Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 156-156)
Tafsir: ad-Durr al-maṣūn fī ʿulūm al-kitāb al-maknūn
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قولُه تعالى : { إِذَا ضَرَبُواْ } : " إذا " ظرفٌ مستقبل فلذلك اضطربت أقوالُ المُعْرِبين هنا من حيث إنَّ العاملَ فيها : " قالوا " وهو ماضٍ ، فقال الزمخشري : " فإنْ قلت : كيف قيل : " إذا ضَرَبوا " مع " قالوا " ؟ قلت : هو حكايةٌ حالٍ ماضيةٍ كقولك " حين يضربون في الأرض " . وقال أبو البقاء بعد قوله قريباً من قول الزمخشري : " ويجوز أن يكونَ " كفروا " و " قالوا " ماضيين ، ويرادُ بهما المستقبلُ المحكيُّ به الحالُ ، فعلى هذا يكون التقديرُ : يكفرون ويقولون " انتهى . ففي كِلا الوجهين حكايةٌ حالٍ ، لكنْ في الأولِ حكايةٌ حالٍ ماضيةٍ ، وفي الثاني مستقبلةٌ ، وهو من هذه الحيثيَّةِ كقوله تعالى : { حَتَّىٰ يَقُولَ ٱلرَّسُولُ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ } [ البقرة : 214 ] وقد تقدَّم . ويجوزُ أَنْ يُراد بـ " قال " الاستقبالُ لا على سبيلِ الحكاية ، بل لوقوعِه صلةً لموصولٍ ، وقد نَصَّ بعضُهم على أنَّ الماضيَ إذا وقَع صلةً لموصولٍ صَلَح للاستقبال نحو : { إِلاَّ ٱلَّذِينَ تَابُواْ مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُواْ عَلَيْهِمْ } [ المائدة : 34 ] ، وإلى هذا نحا ابن عطية ، قال : " ودخلت إذا وهي حرف استقبال من حيث " الذين " اسمٌ مُبْهَمٌ يَعُمُّ مَنْ قَال في الماضي ومَنْ يقول في الاستقبال ، ومِنْ حيث هذه النازلةُ تُتَصَوَّرُ في مستقبلِ الزمان " يعني فتكون حكايةَ حالٍ مستقبلة . وقيل : " إذا " بمعنى " إذْ " وليس بشيء . وقَدَّرَ الشيخ مضافاً محذوفاً هو عاملٌ في " إذا " تقديرُه : " وقالوا لهلاكِ إخوانهم " أي مخافةَ أن يَهْلَكَ إخوانُهم إذا سافروا أو غزَوا ، فقدَّر العاملَ مصدراً مُنْحَلاًّ لـ " أَنْ " والمضارع حتى يكونَ مستقبلاً قال : " ولكنْ يصيرُ الضميرُ في قوله : { لَّوْ كَانُواْ عِنْدَنَا } عائداً على " إخوانهم " في اللفظ وهو لغيرهم في المعنى أي : يعودُ على إخوانٍ آخرين وهم الذي تقدَّمَ موتُهم بسببِ سفرٍ أو غزو ، وقَصْدُهم بذلك تثبيطُ الباقين ، وهو نظيرُ : " درهمٌ ونصفه " ، { وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ وَلاَ يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ } [ فاطر : 11 ] وقول النابغة : @ 1477ـ قالَتْ : ألا ليتما هذا الحمامُ لنا إلى حمامتِنا ونصفُه فَقَدِ @@ أي . نصفُ درهمٍ آخرَ ، ومُعَمَّرٍ أخرَ ، وحمامٍ آخرَ " . واللامُ في " لإِخوانهم " للعلةِ ، وليسَتْ هنا للتبليغ كالتي في قولِك : " قلت لزيدٍ : افعل كذا " . والجمهورُ على " غُزَّى " بالتشديد جمع " غازٍ " وقياسُه : غُزَاة كرام ورُماة ، ولكنهم حَمَلوا المعتلَّ على الصحيح في نحو : ضارِب وضُرَّب ، وصائم وصُوَّم . والزهري والحسن : " غُزَى " بتخفيفها ، وفيه وجهان : أنه خَفَّف الزايَ كراهيةَ التثقيلِ في الجمعِ . والثاني : أنَّ أصلَه " غُزاة " كقُضاة ورُماة ، ولكنه حَذَفَ تاءَ التأنيث ، لأنَّ نفسَ الصيغةِ دالَّة على الجمعِ ، فالتاءُ مستغنىً عنها . وقال ابن عطية : وهذا الحذف كثيرٌ في كلامهم ، ومنه قول الشاعر يمدح الكسائي : @ 1478ـ أبى الذَّمُّ أخلاقَ الكسائي وانْتَحى به المجدُ أخلاقَ الأُبُوِّ السَّوابقِ @@ يريد : " الأبوة " جمع أب ، كما ان " العمومة " جمع عَمّ " ، و " البُنُوَّة " جمعُ ابن ، وقد قالوا : ابن وبُنُوّ . وقد رَدَّ عليه الشيخ هذا : بأنَّ الحَذْفَ ليس بكثيرٍ ، وأنَّ قوله : " حُذِفَت التاءُ من " عُمومة " ليس كذلك ، بل الأصل " عُموم " من غير تاء / ، ثم أَدخلوا عليها التاء لتأكيد الجمع ، فما جاء على " فُعول " من غير تاءٍ فهو الأصلُ نحو : عُموم وفُحول ، وما جاءَ فيه التاءُ فهو الذي يَحْتاج إلَى تأويِلِه بالجمعِ ، لم يُبْنَ على هذه التاءِ حتى يُدَّعى حَذْفُها ، وهذا بخلاف " قُضاة " وبابِه بُني عليها فيمكنُ ادِّعاءُ الحَذْفِ فيه ، وأما " أُبُوّة " و " بُنُوّة " فليسا جَمْعَيْن بل مصدَرَيْن وأمَّا " أُبُوّ " في البيت فهو شاذ عند النحاةِ من جهةِ أنه كان مِنْ حَقِّه أَنْ يُعِلَّه فيقول : " أُبِيّ " بقلبِ الواوين ياءين نحو : عُصِيّ . ويُقال : غُزَّاء بالمدِّ أيضاً وهو شاذٌّ ، وتَحَصَّل في " غازٍ " ثلاثةُ جموعٍ في التكسير : غُزاة كقُضاة ، وغُزَّى كصُوَّم ، وغُزَّاء كصُوّام ، وجمعٌ رابع جمعُ سلامة ، والجملةُ كلها في محل نصب بالقول . قوله : { لِيَجْعَلَ ٱللَّهُ } في هذه اللام قولان ، أحدهما : أنها لام " كي " والثاني : أنها لام العاقبة والصيرورة ، وعلى القول الأول فبِمَ تتعلَّق هذه اللام ؟ وفيه وجهان ، فقيل : التقدير : أَوْقَعَ ذلك أي القول أو المُعْتَقَد ليجعلَه حسرةً ، أو نَدَمُهم ، كذا قَدَّره أبو البقاء ، وأجاز الزمخشري : أن تتعلَّقَ بجملة النهي ، وذلك على معنيين باعتبارِ ما يرُاد باسمِ الإِشارة على ما سيأتي بيانُه في كلامِه : أمَّا الاعتبارُ الأول فإنه قال : " يعني : لا تكونوا مثلَهم في النطق بذلك القول واعتقادِه ليجعله اللهُ حسرةً في قلوبِهم خاصة ، ويصونَ منها قلوبَكم " فجعل " ذلك " إشارةً إلى القولِ والاعتقادِ . وأمَّا الاعتبارُ الثاني فإنه قال : " ويجوزُ أَنْ يكونَ " ذلك " إشارةً إلى ما دَلَّ عليه النهيُ أي : لا تكونوا مثلَهم ليجعلَ اللهُ انتفاءَ كونكم مثلَهم حسرةً في قلوبهم ، لأنَّ مخالَفَتهم فيما يقولون ، ويعتقدون مِمَّا يَغُمُّهُمْ ويَغيظهم " . وقد رَدَّ عليه الشيخ المعنى الأولَ بالمعنى الثاني الذي ذكره هو ، ولا بد من إيراده ليتبيَّنَ لك . قال بعد ما حكى عنه ما نقلْتُه في المعنى الأول : " وهذا كلام مثبج لا تحقيقَ [ فيه ] لأَنَّ جَعْلَ الحسرة لا يكون سبباً للنهي كما قلنا . إنما يكونُ سبباً لحصولِ امتثالِ النهي ، وهو انتفاء المماثلةِ ، فحصولُ ذلك الانتفاء والمخالفةِ فيما يقولون ويعتقدون يَحْصُل عنه ما يَغيظهم ويَغُمُّهُمْ إذ لم يُوافِقُوهم فيما قالوه واعتَقَدُوه فلا تَضْرِبوا ولا تَغْزوا ، فالتبس على الزمخشري استدعاءُ انتقاءِ المماثلةِ بحصولِ الانتفاء ، وفَهْمُ هذا فيه خَفاءٌ ودِقَّةٌ " انتهى . ولا أدري ما وجهُ تثبيجِ كلام أبي القاسم ، وكيفَ ردَّ عليه على زعمه بكلامه ؟ وقال الشيخ أيضاً : " وقال ابنُ عيسى يعني الرماني وغيرُه اللامُ متعلقةٌ بالكون ، أي لا تكونوا كهؤلاءِ ليجعلَ اللهُ ذلك حسرة في قلوبهم دونَكم ، ومنه أخَذَ الزمخشري في قولِه ، لكنَّ ابن عيسى نَصَّ على ما تتعلق به اللام ، وذاك لم ينص ، وقد بَيَّنَّا فسادَ هذا القول " . انتهى . وقوله : " وذلك لم ينصَّ " بل قد نَصَّ ، وقال : " فإنْ قلت ما متعلَّقُ ليجعلَ ؟ قلت : " قالوا " إلى آخره ، أو بقوله : " لا تكونوا " ، وأيُّ نصٍ أظهرُ من هذا ؟ ولا يجوزُ تَعَلُّق هذه اللامِ ومعناها التعليل بـ " قالوا " لفساد المعنى ، لأنهم لم يقولوه لذلك بل لتثبيطِ المؤمنينِ عن الجهاد . وعلى القولِ الثاني أعني كونَها للعاقبةِ تتعلَّقُ بـ " قالوا " والمعنى : أنَّهم قالوا ذلك لغرضٍ من أغراضِهم ، فكانَ عاقبةُ قولِهم ومصيرُه إلى الحسرةِ والنَّدامَةِ كقولِه : { فَٱلْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً } [ القصص : 8 ] ، لم يلتِقطوه لذلك ، لكنْ كان مآلُه لذلك ، ولكنَّ كونَها للصيرورةِ لم يَعْرِفْه أكثرُ النحويين ، وإنما هو شيء يَنْسِبونَه للأخفش ، وما وَرَدَ من ذلك يؤولونه عَلى العكسِ من الكلام نحو : { فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ } [ آل عمران : 21 ] ، وهذا رأي الزمخشري ، فإنه شَبَّه هذه اللام باللام في { لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً } ، ومذهبُه في تَيْكَ أنها للعلة بالتأويل المذكور . والجَعْلُ هنا بمعنى التصيير ، و " حسرةً " مفعولٌ ثانٍ ، و " في قلوبهم " يجوزُ أن يتعلَّق بالجَعْل وهو أبلغُ أو بمحذوفٍ على أنه صفةٌ للنكرة قبله . واختُلف في المُشار إليه بذلك : فعن الزجاج : هو الظن ، ظنوا أنهم لو لم يَحْضُروا لم يُقْتَلوا . وقال الزمخشري : " هو النطق بالقول والاعتقاد " . وقريبٌ منه قول ابن عطية ، وأجاز ابن عطية أيضاً أن يكونَ للنهي والانتهاء معاً . وقيل هو مصدرُ " قال " المدلولِ عليه به . { وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } قرأ ابن كثير وحمزة والكسائي : " يَعْملون " بالغيبةَ ردَّاً على الذين كفروا ، والباقون بالخطابَ ردَّاً على قوله : { لاَ تَكُونُواْ } فهو خطابٌ للمؤمنين . وجاء هنا بصفة البصر ، قال الراغب : " عَلَّق ذلك بالبصر لا بالسمعِ ، وإنْ كان الصادرُ منهم قولاً مسموعاً لا فعلاً مرئياً ، لمَّا كان ذلك القولُ من الكافر قصداً منه إلى عمل يُحاوِلُه ، فَخَصَّ البصرَ بذلك ، كقولك لمَنْ يقولُ شيئاً وهو يَقْصِدُ فِعْلاً يُحاوله : أنا أرى ما تفعله " .