Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 24, Ayat: 43-43)
Tafsir: ad-Durr al-maṣūn fī ʿulūm al-kitāb al-maknūn
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { بَيْنَهُ } : إنما دخلَتْ " بينَ " على مفردٍ وهي إنما تَدْخُلُ على المثَّنى فما فوقَه لأنه : إمَّا أَنْ يُرادَ بالسحاب الجنسُ فعاد الضميرُ عليه على حكمِه ، وإمَّا أَنْ يُرادَ حَذْفُ مضافٍ أي : بين قِطَعِه ، فإنَّ كلَّ قطعةٍ سَحابةٌ . قوله : { يَخْرُجُ مِنْ خِلاَلِهِ } تقدَّم الخلافُ في " خِلال " هل هو مفرد كحِجاب أم جمعٌ كجِبال جمع جَبَل ؟ ويؤيِّد الأولَ قراءةُ ابنِ مسعودٍ والضحاكِ ، ويُرْوَىٰ عن أبي عمروٍ أيضاً " مِنْ خَلَلِه " بالإِفرادِ . والوَدْقُ قيلأ : هو المطرُ ضعيفاً كان أوشديداً . قال : @ 3452ـ فلا مُزْنَةٌ وَدَقَتْ وَدْقَها ولا أرضَ أَبْقَلَ إبْقالَها @@ وقيل : هو البَرْقُ . وأَنْشد : @ 3453ـ أَثَرْنَ عَجاجةً وخَرَجْنَ منها خُروج الوَدْقِ مِنْ خَلَلِ السَّحابِ @@ والوَدْقُ في الأصل : مصدرٌ يقال : وَدَقَ السحابُ يَدِقُ وَدْقاً و " يَخْرجُ " حالٌ لأنها بَصَرية . قوله : { مِنَ ٱلسَّمَآءِ مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ } " مِن " الأولى لابتداء الغايةِ اتفاقاً . وأمَّا الثانيةُ ففيها ثلاثةُ أوجهٍ ، أحدها : أنها لابتداءِ الغايةِ أيضاً فهي ومجرورُها بدلٌ من الأولى بإعادة العامِل . والتقدير : ويُنَزِّلُ من جبالِ السماءِ أي : من جبالٍ فيها ، فهو بدل اشتمالٍ . الثاني : أنها للتبعيض ، قاله الزمخشري وابنُ عطية . فعلى هذا هي ومجرُورها في موضعِ مفعولِ الإِنزالِ كأنه قال : ويُنَزِّل بعضَ جبالٍ . الثالثَ : أنها زائدة أي : يُنَزِّل من السماءِ جبالاً . وقال الحوفيُّ : " مِنْ جبال بدلٌ مِن الأُولى " . ثم قال : " وهي للتبعيضِ " . ورَدَّه الشيخُ : بأنه لا تَسْتَقيم البدليَّةُ إلا بترافقهما معنىً . لو قلت : " خَرَجْتُ من بغدادَ من الكَرْخِ " لم تكنِ الأولى والثانية إلاَّ لابتداءِ الغاية . وأمَّا الثالثة ففيها أربعةُ أوجهٍ : الثلاثةُ المتقدمةُ . والرابع : أنها لبيانِ الجنسِ . قاله الحوفي والزمخشري ، فيكون التقديرُ على قولِهما : ويُنَزِّل من السماء بعضَ جبالٍ التي هي البَرَدُ ، فالمُنَزَّل بَرَدٌ لأنَّ بعضَ البَرَدِ بَرَدٌ . ومفعولُ " يُنَزِّلُ " هو " مِنْ جبال " كما تقدَّمَ تقريرُه . وقال الزمخشري : " أو الأَوْلَيان للابتداء ، والثالثةُ للتبعيض " قلت : يعني أن الثانيةَ بدلٌ من الأولى كما تقدَّم تقريرُه ، وحنيئذ يكون مفعول " يُنَزِّل " هو الثالثةَ مع مجرورها تقديرُه : ويُنَزِّلُ بعضَ بردٍ من السماء مِنْ جبالِها . وإذا قيل : بأنَّ الثانيةَ والثالثةَ زائدتان فهل مجرورُهما في محلِّ نصبٍ ، والثاني بدلٌ من الأول ، والتقدير : ويُنَزِّلُ من السماء جبالاً بَرَداً ، وهو بدلُ كلٍ مِنْ كلٍ ، أو بعضٍ مِنْ كلٍ ، أو الثاني في محلِّ نصبٍ مفعولاً لـ " يُنَزِّل " ، والثالثُ في محل رفعٍ على الابتداء ، وخبرُه الجارُّ قبلَه ؟ خلافٌ . الأولُ قولُ الأخفشِ ، والثاني قولُ الفراءِ . وتكون الجملةُ على قولِ الفراءِ صفةً لـ " جبال " ، فيُحْكَمُ على موضعِها بالجرِّ اعتباراً باللفظِ ، أو بالنصبِ اعتباراً بالمَحَلِّ . ويجوزُ أن يكونَ " فيها " وحدَه هو الوصفَ ، ويكون " مِنْ بَرَدٍ " فاعلاً به ؛ لاعتمادِه أي : استقرَّ فيها . وقال الزَّجاج : " معناه : ويُنَزِّلُ مِن السماءِ مِنْ جبالِ بَرَدٍ فيها كما تقولُ : " هذا خاتمٌ في يدي من حديدٍ " أي : خاتم حديدٍ في يدي . وإنما جِئْتَ في هذا وفي الآية بـ " مِنْ " لمَّا فرَّقْتَ ، ولأنَّك إذا قلت : هذا خاتمٌ مِنْ حديدٍ وخاتمٌ حديدٍ كان المعنى واحداً " انتهى . فيكونُ " مِنْ بَرَدٍ " في موضعِ جَرٍّ صفةً / لـ " جبال " ، كما كان " من حديد " صفةً لـ " خاتم " ، ويكونُ مفعولُ " يُنَزِّل " " من جبال " . ويَلْزَمُ مِنْ كونِ الجبال برداً أَنْ يكونَ المُنَزَّلُ بَرَداً . وقال أبو البقاء : " والوجه الثاني : أنَّ التقدير : شيئاً من جبالٍ ، فحُذِفَ الموصوفُ واكتُفِي بالصفةِ . وهذا الوجهُ هو الصحيحُ ؛ لأنَّ قولَه { فِيهَا مِن بَرَدٍ } يُحْوِجُك إلى مفعولٍ يعودُ الضميرُ إليه ، فيكونُ تقديرُه : ويُنَزِّلُ مِنْ جبالِ السماء جبالاً فيها بَرَدٌ . وفي ذلك زيادَةُ حَذْفٍ ، وتقديرٌ مُسْتغنى عنه " . وفي كلامه نظرٌ ؛ لأنَّ الضميرَ له شيءٌ يعودُ عليه وهو السماء ، فلا حاجةَ إلى تقديرِ شيءٍ آخرَ ؛ لأنَّه مُسْتغنى عنه ، وليسَ ثَمَّ مانعٌ يمنعُ مِنْ عَوْدِه على السماء . وقوله آخراً : " وتَقْديرٌ مستغنى عنه " ، وينافي قولَه : " وهذا الوجه هو الصحيح " . والضميرُ في " به " يجوزُ أن يعودَ على البَرد وهو الظاهرُ ، ويجوزُ أَنْ يعودَ على الوَدْق والبَرَد معاً ، جرياً بالضمير مَجْرى اسمِ الإِشارةِ . كأنه قيل : فَيُصيب بذلك ، وقد تقدَّم نظيرُه في مواضعَ . قوله : { سَنَا بَرْقِهِ } العامَّةُ على قَصْر " سَنا " وهو الضَّوْءُ ، وهو مِنْ ذواتِ الواوِ ، يُقال : سَنا يَسْنُو سَناً . أي : أضاءَ يُضيْءُ . قال امرؤُ القيس : @ 3454ـ يضيءُ سَناه ، أو مصابيحُ راهِبٍ … @@ والسَّنا بالمدِّ : الرِفْعَةُ . قال : @ 3455ـ وسِنٍّ كسُنَّيْقٍ سَناءً وسُنَّماً … @@ وقرأ ابنُ وثَّاب " سَناءُ بُرَقِه " بالمدِّ ، وبضمِّ الباء مِنْ " بُرَقِه " وفتح الراء . ورُوي عنه ضَمُّ الراءِ أيضاً . فأمَّا قراءةُ المدِّ فإنه شَبَّه المحسوسََ من البرقِ لارتفاعِه في الهواءِ بغير المحسوسِ من الإنسانِ . وأمَّا " بُرَقِه " فجمعُ بُرْقَة ، وهي المقدارُ من البرقِ كقُرَب . وأمَّا ضمُّ الراءِ فإتباعٌ كظُلُمات بضمِّ اللام إتباعاً لضم الظاء . وإنْ كان أصلُها السكونَ . وقرأ العامَّة أيضاً " يَذْهَبُ " بفتح الياء والهاء . وأبو جعفر بضمِّ الياءِ وكسرِ الهاءِ مِنْ أَذْهَبَ . وقد خَطَّأ هذه القراءةَ الأخفشُ وأبو حاتم قالا : " لأنَّ الباءَ تُعاقِبُ الهمزة " . وليس رَدُّهما بصوابٍ ؛ لأنها تَتَخَرَّج على ما خُرِّج ما قُرِىء به في المتواتر { تُنْبِتُ بِٱلدُّهْنِ } [ المؤمنون : 20 ] من أنَّ الباء مزيدةٌ ، أو أنَّ المفعولَ محذوفٌ ، والباءُ بمعنىٰ " مِنْ " تقديرُه : يُذْهِبُ النُّورَ من الأَبْصارِ كقولِه :