Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 140-140)
Tafsir: ad-Durr al-maṣūn fī ʿulūm al-kitāb al-maknūn
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { قَرْحٌ } : قرأ الأخَوان وأبو بكر : " قُرْح " بضم القاف ، وكذلك " القُرْح " معرَّفاً ، والباقون بالفتح فيهما ، فقيل : هما بمعنى واحد . ثم اختلف القائلون بهذا فقال بعضهم : " المرادُ بهما الجرحُ نفسه " . وقال بعضُهم : منهم الأخفش المرادُ بهما المصدرُ . يُقال قَرِحَ الجرحُ يَقْرَحُ قُرَحاً وقَرْحاً . قال امرؤ القيس : @ 1439ـ وبُدِّلْتُ قَرْحاً دامياً بعد صحةٍ لعلَّ منايانا تَحَوَّلنَ أَبْؤُسَا @@ والفتحُ لغةُ الحجاز ، والضمُّ لغةُ غيرِهم فهما كالضَّعْف والضُّعْف والكَرْه والكُرْه . وقال بعضُهم : " المفتوح : الجُرحُ ، والمضموم : ألمه " . وقرأ ابنُ السَّمَيْفَع بفتح القاف والراء وهي لغةٌ كالطَّرْد والطَّرَد . وقال أبو البقاء : هو مصدرُ قَرُحَ يَقْرُح إذا صار له قُرْحَة ، وهو بمعنى دَمِي . وقرىء " قُرُح " بضمِّهما . قيل : وذلك على الإِتباع كاليُسْر واليُسُر والطُّنْب والطُّنُبِ . وقرأ الأعمش : " إنْ تَمْسَسْكم " بالتاء من فوق ، " قروحٌ " بصيغة الجمع ، والتأنيث واضح . وأصلُ المادةِ الدلالةُ على الخُلوصِ ومنه : الماء القَراح أي : لا كُدروةَ فيه ، قال : @ 1440ـ فساغَ لي الشرابُ وكنتُ قبلاً أَكادُ أَغَصُّ بالماءِ القَراحِ @@ وأرضٌ قَرْحَة أي : خالصةُ الطين ومنه : قريحةُ الرجلِ لخالصِ طبعِهِ . وقال الراغب : " القَرْحُ : الأثَرُ من الجراحةِ ، من شيءٍ يصيبُه من خارجٍ ، والقُرْحُ يعني بالضم أثرُها مِنْ داخلٍ كالبَثْرةِ ونحوِها ، يقال : قَرَحْتُه نحو : جَرَحْتُه . قال الشاعر : @ 1441ـ لا يُسْلِمُون قريحاً حَلَّ وسطُهُمُ يومَ اللِّقاءِ ولا يُشْوُون مَنْ قَرَحُوا @@ أي : جرحوا : وقَرِح : خرج به قَرْحٌ ، وقَرَحَ الله قلبَه وأقرحه يعني : فَفَعَل وأفْعَل فيه بمعنى وفَرَسٌ قارح : إذا أصابَه أثرٌ من ظهورِ نابِه ، والأُنثى : قارحةٌ ، وروضةٌ قَرْحاءُ إذا كان في وسطها نَوْرٌ ، وذلك تشبيهٌ بالفرس القَرْحاءِ . والاقتراحُ : الابتداعُ والابتكارُ . ومنه قالوا : اقترح عليه فلانٌ كذا ، واقترحْتُ بئراً : استخرجْتُ منها ماءً قَراحاً ، والقريحَةُ في الأصل : المكانُ الذي يَجْتمع فيه الماءُ المُسْتَنْبَطُ ، ومنه استُعِيرَتْ قريحةُ الإِنسانِ " . قوله : { فَقَدْ مَسَّ ٱلْقَوْمَ قَرْحٌ } للنحويين في مثل هذا تأويلٌ وهو أَنْ يُقَدِّروا شيئاً مستقبلاً ، لأنه لا يكونُ التعليقُ إلا في المستقبلِ ، وقوله { فَقَدْ مَسَّ ٱلْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ } ماضٍ محقق ، وذلك التأويلُ هو التبيين : فقد تبيَّن مسُّ القَرْحِ للقوم ، وسيأتي له نظائر / نحو : { إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ } [ يوسف : 26 ] { وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ فَكَذَبَتْ } [ يوسف : 26 ] . وقال بعضُهم " وجوابُ الشرطِ محذوفٌ تقديرُه : " فتأسَّوا " ونحوُ ذلك . وقال الشيخ : " مَنْ جَعَلَ جوابَ الشرط " فقد مَسَّ " فهو ذاهِلٌ " . قلت : غالبُ النحاةِ جَعَلوه جواباً متأوِّلين له بما ذَكَرْتُ . قوله : { وَتِلْكَ ٱلأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا } يجوزُ في " الأيام " أَنْ تكونَ خيراً لـ " تلك " . و " نُداوِلُها " جملةً حاليةٌ العاملُ فيها معنى اسم الإِشارة أي : أُشير إليها حالَ كونِها متداولةً . ويجوزُ أن تكونَ " الأيام " بدلاً أو عطفَ بيانٍ أو نعتاً لاسم الإِشارة ، والخبرُ هو الجملةُ من قوله : { نُدَاوِلُهَا } ، وقد مَرَّ نحوُه في قوله : { تِلْكَ آيَاتُ ٱللَّهِ نَتْلُوهَا } [ آل عمران : 108 ] إلا أَنَّ هناك لا يجيءُ القولُ بالنعتِ لِما عَرَفْتَ أنَّ اسمَ الإِشارة لا يُنْعَتُ إلا بذِي أل . و " بين " متعلقٌ بـ " نُداوِلُها " . وجَوَّز أبو البقاء أن يكون حالاً من مفعولِ " نُداولها " وليس بشيءٍ . والمُدَاوَلَةُ : المناوَبَةُ على الشيء والمعاوَدَةُ وتَعَهُّدُه مرةً بعد أخرى . يقال : داوَلْتُ بينَهم الشيءَ فتداولوه ، كأن " فاعَل " بمعنى " فَعَل " . قال الشاعر : @ 1442ـ يَرِِدُ المياهَ فلا يزالُ مُداوِلاً في الناسِ بين تَمَثُّلٍ وسَمَاعِ @@ وأدالَ فلانٌ فلاناً جَعَلَ له دَوْلَة ، ويقال : دُولة ودَولة بضمِّ الفاء وفتحها ، وقد قُرىء بهما في سورة الحشر كما سيأتي إن شاء الله تعالى . واختلف الناس : هل اللفظتان بمعنًى أم بينهما فرقٌ ؟ فذهب بعضُهم كالراغب وغيرِه إلى أنهما سيَّان ، فيكونُ في المصدر لغتان . وقال غيرُ هؤلاء : " بينهما فرقٌ " واختلفت أقوالُ هؤلاء فقال بعضُهم : " الدَّوْلة " بالفتح في الحربِ والجاهِ ، وبالضمِّ في المالِ ، وهذا تَرُدُّه القراءاتان في سورة الحشر . وقيل : بالضمِّ اسمُ الشيء المتداوَلِ ، وبالفتح نفس المصدر وهذا قريب . وقيل : الدُّولة بالضم هي المصدر ، وبالفتح الفِعْلَةُ الواحدة فلذلك يُقال " في دَوْلة فلان " لأنها مرة في الدهر . والدَّوْرُ والدول متقاربان في المعنى ولكن بينهما عموم وخصوص فإن الدور أعمُّ من الدَّوْل ؛ لأن الدَّوْل باللام لا يكون إلا في الحظوظ الدنيوية . والدَّوَلْوَل : الداهيةُ ، والجمعُ : دَأَليل . قوله : { وَلِيَعْلَمَ ٱللَّهُ } ذكر أبو بكر بن الأنباري في تعلُّق هذه اللام وجهين ، قال : " أحدُهما : أنَّ اللامَ صلةٌ لفعلٍ مضمرٍ يَدُلُّ عليه أولُ الكلامِ بتقدير : ولِيعلمَ اللهُ الذين آمنوا نُداولها . والثاني : أنَّ العامل فيه " نُدَاولها " المذكورُ بتقديرِ : نُداوِلها بين الناسِ لنُظْهِرَ أمرَهم ولنبيِّن أعمالَهم ، وليعلَم اللهُ الذين آمنوا ، فلمَّا ظهرَ معنى اللام المضمرةِ في " ليُظْهِرَ " و " ليبيِّن " جَرَتْ مَجْرى الظاهرة فجاز العطفُ عليها . وجَوَّز أبو البقاء وجهاً وهو أن تكونَ الواوُ زائدةً ، وعلى هذا فاللامُ متعلقةٌ بـ " نُداوِلُها " مِنْ غيرِ تقدير شيءٍ . ولكنَّ هذا لا حاجةَ إليه ، ولم يَحْتَجْ إلى زيادة الواو إلا الأخفشُ في مواضعَ ليس هذا منها ، وبعضُ الكوفيين يوافِقُه على ذلك . وقَدّره الزمخشري بـ " فَعَلْنا ذلك ليكونَ كيتَ وكيتَ وليَعلَمَ " ، فقدَّر عاملاً وعَلَّق به علةً محذوفة عَطَف عليها هذه العلةَ . قال الشيخ : " ولم يُعَيِّنْ فاعلَ العلةِ المحذوفةِ ، إنما كَنَى عنه بكيت وكيت ، ولا يُكْنى عن الشيء حتى يُعْرَف ، ففي هذا الوجه حَذْفُ العلةِ وحَذْفُ عامِلِها وإبهامُ فاعِلها ، فالوجهُ الأولُ أظهرُ إذ ليس فيه غيرُ حَذْفِ العامل " يعني بالوجهِ الأول أَنَّه قَدَّره : " وليَعْلَمَ اللهُ فَعَلْنا ذلك " وهو المداوَلَةُ أو نَيْلُ الكفار منكم . والعلمُ هنا يجوزُ أن يتعدَّى لواحدٍ قالوا : لأنه بمعنى عرف ، وهو مُشْكِلٌ لأنه لا يجوزُ وصفُ الله تعالى بذلك لِما تقدَّم من أن المعرفة تستدعي جهلاً بالشيء ، أو أنها متعلقة بالذوات دون الأحوال ، ويجوز أن يكونَ متعدياً لاثنين ، فالثاني محذوفٌ تقديرُه : وليعلم الذين آمنوا مميَّّزين بالإِيمان مِنْ غيرهم . وقُرِىء شاذاً : " يُداوِلُها " بياء الغَيْبة وهو موافِقٌ لِما قبله ولِما بعده . وقراءةُ العامةِ على الالتفاتِ المفيدِ للتعظيمِ . قوله : " منكم " الظاهرُ أنَّ " منكم " متعلقٌ بالاتخاذِ ، وجَوَّزوا فيه أن يتعلَّقَ بمحذوفٍ على أنه حالٌ من " شهداء " لأنه في الأصلِ صفةٌ له .