً قاله الزمخشري . والثاني : أنها ليست لتأكيدِ الأولى ، بل أفادَتْ فائدةٌ جديدةً ، والمغايَرةُ حَصَلَتْ بتغايرِ متعلَّقهما ، فإنَّ متعلَّقَ الأولى مغايرٌ لمتعلَّق المشيئةِ الثانيةِ ، والتقديرُ في الأولى : " ولو شاءَ الله أن يَحُولَ بينهم وبين القتال بأن يَسْلُبَهم القِوى والعقول ، وفي الثاني : ولو شاءَ لم يأمرِ المؤمنين بالقتال ، ولكن شاءَ أَمَرهم بذلك . وقوله : { وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ } هذا استدراكٌ أيضاً على المعنى ، لأنَّ المعنى : ولو شاءَ الله لمنعَهم [ من ذلك ] ، ولكنَّ اللهَ يفعل ما يريدُ مِنْ عدمِ منعِهم من ذلك أو يفعلُ ما يريدُ من اختلافِهم .