Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 22, Ayat: 40-40)
Tafsir: ad-Durr al-maṣūn fī ʿulūm al-kitāb al-maknūn
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { ٱلَّذِينَ أُخْرِجُواْ } : يجوز أن يكونَ في محلِّ جرٍّ ، نعتاً للموصول الأولِ أو بياناً له ، أو بدلاً منه ، وأن يكونَ في محلِّ نصبٍ على المدح ، وأن يكونَ في محلِّ رفعٍ على إضمارِ مبتدأ . قوله : { إِلاَّ أَن يَقُولُواْ } فيه وجهان ، أحدهما : أنه منصوبٌ على الاستثناءِ المنقطع ، وهذا ممَّا يُجْمِعُ العربُ على نصبه ؛ لأنه منقطعٌ لا يمكنُ تَوَجُّهُ العاملِ إليه ، وما كان كذا أجمعوا على نصبهِ ، نحو : " ما زاد إلاَّ ما نقصَ " ، " وما نفعَ إلاَّ ما ضَرَّ " . فلو توجَّهَ العاملُ جاز فيه لغتان : النصبُ وهو لغةُ الحجاز ، وأَنْ يكونَ كالمتصلِ في النصبِ والبدل نحو : " ما فيها أحدٌ إلاَّ حمارٌ " ، وإنما كانت الآيةُ الكريمةُ من الذي لا يتوجَّه عليه العاملُ ؛ لأنك لو قلت : " الذين أُخْرِجوا مِنْ ديارهم إلا أَنْ يقولوا ربُّنا الله " لم يَصحَّ . الثاني : أنه في محلِّ جر بدلاً من " حَقّ " قال الزمخشري : " أي بغير موجِبٍ سوى التوحيد الذي ينبغي أن يكون موجب الإِقرارِ والتمكينِ لا موجبَ الإِخراجِ والتسييرِ . ومثلُه : { هَلْ تَنقِمُونَ مِنَّآ إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِٱللَّهِ } [ المائدة : 59 ] . وممَّنْ جَعَلَه في موضع جرٍّ بدلاً ممَّا قبله الزجاجُ . إلاَّ أن الشيخ قد رَدَّ ذلك فقال : " ما أجازاه من البدل لا يجوز ؛ لأنَّ البدلَ لا يجوزُ إلاَّ حيث سبقه نفيٌ أو نهيٌ أو استفهامٌ في معنى النفي . وأمَّا إذا كان الكلام موجَباً أو أمراً فلا يجوزُ البدلُ ؛ لأنَّ البدلَ لا يكون إلا حيثُ يكونُ العاملُ يَتَسَلَّطُ عليه . ولو قلت : " قام إلاَّ زيدٌ " ، و " لْيَضْرِبْ إلاَّ عمروٌ " لم يجز . ولو قلت في غير القرآن : " أُخْرِجَ الناسُ مِنْ ديارِهم إلاَّ بأَنْ يقولوا : لا إلهَ إلاَّ اللهُ " لم يكن كلاماً . هذا إذا تُخُيِّل أَنْ يكونَ { إِلاَّ أَن يَقُولُواْ } في موضعِ جرٍّ بدلاً من " غير " المضاف إلى " حَقٍّ " . وأمَّا إذا كان بدلاً من " حق " كما نَصَّ عليه الزمخشريُّ فهو في غايةِ الفسادِ ؛ لأنه يَلْزَمُ منه أن يكونَ البدلُ يلي " غيراً " فيصير التركيبُ : بغير إلاَّ أَنْ يقولوا ، وهذا لا يَصِحُّ ، ولو قَدَّرْنا [ إلاَّ ] بـ " غير " كما / يُقَدَّرُ في النفي في : " ما مررت بأحدٍ إلاَّ زيدٍ " فتجعلُه بدلاً لم يَصِحَّ ؛ لأنه يصيرُ التركيبُ : بغير غيرِ قولِهم ربُّنا اللهُ ، فتكون قد أضَفْتَ غيراً إلى " غير " وهي هي فيصير : بغير غير ، ويَصِحُّّ في " ما مررتُ بأحدٍ إلاَّ زيدٍ " أن تقول : ما مررت بغير زيد ، ثم إن الزمخشري حيث مَثَّل البدلَ قَدَّره : بغير موجبٍ سوى التوحيدِ ، وهذا تمثيلٌ للصفة جَعَلَ [ إلاَّ ] بمعنى سِوَى ، ويَصِحُّ على الصفةِ فالتبسَ عليه بابُ الصفة بباب البدل . ويجوز أن تقولَ : " مررتُ بالقومِ إلاَّ زيدٍ " على الصفة لا على البدل " . قوله : { وَلَوْلاَ دَفْعُ ٱللَّهِ } قد تقدَّم الخلافُ فيه في البقرة وتوجيهُ القراءتين . وقرأ " لَهُدِمَتْ " بالتخفيفِ نافعٌ وابن كثير . والباقون بالتثقيل الدالِّ على التكثيرِ ؛ لأنَّ المواضعَ كثيرةٌ متعددةٌ ، والقراءةُ الأولى صالحةٌ لهذا المعنىٰ أيضاً . والعامَّةُ على " صَلَواتٌ " بفتح الصاد واللام جمعَ صلاةٍ . وقرأ جعفر ابن محمد " وصُلُوات " بضمِّهما . ورُوي عنه أيضاً بكسرِ الصاد وسكونِ اللام . وقرأ الجحدري بضم الصاد وفتح اللام . وأبو العالية بفتح الصادِ وسكونِ اللام . والجحدريُّ أيضاً " وصُلُوْت " بضمِّهما وسكونِ الواو ، بعدها تاءٌ مثناةٌ من فوقُ مثلَ : صُلْب وصُلُوب . والكلبيُّ والضحاكُ كذلك ، إلاَّ أنهما أَعْجَما التاءَ بثلاثٍ مِنْ فوقها . والجحدريُّ أيضاً وأبو العاليةِ وأبو رجاءٍ ومجاهدٌ كذلك ، إلاَّ أنَّهم جعلوا بعد الثاءِ المثلثة ألفاً فقرؤوا " صُلُوْثا " ورُوي عن مجاهدٍ في هذه التاءِ المثنَّاةِ مِنْ فوقُ أيضاً . ورُوي عن الجحدريِّ أيضاً " صُلْواث " بضم الصادِ وسكونِ اللامِ وألفٍ بعد الواوِ والثاءِ مثلثةً . وقرأ عكرمة " صِلْوِيْثَىٰ " بكسر الصاد وسكون اللام ، وبعدها واوٌ مكسورةٌ بعدَها ياءٌ مثنَّاةٌ مِنْ تحتُ بعدها ثاءٌ مثلثةٌ ، وحكى ابنُ مجاهد أنه قُرِىءَ " صِلْواث " بكسر الصاد وسكون اللام . بعدها واوٌ ، بعدها ألف ، بعدها ثاءٌ مثلثةٌ . وقرأ الجحدري " وصُلُوب " مثل كُعُوْب بالباء الموحدةِ وهو جمع " صليب " ، وفُعُوْل جمعُ فعيل شاذٌّ نحو : ظريف وظروف وأَسِينة وأُسُون ، ورُوي عن أبي عمرو " صلواتُ " كالعامَّةِ ، إلاَّ أنَّه لم يُنَوِّن ، مَنَعه الصرفَ للعلميَّة والعجمة ؛ لأنه جعله اسمَ موضعٍ ، فهذه أربعَ عشرةَ قراءةً ، المشهورُ منها واحدةٌ ، وهي هذه الصلاةُ المعهودة . ولا بُدَّ مِنْ حَذْفِ مضافٍ ليَصِحَّ تَسَلُّطُ الهَدْمِ عليها أي : مواضع صلواتٍ ، أو يُضَمَّن " هُدِّمَتْ " معنى " عُطِّلَتْ " فيكون قَدْراً مشتركاً بين المواضع والأفعال ؛ فإنَّ تعطيلَ كلِّ شيءٍ بِحَسبِه . وأخَّر المساجدَ لحُدوثِها في الوجود ، أو الانتقالِ إلى الأشرفِ . والصلواتُ في الأمم … صلاةُ كلِّ مِلَّةٍ بحَسَبِها . وظاهرُ كلام الزمخشري أنها بنفسِها اسمُ مكان فإنه قال : " وسُمِّيَتْ الكنسيةُ صلاةً لأنه يُصَلَّى فيها . وقيل : هي كلمةٌ مُعَرَّبَةٌ أصلُها بالعبرانيةِ صَلُوثا " . انتهى . وأمَّا غيرُها من القراءات فقيل : هي سريانيةٌ أو عبرانيةٌ دَخَلَتْ في لسانِ العربِ . ولذلك كَثُر فيها اللغاتُ . والصَّوامِعُ : جمعُ صَوْمَعَة وهي البناءُ المرتفعُ الحديدُ الأعلىٰ ، مِنْ قولِهم رجلٌ أصمعُ ، وهو الحديدُ القولِ . ووزنها فَوْعَلة كدَوْخَلة . وهي متعبَّد الرهبانِ لأنهم ينفردون . وقيل : متعبَّدُ الصَّابِئين . والبِيَعُ : جمع بِيْعَة ، وهي متعبَّدُ النصارى . وقيل : كنائس اليهود . والأشهر أنَّ الصوامِعَ للرهبانِ والبِيَعَ للنصارى ، والصَّلَواتِ لليهود ، والمساجدَ للمسلمين . و { يُذْكَرُ فِيهَا ٱسمُ ٱللَّهِ } يجوز أَنْ يكونَ صفةً للمواضعِ المتقدمةِ كلِّها ، إنْ أَعَدْنا الضميرَ مِنْ " فيها " عليها ، أو صفةً للمساجد فقط ، إنْ خَصَصْنا الضميرَ في " فيها " بها ، والأولُ أظهر .