Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 23, Ayat: 4-6)
Tafsir: ad-Durr al-maṣūn fī ʿulūm al-kitāb al-maknūn
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { لِلزَّكَـاةِ } : اللامُ مزيدةٌ في المفعولِ لتقدُّمِه على عامِلِه ولكونِه فرعاً . والزكاةُ في الأصلِ مصدرٌ ، ويُطْلَقُ على القَدْرِ المُخْرَجِ من الأعْيانِ . قال الزمخشري : " اسمٌ مشتركٌ بين عَيْنٍ ومَعْنى ، فالعينُ : القَدْرُ الذي يُخْرِجُه المُزَكِّي مِنَ النِّصاب ، والمعنىٰ : فِعْلُ المُزَكِّي ، وهو الذي أراده الله فجعل المزكِّيْنَ فاعِلين له ولا يَسُوغ فيه غيرُه لأنَّه ما مِنْ مصدرٍ إلاَّ يُعَبَّرُ عنه بالفِعْلِ . ويُقال لمُحَدِثِه فاعلٌ . تقول للضارب : فاعلُ الضَرْبِ ، وللقاتل فاعلُ القَتْل ، وللمزكِّي فاعلُ التَّزْكية ، وعلى هذا الكلامُ كله . والتحقيقُ في هذا أنَّك تقولُ في جميع الحوادث : مَنْ فاعلُها ؟ فيُقال لك : الله أو بعضُ الخَلْق . ولم تمتنعِ الزكاةُ الدالَّةُ على العينِ أَنَ يتعلَّقَ بها [ فاعلون ] لخروجِها مِنْ صحةِ أَنْ يتناولَها الفاعلُ ، ولكن لأنَّ الخَلْقَ ليسوا بفاعليها . وقد أنشدوا لأميةَ بن أبي الصلت : @ 3402ـ المُطْعِمُون الطعامَ في السَّنَة الـ أزمةِ والفاعلون للزكواتِ @@ ويجوز أن يُرادَ بالزكاة العَيْنُ ، ويُقَدَّرَ مضافٌ محذوفٌ وهو الأداءُ ، وحَمْلُ البيتِ على هذا أَصَحُّ لأنها فيه مجموعةٌ " . قلت : إنما أحوجَ أبا القاسمِ إلى هذا أنَّ بعضَهم زعم أنه يتعيَّنُ أَنْ تكونَ الزكاةُ هنا المصدرَ ؛ لأنه لو أراد العينَ لقال مُؤَدُّوْن ، ولم يقل فاعلون ، فقال الزمخشري : لم يمتنعْ ذلك لعدمِ صحةِ تناوُلِ فاعِل لها ، بل لأنَّ الخَلْقَ ليسوا بفاعِليها ، وإنما جَعَلَ الزكَواتِ في بيتِ أميةَ أعياناً لِجَمْعِها ؛ لأنَّ المصدر لا يُجْمع . وناقشه الشيخ فقال : " يجوز أَنْ مصدراً وإنما جُمِعَ لاختلافِ أنواعِه " . قوله : { إِلاَّ عَلَىٰ أَزْوَاجِهِمْ } فيه أوجهٌ ، أحدُها : أنَّه متعلقٌ بـ " حافِظون " على التضمين . يعني مُمْسِكين أو قاصِرين . وكلاهما يتعدَّىٰ بـ على . قال تعالىٰ : { أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ } [ الأحزاب : 37 ] الثاني : أن " على " بمعنى " مِنْ " أي : إلاَّ مِنْ أزواجهم . فـ " على " بمعنى " مِنْ " ، كما جاءَتْ " مِنْ " بمعنى " على " في قوله { وَنَصَرْنَاهُ مِنَ ٱلْقَوْمِ } [ الأنبياء : 77 ] ، وإليه ذَهَب الفراءُ . الثالث : أَنْ يكونَ في موضع نصبٍ على الحالِ . قال الزمخشري : أي إلاَّ والين على أزواجِهم أو / قَوَّامين عليهنَّ . مِنْ قولِك : كان فلان على فلانةَ فمات عنها ، فخلف عليها فلانٌ . ونظيرُه : كان زيادٌ على البصرة أي : والياً عليها . ومنه قولُهم : " ثلاثةٌ تحت فلان ، ومِنْ ثَمَّ سُمِّيَتْ المرأةُ فِراشاً " . الرابع : أنه متعلقٌ بمحذوفٍ يَدُلُّ عليه " غيرُ مَلومين " . قال الزمخشري : " كأنه قيل : يُلامُون إلاَّ على أزواجِهم أي : يلامون على كلِّ مباشِر إلاَّ على ما أُطْلِقَ لهم فإنهم غيرُ ملومين عليه " . قلت : وإنما لم يَجْعَلْه متعلقاً بـ " ملومين " لوجهين . أحدهما : أنَّ ما بعد " إنَّ " لا يَعْمل فيما قبلها . والثاني : أنَّ المضافَ إليه لا يَعْمل فيما قبلَ المضاف ، ولفسادِ المعنىٰ أيضاً . الخامس : أَنْ يُجْعل صلةً لحافظين . قال الزمخشري : " مِنْ قولِك : احفَظْ عَلَيَّ عِنَانَ فرسي " ، على تضمينِه معنى النفي كما ضُمِّن قولُهم : " نَشَدْتُك باللهِ إلاَّ فَعَلْتَ " معنى : ما طَلَبْتُ منك إلاَّ فِعْلَك . يعني : أَنَّ صورتَه إثباتُ ومعناه نفيٌ . قال الشيخ بعدما ذكَرْتُه عن الزمخشري : " وهذه وجوهٌ متكلَّفَةٌ ظاهرٌ فيها العُجْمَةُ " قلت : وأيُّ عُجْمَةٍ في ذلك ؟ على أنَّ الشيخَ جعلها متعلقةً بـ " حافظون " على ما ذكره مِنَ التضمين . وهذا لا يَصِحُّ له إلاَّ بأَنْ يرتكبَ وجهاً منها : وهو التأويلُ بالنفيِ كـ " نَشَدْتُك الله " لأنه استثناءٌ مفرغ ، ولا يكونُ إلاَّ بعد نفيٍ أو ما في معناه . السادس : قال أبو البقاء : " في موضعِ نصبٍ بـ حافِظُون " على المعنىٰ ؛ لأنَّ المعنىٰ : صانُوها عن كل فَرْجٍ إلاَّ عن فروجِ أزواجِهم " . قلت : وفيه شيئان ، أحدهما : تضمين " حافظون " معنىٰ صانُوا ، وتضمينُ " على " معنىٰ " عن " . قوله : { أَوْ مَا مَلَكَتْ } " ما " بمعنى اللاتي . وفي وقوعها على العقلاءِ وجهان ، أحدهما : أنها واقعةٌ على الأنواعِ كقوله : { فَٱنكِحُواْ مَا طَابَ } أي : أنواعَ . والثاني : قال الزمَخشري : " أُريد من جنسِ العقلاءِ ما يَجْري مَجْرىٰ غيرِ العقلاءِ وهم الإِناثُ " . قال الشيخ : " وقوله : " وهم " ليس بجيدٍ ؛ لأنَّ لفظَ " هم " مختصٌّ بالذكورِ ، فكان ينبغي أَنْ يقولَ : " وهو " على لفظ " ما " . أو " وهُنَّ " على معنىٰ " ما " قلت : والجواب عنه : أن الضميرَ عائدٌ على العقلاءِ ، فقوله " وهم " أي : والعقلاءُ الإِناث .