Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 24, Ayat: 58-58)
Tafsir: ad-Durr al-maṣūn fī ʿulūm al-kitāb al-maknūn
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { ثَلاَثَ مَرَّاتٍ } : فيه وجهان ، أحدهما : أنه منصوبٌ على الظرفِ الزماني أي : ثلاثةَ أوقاتٍ ، ثم فَسَّر تلك الأوقاتَ بقوله : { مِّن قَبْلِ صَـلَـٰوةِ ٱلْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ } { وَمِن بَعْدِ صَلَـٰوةِ ٱلْعِشَآءِ } . والثاني : أنه منصوبٌ على المصدريةِ أي ثلاثةَ استئذاناتٍ . ورجَّحَ الشيخُ هذا فقال / : " والظاهرُ مِنْ قوله " ثلاثَ مرات " . ثلاثةَ استئذاناتٍ لأنَّك إذا قلتَ : ضربْتُ ثلاثَ مراتٍ لا تفْهَمُ منه إلاَّ ثلاثَ ضَرَبات . ويؤيِّده قولُه عليه السلام : " الاستئذانُ ثلاث " قلت : مُسَلَّمٌ أنَّ الظاهرَ كذا ، ولكنَّ الظاهرَ هذا متروكٌ للقرينةِ المذكورةِ وهي التفسيرُ بثلاثةِ الأوقاتِ المذكورةِ . وقرأ الحسن وأبو عمرٍو في رواية " الحُلْمَ " بسكونِ العينِ وهي تميميةٌ . قوله : { مِّن قَبْلِ صَـلَـٰوةِ } فيه ثلاثةُ أوجهٍ : أحدُها : أنه بدلٌ مِنْ قوله " ثلاث " فتكونُ في محلِّ نصبٍ . الثاني : أنه بدلٌ مِنْ " عورات " فيكونُ في محلِّ جر . الثالث : أنه خبرُ مبتدأ مضمرٍ أي : هي من قبلِ أي : تلك المراتُ فيكونُ في محلِّ رفعٍ . قوله : { مِّنَ ٱلظَّهِيرَةِ } فيه ثلاثةُ أوجهٍ أحدُهما : أنَّ " مِنْ " لبيانِ الجنس أي : حين ذلك الذي هو الظهيرةُ . الثاني : أنها بمعنى " في " أي تَضَعُونها في الظهيرةِ . الثالث : أنَّها بمعنى اللام أي مِنْ أَجْلِ حَرِّ الظهيرةِ . وأمَّا قولُه : { وَحِينَ تَضَعُونَ } فعطفٌ على محلِّ { مِّن قَبْلِ صَـلَـٰوةِ ٱلْفَجْرِ } ، وقوله : { وَمِن بَعْدِ صَلَـٰوةِ ٱلْعِشَآءِ } عطفٌ على ما قبلَه ، والظَّهيرةُ : شِدَّةُ الحَرِّ ، وهو انتصافُ النهارِ . قوله : { ثَلاَثُ عَوْرَاتٍ } قرأ الأخَوان وأبو بكر " ثلاثَ " نصباً . والباقون رفعاً . فالأَُوْلىٰ تَحْتملُ ثلاثةَ أوجهٍ ، أحدُها : وهو الظاهر أنَّها بدلٌ مِنْ قوله : { ثَلاَثَ مَرَّاتٍ } . قال ابن عطية : " إنما يَصِحُّ البدلُ بتقديرِ : أوقات ثلاثِ عَوْراتٍ ، فَحُذِف المضافُ وأُقيم المضافُ إليه مُقامَه " ، وكذا قَدَّره الحوفي والزمخشري وأبو البقاء . ويحتمل أَنَّه جَعَل نفسَ ثلاثِ المراتِ نفسَ ثلاثِ العوراتِ مبالغةً ، فلا يُحتاج إلى حَذْفِ مضافٍ . وعلى هذا الوجهِ أعني وجهَ البدل لا يجوزُ الوقفُ على ما قبل { ثَلاَثُ عَوْرَاتٍ } لأنه بدلٌ منه وتابعٌ له ، ولا يُوْقَفُ على المتبوعِ دونَ تابعِه . الثاني : أنَّ { ثَلاَثُ عَوْرَاتٍ } بدلٌ مِنَ الأوقاتِ المذكورةِِ قاله أبو البقاء . يعني قولَه : { مِّن قَبْلِ صَـلَـٰوةِ ٱلْفَجْرِ } وما عُطِفَ عليه ، ويكونُ بدلاً على المحلِّ ؛ فلذلك نُصِبَ . الثالث : أَنْ يَنْتَصِبَ بإضمارِ فِعْلٍ . فقَدَّره أبو البقاء أعني . وأَحْسَنُ من هذا التقديرِ " اتَّقوا " أو " احْذروا " ثلاثَ . وأمَّا الثانية فـ " ثلاثُ " خبرُ مبتدأ محذوفٍ ، تقديرُه : هنَّ ثلاثُ عَوْراتٍ . وقدَّره أبو البقاء مع حَذْفِ مضافٍ فقال : " أي : هي أوقاتُ ثلاثِ عوراتٍ ، فحُذِف المبتدأُ والمضافُ " . قلت : وقد لا يُحتاج إليه على جَعْلِ العوراتِ نفسَ الأوقاتِ مبالغةً وهو المفهومُ من كلامِ الزمخشريِّ ، وإن كان قد قَدَّره مضافاً كما قدَّمْتُه عنه . قال الزمخشري : " وسَمَّىٰ كلَّ واحدٍ من هذه الأحوالِ عورةً ؛ لأنَّ الناسَ يَخْتَلُّ تَسَتُّرُهم وتَحَفُّظُهم فيها . والعَوْرَةُ : الخَلَلُ ومنه أَعْوَرَ الفارِسُ ، وأَعْوَرَ المكانُ . والأَعْوَرُ : المختلُّ العينِ " فهذا منه يُؤْذِنُ بعدمِ تقديرِ أوقاتِ ، مضافةً لـ " عَوْراتٍ " بخلافِ كلامِه أولاً . فيُؤْخَذُ من مجموعِ كلامِه وجهان ، وعلى قراءةِ الرفع وعلى الوجهين قبلها في تخريجِ قراءةِ النصبِ يُوقف على ما قبلَ { ثَلاَثَ عَوْرَاتٍ } لأنَّها ليسَتْ تابعةً لما قبلها . وقرأ الأعمش " عَوَرات " وهي لغةُ هُذَيْلٍ وبني تميم : يفتحون عينَ فَعَلات واواً أو ياءً وأُنشِدَ : @ 3467ـ أخو بَيَضاتٍ رائحٌ متأوِّبٌ رفيقٌ بمَسْحِ المَنْكِبينِ سَبُوْحُ @@ قوله : { لَيْسَ عَلَيْكُمْ } هذه الجملةُ يجوزُ أَنْ يكونَ لها محلٌّ من الإِعرابِ وهو الرفعُ نعتاً لثلاث عَوْرات في قراءةِ مَنْ رفعها كأنه قيل : هُنَّ ثلاثُ عَوْراتٍ مخصوصةً بعدمِ الاستئذانِ ، وأنْ لا يكونَ لها محلٌّ ، بل هي كلامٌ مقرِّر للأمرِ بالاستئذانِ في تلك الأحوالِ خاصةً ، وذلك في قراءةِ مَنْ نصب " ثلاثَ عَوْراتٍ " . قوله : { بَعْدَهُنَّ } قال أبو البقاء : " التقديرُ : بعد استئذانِهم فيهنَّ ، ثم حَذَفَ حرفَ الجرِّ والفاعلَ ، فبقي : بعد استئذانِهم ، ثم حَذَفَ المصدرَ " يعني بالفاعل الضميرَ المضافَ إليه الاستئذانُ فإنه فاعلٌ معنويٌّ بالمصدر . وهذا غيرُ ظاهرٍ ، بل الذي / يَظْهَرُ أنَّ المعنىٰ : ليس عليكم جناحٌ . ولا عليهم أي : العبيدِ والإِماءِ والصبيانِ ، في عَدَمِ الاستئذانِ بعد هذه الأوقاتِ المذكورةِ ، ولا حاجةَ إلى التقديرِ الذي ذكره . قوله : { طَوَٰفُونَ } خبرُ مبتدأ مضمرٍ تقديرُه : هم طَوَّافون ، و " عليكم " متعلِّقٌ به . قوله : { بَعْضُكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ } في " بعضُكم " ثلاثةُ أوجهٍ ، أحدُها : أنه مبتدأٌ ، و " على بعض " الخبرُ ، فقدَّره أبو البقاء " يَطُوْفُ على بعض " . وتكونُ هذه الجملةُ بدلاً مِمَّا قبلها . ويجوز أن تكونَ مؤكدةً مُبَيِّنة . يعني : أنها أفادَتْ إفادَةَ الجملةِ التي قبلها فكانَتْ بدلاً ، أو مؤكِّدةَ . ورَدَّ الشيخ هذا : بأنه كونٌ مخصوصٌ فلا يجوزُ حَذْفُه . والجوابُ عنه : أن الممتنعَ الحذفِ إذا لم يَدُلَّ عليه دليلٌ وقُصِد إقامةُ الجارِّ والمجرورِ مُقامَه ، وهنا عليه دليلٌ ولم يُقْصَدْ إقامةُ الجارِّ مُقامَه ، ولذلك قال الزمخشري : " خبرُه " على بعض " ، على معنىٰ : طائف على بعض ، وحُذِفَ لدلالةِ " طَوَّافون " عليه " . الثاني : أن يَرْتَفِعَ بدلاً مِنْ " طوَّافون " قاله ابن عطية . قال الشيخ : " ولا يَصِحُّ إنْ قُدِّر الضميرُ ضميرَ غَيْبةٍ لتقدير المبتدأ " هم " لأنَّه يصيرُ التقديرُ : هم يَطُوف بعضُكم على بعضٍ ، وهو لا يَصِحُّ . فإنْ جَعَلْتَ التقدير : أنتم يَطُوف بعضُكم على بعضٍ ، فيدفَعُه أنَّ قولَه " عليكم " يَدُلُّ على أنهم هم المَطُوفُ عليهم ، و " أنتم طَوَّافون " يَدُلُّ على أنَّهم طائِفون فتعارضا " . قلت : نختار أنَّ التقديرَ : أنتم ، ولا يلزَمُ محذورٌ . قوله : " فيدفعه إلى آخره " لا تعارُضَ فيه لأنَّ المعنىٰ : كلٌّ منكم ومِنْ عبيدِكم طائفٌ على صاحبِه ، وإن كان طوافُ أحدِ النوعين غيرَ طوافِ الآخَرِ ؛ لأنَّ المرادَ الظهورُ على أحوالِ الشخصِ ، ويكونُ " بعضُكم " بدلاً من " طَوَّافون " , وقيل : " بعضُ " بدلٌ مِنْ " عليكم " بإعادة العاملِ فَأَبْدَلْتَ مرفوعاً مِنْ مرفوعٍ ، ومجروراً من مجرور . ونظيرُه قولُ الشاعرِ : @ 3468ـ فلمَّا قَرَعْنا النَّبْعَ بالنَّبْعِ بعضَه ببعضٍ أبَتْ عِيدانُه أَنْ تكَسَّرا @@ فـ " بعضُه " بدلُ من " النبعَ " المنصوب ، و " ببعض " بدلٌ من المجرورِ بالباء . الثالث : أنه مرفوعٌ بفعلٍ مقدَّر أي : يطوفُ بعضُكم على بعضٍ ، حُذِفَ لدلالةِ " طَوَّافون " عليه . قاله الزمخشري . وقرأ ابن أبي عبلة " طوَّافين " بالنصبِ على الحال من ضميرِ " عليهم " .