Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 75-75)

Tafsir: ad-Durr al-maṣūn fī ʿulūm al-kitāb al-maknūn

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ } : هذا استفهامٌ يُراد به التحريضُ والأمرُ بالجهاد . و " ما " مبتدأٌ ، " و " لكم " خبرُه ، أي : أيُّ شيء استقرَّ لكم . وجملةُ قولِه " لا تقاتلون " فيها وجهان ، أظهرهما : أنها في محلِّ نصبٍ على الحال أي : ما لكم غيرَ مقاتلين ، أَنْكَرَ عليهم أن يكونوا على غير هذه الحالة ، وقد صَرَّح بالحال بعد هذا التركيب في قوله : { فَمَا لَهُمْ عَنِ ٱلتَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ } [ المدثر : 49 ] ، وقالوا في مثل هذه الحال : إنها لازمةٌ / لأنَّ الكلامَ لايتم دونها ، وفيه نظر . والعاملُ في هذه الحال الاستقرارُ المقدَّر كقولِك : ما لك ضاحكاً ؟ والوجه الثاني : أن الأصل : " وما لكم في ألا تقتلوا " فَحُذِفَتْ " في " فبقي " أَنْ لا تقاتلوا " فجرى فيها الخلافُ المشهور ، ثم حُذِفَتْ " أَنْ " الناصبة فارتفع الفعل بعدها كقولهم : " تَسْمَعُ بالمُعَيْدِيّ خيرٌ من أن تراه " وقوله : @ 1611 - ألا أيُّهذا الزاجري أحضُرُ الوغى … @@ في إحدى الروايتين ، وهذا يؤيد كونَ الحالِ ليس بلازمةٍ . قوله : { وَٱلْمُسْتَضْعَفِينَ } فيه ثلاثة أوجه . أظهرُها : أنه مجرورٌ عطفاً على اسم الله تعالى أي : وفي سبيل المستضعفين . والثاني : وإليه ذهبَ الزجاج والمبرد أن يكونَ مجرواً عطفاً على نفس " سبيل " . قال أبو البقاء بعد أَنْ حكاه عن المبرد وحده ـ : " وليس بشيء " كأنه لم يظهر لأبي البقاء وجهُ ذلك ، ووجهُ أنَّ تقديرَه : " وفي خلاص المستضعفين " والثالث وإليه ذهب الزمخشري ـ : أن يكونَ منصوباً على الاختصاص تقديره : وأَخُصُّ من سبيلِ الله خلاصَ المستضعفين ، لأنَّ سبيلَ اللَّهِ عامٌّ في كلِّ خير ، وخلاص المستضعفين من المسلمين من أيدي الكفار من أعظم الخيور . والجمهورُ على " والمستضعفين " بواو العطف ، وقرأ ابن شهاب : " في سبيل الله المستضعفين " وفيها تخريجان ، أحدُهما : أن يكونَ حرفُ العطف مقدراً كقولهم : " أكلت لحماً تمراً سمكاً " والثاني : أن يكونَ بدلاً من " سبيل الله " أي : في سبيلِ الله سبيلِ المستضعفين ، لأنَّ سبيلَهم سبيلُ الله تعالى . قوله : { مِنَ ٱلرِّجَالِ } فيه وجهان ، أحدهما : أنه حال من المستضعفين . والثاني : أنَّ " مِنْ " لبيان الجنس ، والوِلْدان قيل : جمع " وليد " وقيل : جمع وَلَد ، كوَرَل ووِرْلان . والمراد بهم : الصبيان وقيل : العبيد والإِماء ، يقال للعبد " وليد " وللأمة " وليدة " ، فغلَّب المذكر على المؤنث لأندارجِه فيه . و " الذين يقولون " فيه وجهان ، أحدُهما : أن يكونَ مجروراً على أنه صفةٌ : إمَّا للمستضعفين وإمَّا للرجال ومَنْ بعدَهم ، وغَلَّب المذكرَ على المؤنث . وقال أبو البقاء " الذين يقولون " في موضع جر صفةً لِمَنْ عقل من المذكورين " كأنه تَوَهَّم أن الوِلْدان [ هم ] الصبيانُ ، والصبيانُ لا يَعْقِلون ، فَجَعَله نعتاً لِمَنْ عقل من المذكورين وهم الرجال والنساء دونَ الوِلْدان ، لأنَّ جَمْعَ السلامة في المذكَّر يُشْترط فيه العقلُ ، " والذين " جارٍ مجراه ، وهذه غَفْلةٌ ؛ لأنَّ مرادَ النَّحْويين بالعاقلِ ما كان من جنس العقلاء وإنْ كان مسلوبَ العقلِ ، ويَدُلُّ عليه قولُه تعالى : { أَوِ ٱلطِّفْلِ ٱلَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُواْ } [ النور : 31 ] فالمرادُ هنا بالطفل الصبيانُ الصغار ، ومع ذلك وَصَفَهم بالذين . والثاني : أن يكونَ منصوباً على الاختصاص . قوله : { ٱلظَّالِمِ أَهْلُهَا } " الظالم " صفةٌ للقرية ، و " أهلُها " مرفوعٌ به على الفاعلية . و " أل " في " الظالم " موصولةٌ بمعنى التي ، أي : التي ظَلَم أهلها . فالظلمُ جارٍ على القرية لفظاً وهو لِما بعدها معنى ، ومثلُه : " مَرَرْتُ برجلٍ حسن غلامُه " قال الزمخشري : " فإنْ قلت : لِمَ ذكَّر " الظالم " وموصوفُه مؤنثٌ ؟ قلت : هو وصفٌ للقرية إلا أنه مستندٌ إلى أهلها فأُعْطِي إعرابَ " القرية " لأنه صفتها وذُكِّر لإِسنادِه إلى الأهل ، كما تقول : مِنْ هذه القريةِ التي ظَلَم أهلُها ، ولو أُنِّث فقيل : " الظالمةُ أهلُها " لجازَ ، لا لتأنيثِ الموصوفِ ، بل لأن الأهلَ يُذَكَّرُ ويؤنَّثُ . فإن قلت : هل يجوزُ : مِنْ هذه القريةِ الظالمين أهلُها ؟ قلت : نَعَمْ كما [ تقول ] : " التي ظَلَموا أهلها " على لغة " أكلوني البراغيث " ومنه : { وَأَسَرُّواْ ٱلنَّجْوَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ } [ الأنبياء : 3 ] . انتهى وهذه قاعدةٌ كلية : أنَّ الصفة إذا جَرَتْ على غيرِ مَنْ هي له سواءً كانت خبراً أم نعتاً أم حالاً يُنْعَتُ ما قبلَها في اثنين من خمسة : واحدٍ من ألقاب الإِعراب ، وواحد من التنكير والتعريفِ ، وأمَّا بالنسبةِ إلى التذكير والتأنيث والإِفراد وضدَّيه فيُحْسَبُ المرفوعُ بها كالفعل ، وقد تقدَّم تحقيقُ ذلك غيرَ مرة . ويجبُ أيضاً إبرازُ الضميرِ منها مطلقاً أعني سواءً أَلْبس أم لم يُلْبِس وأمَّا إذا كان المرفوعُ بها اسماً ظاهراً فلا حاجةَ إلى رَفْعها الضميرَ ، إلا أنه لا بد من راجعٍ يرجِع إلى الاسمِ الموصوف بها لفظاً كهذه الآية . وقد أوضحتُ ذلك وَبيَّنْتُه في هذا الكتاب وفي شرحي للتسهيل ، وهذا بخلافِ الفعلِ إذا وُصِف به أو أُخْبر به أو وقع حالاً لشيء لفظاً وهو لغيره معنى ، فإن الضميرَ لا يُبْرَزُ منه بل يَسْتَتِرُ نحو : " زيدٌ هندٌ يضرُبها " و " هند زيدٌ تضربه " عن غيرِ ضميرٍ بارز لقوة الفعل وضَعْفِ الاسم في العمل ، وسواءً لم يُلْبِس كما تقدَّم تمثيله أو أَلْبس نحو : " زيدٌ عمروٌ يضربه " إذا قَصَدْتَ أن زيداً هو الضاربُ لعمرو ، هذا مقتضى مذهبِ البصريينَ ، نصَّ عليه مكي وغيره ، إلا أنَّه قال قبل ذلك : " إلا أنَّ اسم الفاعل إذا كان خبراً أو صفة أو حالاً لغير مَنْ هو له لم يَسْتَتِرْ فيه ضميرٌ ولا بد من إظهاره ، وكذلك إنْ عُطِف على غير مَنْ هو له " قلت : هذه الزيادةُ لم يذكرها النحوييون وتمثيلُها عَسِرٌ . وأمَّا ابنُ مالك فإنه سَوَّى بين الفعل والوصف ، يعني إنْ أَلْبس وجب الإِبرازُ حتى في الفعل نحو : " زيدٌ عَمْروٌ يضربه هو " وإن لم يُلْبِس جاز نحو : " زيد هند يضربها " وهذا مقتضى مذهبِ الكوفيين فإنهم عَلَّلوا باللبس ، وفي الجملة ففي المسألة خلافٌ .