Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 8-8)

Tafsir: ad-Durr al-maṣūn fī ʿulūm al-kitāb al-maknūn

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا } : العامَّةُ على ضَمِّ حرفِ المضارعة من : أزاغ يُزيغ . و " قلوبَنا " مفعول به . وقرأ أبو بكر وابن فايد والجراح " لا تَزِغ قلوبُنا " بفتح التاء ورفع " قلوبنا " ، وقرأه بعضهم كذلك إلا أنه بالياء من تحت ، وعلى القراءتين فالقلوب فاعلٌ بالفعل المنهيِّ عنه ، والتذكير والتأنيث باعتبار تأنيثِ الجمعِ وتذكيرِه ، والنهيُ في اللفظ للقلوب ، وفي المعنى دعاءٌ لله تعالى ، أي : لا تُزِغْ قلوبَنا فَتَزيغَ ، فهو من باب " لا أُرَيَنَّك هَهنا " وقولِ النابغة : @ 1169ـ لا أَعْرِفَنْ رَبْرَباً حُوراً مَدامِعُها … @@ قوله : { بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا } " بعد " منصوبٌ بـ " لا تُزِغْ " و " إذ " هنا خَرَجَتْ عن الظرفيةِ للإِضافةِ إليها ، وقد تقدَّم أنَّ تصرُّفَها قليلَ ، وإذا خرجت عن الظرفية فلا يتغَّيرُ حكمُها من لزومِ إضافتها إلى الجملة بعدها كما لم يتغير غيرُها من الظروف في هذا الحكمِ ، ألا ترى إلى قوله : { هَـٰذَا يَوْمُ يَنفَعُ } [ المائدة : 119 ] و { يَوْمَ لاَ تَمْلِكُ } [ الانفطار : 19 ] في قراءة من رفع " يوم " في الموضعين ، وقول الآخر : @ 1170ـ … … على حينِ الكرامُ قليلُ @@ [ وقوله ] : @ 1171ـ على حينِ مَنْ تَلْبَثْ عليه ذَنُوبُه … @@ [ وقوله ] : @ 1172ـ على حينِ عاتَبْتُ المشيبَ على الصِّبا … @@ [ وقوله ] : @ 1173ـ ألا ليت أيامَ الصفاءِ جديدُ … @@ كيف خرجَتْ هذه الظروفُ من النَّصبِ إلى الرفعِ والجرِّ والنصبِ بـ " ليت " ومع ذلك هي مضافةٌ للجملِ التي بعدها . قوله : { وَهَبْ } الهِبَةُ : العَطِيَّةُ ، حُذِفَتْ فاؤها لِما تقدَّم في " عِدة " ونحوِها ، كان حقُّ عينِ المضارع فيها كسرَ العين منه ، إلا أنَّ ذلك مَنَعه كونُ العينِ حرفَ حلق ، فالكسرةُ مقدرةٌ . فلذلك اعتُبِرت تلك الكسرةُ المقدرة ، فحُذِفَت لها الواو ، وهذا نحو : يَضَع ويَسَع لكونِ اللامِ حرفَ حلق . ويكون " هَبْ " فعلَ أمرِ بمعنى ظُنَّ ، فيتعدَّى لمفعولين كقوله : @ 1174ـ … وإلاَّ فَهَبْنِي أمرَأً هالِكـــاً @@ وحينئذ لا تتصرَّفُ . ويقال أيضاً : " وَهَبَني اللهُ فداكَ " أي : جَعَلَني ، ولا تتصرَّفُ أيضاً عن الماضي بهذا المعهنى . قوله : { مِن لَدُنْكَ } متعلق بـ " هَبْ " ، ولَدُنْ : ظرف وهي لأولِ غايةِ زمانٍ أو مكان أو غيرهما من الذوات نحو : مِنْ لَدُن زيد ، فليست مرادفةً لـ " عند " بل قد تكون بمعناها ، وبعضُهم يقيِّدها بظرف المكان ، وتُضاف لصريح الزمان ، قال : @ 1175ــ تَنْتَهِضُ الرِّعْدة في ظُهَيْري من لَدُنِ الظُّهْرِ إلى العُصَيْرِ @@ ولا تُقْطَعُ عن الإِضافةَ بحالٍ ، وأكثرُ ما تضافُ إلى المفرداتِ ، وقد تُضَافُ إلى " أن " وصلتها لأنهما بتأويلِ مفردٍ قال : @ 1176ـ وُلِيْتَ فلم تَقْطَعْ لدُنْ أَنْ وَليْتَنَا قرابةَ ذي قُرْبى ولا حَقَّ مُسْلِمِ @@ أي : لدنْ ولايتك إيانا ، وقد تُضَاف إلى الجملةِ الاسمية كقوله : @ 1177ـ تَذَكَّرُ نُعْماه لَدُنْ أنتَ يافعٌ إلى أنتَ ذو فَوْدَيْنِ أبيضَ كالنسرِ @@ وقد تُضاف للفعلية كقوله : @ 1178ـ لَزِمْنا لَدُنْ سالَمْتُمونا وفاقَكم فلايكُ منكمْ للخِلافِ جُنوحُ @@ وقال آخر : @ 1179ـ صريعُ غوانٍ رَاقَهُنَّ ورُقْنَه لدُنْ شَبَّ حتى شابَ سودَ الذوائبِ @@ وفيها لغتان : الإِعراب وهي لغةُ قيس . وبها قرأ أبو بكر عن عاصم : " مِنْ لَدُنهِ " بجر النون ، وقوله : @ 1180ـ من لَدْنِ الظهرِ إلى العُصَيْرِ … @@ ولا تخلوا مِنْ " مِنْ " غالبا ، قاله ابن جني . ومِنْ غير الغالب ما تقدَّم من قوله " لَدُنْ أَنت يافع " " لَدُنْ سالمتمونا " . وإنْ وقع بعدها لفظُ " غدوة " خاصةً جاز نصبُها ورفعُها ، فالنصبُ على خبرِ كان أو التمييزِ ، والرفعُ على إضمار " كان " التامةِ ، ولولا هذا التقديرُ لَزم إفرادِ " لَدُنْ " عن الإِضافة ، وقد تقدَّم أنه لا يجوزُ ، فَمِنْ نَصْبِ " غدوة " قولُه : @ 1181ـ وما زال مُهْرِي مَزْجَرَ الكلبِ منهم لَدُنْ غدوةً حتى دَنَتْ لغروبِ @@ واللغةُ المشهورةُ بناؤُها ، وسببُه شَبَهُها بالحَرْف في لزومِ استعمالٍ واحد ، وامتناعَ الإِخبار بها بخلافِ عند ولدىٰ ، فإنهما لا يَلْزَمان استعمالاً واحداً ، إذ يكونان فَضْلةً وعُمْدةً وغايةً وغيرَ غاية بخلاف " لَدُن " . وقال بعضهم : " عِلَّةُ بنائِها كونُها دالةً على الملاصَقَةِ صفةً ومختصةً بها بخلافِ " عند " فإنها لا تدلُّ على الملاصقةِ ، فصارَ فيها مَعنًى لا يَدُلُّ عليه الظرفُ ، بل هو من قبيلِ ما يَدُلُّ عليه الحرفُ ، فكأنها مُضَمَّنةٌ معنى حرفٍ ، كانَ مِنْ حقِّه أن يُوضَعَ لذلك فَلم يُوْضَعْ ، كما قالوا في اسم الإِشارة . واللغتان المذكورتان من الإِعراب والبناء مختصتان بـ " لدن " المفتوحةِ اللامِ المضمومةِ الدالِ ، الواقعِ آخرَها نونٌ ، وأمَّا بقيةُ لغاتها على ما سنذكره فإنها مبنيةٌ عند جميع العرب . وفيها عشرُ لغات : الأولى وهي المشهورة ـ ، ولدَن ولدِن بفتح الدال وكسرِها ، ولَدْن ولُدْن بفتح اللام ، وضمها مع سكونِ الدال وكسر النون ، ولُدْنَ بالضم والسكون وفتح النون ، ولَدْ ولُدْ بفتح اللام وضمها مع سكون الدال ، ولَدُ بفتح اللام وضم الدال ولَتْ بإبدال الدالِ تاء ساكنة ، ومتى أُضيفت المحذوفةُ النونِ إلى ضميرٍ وَجَبَ رَدُّ النونِ . قوله : { أَنْتَ ٱلْوَهَّابُ } يُحْتمل أن تكونَ مبتدأً وأَنْ تكونَ ضميرَ الفصلِ وأن تكون تأكيداً لاسمِ " إنَّ " .