Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 7-7)
Tafsir: ad-Durr al-maṣūn fī ʿulūm al-kitāb al-maknūn
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { مِنْهُ آيَاتٌ } : يجوزُ أن تكونَ " آيات " رفعاً بالابتداء والجارُّ خبرُه . وفي الجملةِ على هذا وجهان ، أحدهما : أنها مستأنفةٌ . والثاني : أنها في محلِّ نصب على الحال من " الكتاب " أي : هو الذي أنزل الكتاب في هذه الحال أي : منقسماً إلى مُحْكَم ومتشابه ، ويجوز أن يكونَ " منه " هو الحالَ وحدَه ، و " آياتٌ " رفع به على الفاعلية . و { هُنَّ أُمُّ ٱلْكِتَابِ } يجوز أن تكونَ الجملةُ صفةً للنكرة قبلها ، ويجوز أن تكونَ مستأنفةً ، وأخْبر بلفظ الواحد وهو " أمُّ " عن جمع ، وهو " هُنَّ " : إمَّا لأن المراد كلُّ واحدةٍ منه أمُّ ، وإمَّا لأنْ المجموعَ بمنزلةِ آيةٍ واحدة كقوله : { وَجَعَلْنَا ٱبْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً } [ المؤمنون : 50 ] ، وإما لأنه مفردٌ واقعٌ موقعَ الجمعِ كقوله : { وَعَلَىٰ سَمْعِهِمْ } [ البقرة : 7 ] و : @ 1163ـ كُلوا في بعضِ بطنِكُمُ تَعِفُّوا … @@ [ وقوله ] : @ 1164ـ … وأمَّا جِلْدُها فَصَلِيب @@ [ وقال الأخفشْ : " وَحَّد " أمَّ الكتاب " بالحكاية على تقديرِ الجواب كأنه قيل : ما أمُّ الكتاب ؟ " ] فقال : هُنَّ أمُّ الكتاب ، كما يقال : مَنْ نظير زيد ؟ فيقول قوم : " نحنُ نظيرُه " كأنهم حَكَوا ذلك اللفظَ ، وهذا على قولهم : " دعني من تمرتان " أي : " مِمَّا يقال له تمرتان " . قال ابن الأنباري : " وهذا بعيدٌ من الصواب في الآية ، لأن الإِضمارَ لم يَقُمْ عليه دليلٌ ، ولم تَدْعُ إليه حاجةٌ " وقيل : لأنه بمعنى أصلِ الكتابِ والأصلُ يُوَحَّدُ . قوله : " وأُخَرُ " نسقٌ على " آيات " ، و " متشابهاتٌ " نعتُ لأُخَر ، وفي الحقيقة " أُخَرُ " نعتٌ لمحذوف تقديره : وآياتٌ أُخَرٌ متشابهاتٌ . قال أبو البقاء : " فإنْ قيل : واحدةُ " متشابهات " متشابهة ، وواحدة " أُخَر " أُخْرى ، والواحدةُ هنا لا يَصِحُّ أن توصف بهذا الواحد فلا يُقال ، أخرىٰ متشابهة إلا أن يكونَ بعضُ الواحدةُ يُشبْه بعضاً ، وليس المعنى على ذلك / وإنما المعنى أنَّ كل آيةٍ تشبه آيةً أخرى ، فكيف صَحَّ وصفُ هذا الجمعِ بهذا الجمعِ ، ولم يَصِحَّ وصفُ مفردهِ بمفرده ؟ قيل : التشابهُ لا يكون إلا بين اثنينِ فصاعداً ، فإذا اجتمعت الأشياءُ المشابهةُ كان كل واحدٍ منها مشابهاً للآخر ، فلمَّا لم يَصِحَّ التشابُه إلا في حالةِ الاجتماع وَصَفَ الجمعَ بالجمع لأنَّ كلَّ واحدٍ منها يشابه باقيها ، فأمَّا الواحدُ فلا يَصِحُّ فيه هذا المعنى ، ونظيرُه قوله : { فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلاَنِ } [ القصص : 15 ] فثنَّى الضميرَ وإن كان الواحدُ لا يَقْتَتِلُ . قلت : يعني أنه ليس من شرطِ صحةِ الوصفِ في التثنية أو الجمعِ صحةُ انبساطِ مفرداتِ الأوصاف على مفرداتِ الموصوفاتِ ، وإنْ كان الأصلُ ذلك ، كما أنه لا يُشْتَرط في إسناد الفعلِ إلى المثنَّى والمجموعِ صحةُ إسنادِه لى كلِّ واحدٍ على حِدَتِه . وقريب من ذلك قوله : { حَآفِّينَ مِنْ حَوْلِ ٱلْعَرْشِ } [ الزمر : 75 ] قيل : ليس لحافِّين مفردٌ لأنه لو قيل : " حافّ " لم يَصِحَّ ، إذ لا يتحقق الحُفوفُ في واحد فقط ، وإنما يتحقق بجمعِ يُحيطون بذلك الشيء المحفوفِ ، وسيأتي بيان ذلك إن شاء الله تعالى في موضعِهِ . قوله : { زَيْغٌ } يجوز أن يكون مرفوعاً بالفاعلية لأنَّ الجارَّ قبله صلةٌ لموصول ويجوز أن يكونَ مبتدأ وخبُره الجارُّ قبله . والزَّيْغُ : قيل : المَيْلُ ، وقال بعضُهم : هو أخصُّ مِنْ مُطْلق الميل ، فإنَّ الزيغَ لا يُقال إلاَّ لِما كان من حقٍ إلى باطل . قال الراغب : " الزَّيْغُ : الميلُ على الاستقامةِ إلى أحدِ الجانبين ، وزاغَ وزالَ ومالَ تتقارب ، لكن " زاغ " لا يُقال إلا فيما كان عن حق إلى باطل " انتهى . يقال : زاغَ يزيغُ زَيْغاً وزيغوغَةً وزَيَغاناً وزُيوغاً . قال الفراء : " والعربُ تقول في عامةِ ذواتِ الياء مِمَّا يشبه زِغْتُ مثل : سِرْتُ وصِرْتُ وطِرْتُ : سَيْرورةً وصَيْرورةً وطَيْرورةً ، وحِدْتُ حَيْدودة ، ومِلْتُ مَيْلولة ، لا أُحصي ذلك كثرةً ، فأما ذوات الواو مثل : قُلت ورضِيت فإنهم لم يقولوا ذلك إلا في أربعة ألفاظ : الكَيْنونة والدَّيْمومة من دام ، والهَيْعُوعة من الهُواع ، والسَّيدودة من سُدْت " . ثم ذكر كلاماً كثيراً غيرَ متعلقٍ بما نحن فيه ، وقد تقدَّم الكلامُ على هذا المصدر ، وما ذكر الناس فيه ، وأنه قد سُمِع فيه الأصل وهو " كَيَّنونة " في قول الشاعر : @ 1165ـ … حَتَّى يعودَ البحرُ كَيَّنونَهْ @@ قوله : { مَا تَشَابَهَ } مفعولُ الاتباع ، وهي موصولةٌ أو موصوفة ، ولا تكون مصدريةً لعَوْدِ الضمير مِنْ " تَشَابَه " عليها إلاَّ على رأي ضعيفٍ . و " منه " حالٌ من فاعل " تشابه " أي : تشابه حالَ كونِه بعضَه . قوله : " ابتغاءَ " منصوبٌ على المفعولِ له أي : لأجلِ الابتغاء ، وهو مصدرٌ مضافٌ لمفعوله . والتأويلُ : مصدرُ أَوَّل يُؤَوِّل . وفي اشتقاقِه قولان أحدهما : أنه من آل يَؤُول أَوْلاً ومَآلاً . أي : عادَ ورجَع ، و " آلُ الرجل " من هذا عند بعضِهم ، لأنهم يَرْجِعون إليه في مُهِمَّاتهم ، ويقولون : أَوَّلْتُ الشيءَ فآلَ ، أي : صَرَفْتُه لوجهٍ لائقٍ به فانصرفَ ، قال الشاعر : @ 1166ـ أُؤَوِّلُ الحكمَ على وجهه ليس قضائي بالهَوى الجائر @@ وقال بعضُهم : أَوَّلْتُ الشيءَ فتأوَّل ، فجعل مطاوِعَه تَفَعَّل ، وعلى الأول مطاوعه فَعَل ، وأنشد للأعشى : @ 1167ـ على أنها كانَتْ تَأَوُّلُ حُبِّها تَأَوُّلَ رِبْعِيِّ السِّقَابَ فَأَصْحَبَا @@ يعني أنَّ حبَّها كان صغيراً قليلاً فآل إلى العِظَم ، كما يَؤُول السَّقْبُ إلى الكِبَر . ثم قد يُطْلق على العاقبةِ والمَرَدِّ ، لأنَّ الأمرَ يَصِير إليهما . والثاني : أنه مشتقٌ من : الإِيالة وهي السياسة . تقول العرب : " قد إلْنا وإيل علينا " أي : سُسْنا وساسَنا غيرُنا ، وكأنَّ المؤوِّلَ للكلامِ سائِسُه والقادرُ عليه وواضعُه موضعَه ، نُقل ذلك عن النضر بن شميل . وفَرَّق النَاس بين التأويل والتفسير في الاصطلاح : بأن التفسيرَ مقتصَرٌ به على ما لا يُعْلم إلا بالتوقيف كأسباب النزول ومدلولاتِ الألفاظ ، وليس للرأي فيه مَدْخَلٌ ، والتأويل يجوز لمَنْ حَصَلَتْ عنده صفاتُ أهلِ العلم وأدواتٌ يَقْدِرُ أن يتكلَّم بها إذا رَجَع بها إلى أصولٍ وقواعدَ . وقوله : { وَٱلرَّاسِخُونَ } يجوز فيه وجهان ، أحدُهما : أنه مبتدأ والوقفُ على الجلالة المعظمة ، وعلى هذا فالجملةُ من قوله : " يقولون " خبرُ المبتدأ . والثاني : أنهم منسوقونٌ على الجلالةِ المعظمةِ ، فيكونون داخلين في علم التأويل . وعلى هذا فيجوز في الجملةِ القولية وجهان ، أحدُهما : أنها حالٌ أي : يعلمون تأويلَه حالَ كوِنهم قائلين ذلك ، والثاني : أن تكون خبرَ مبتدأٍ مضمرٍ أي : هم يقولون . والرُّسوخ : الثُبوتُ والاستقرار ثبوتاً متمكِّناً فهو أخصُّ من مطلقِ الثبات قال الشاعر : @ 1168ـ لقد رَسَخَتْ في القلبِ مني مودَّةٌ لِلَيْلَى أَبَتْ آياتُها أَنْ تُغَيَّرا @@ و { آمَنَّا بِهِ } في محلِّ نصب بالقول ، و " كل " مبتدأٌ ، أي كله أو كلٌّ منه ، والجارُّ بعده خبرهُ ، والجملةُ نصبٌ بالقول أيضاً .