Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 77-77)

Tafsir: ad-Durr al-maṣūn fī ʿulūm al-kitāb al-maknūn

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { إِذَا فَرِيقٌ } : " إذا " هنا فجائية ، وقد تقدم أن فيها ثلاثةَ مذاهب ، أحدها - وهو الأصح : أنها ظرف مكان ، والثاني : انها زمان ، والثالث : أنها حرفٌ ، ولهذه المذاهبِ موضوعٌ غير هذا ، وقد قيل في " إذا " هذه إنها فجائية مكانية ، وأنها جواب لـ " لَمَّا " في قوله { فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ } ، وعلى هذا ففيها وجهان ، أحدهما : أنها خبر مقدم ، و " فريق " مبتدأ و " منهم " صفةٌ لـ " فريق " ، وكذلك " يَخْشَون " ، ويجوزُ أَنْ يكونَ " يخشون " حالاً من " فريق " لاختصاصِه بالوصفِ ، والتقديرُ : " فبالحضرةِ فريقٌ كائنٌ منهم خاشون أو خاشين " . والثاني : أن يكونَ " فريقٌ " مبتدأً ، و " منهم " صفتَه " وهو المسوِّغُ للابتداءِ به ، و " يَخْشَوْن " جملةٌ خبريةٌ وهو العاملُ في " إذا " ، وعلى القولِ الأول العاملُ فيها محذوفٌ على قاعدِة الظروف الواقعةِ خبراً . وقيل : إنها هنا ظرفُ زمانٍ ، وهذا فاسدٌ ؛ لأنها إذ ذاك لا بد لها مِنْ عاملٍ ، وعاملُها إمَّا ما قبلها وإمَّا ما بعدها ، لا جائز أن يكون ما قبلها ، لأن ما قبلها وهو " كُتب " ماض لفظاً ومعنى وهي للاستقبال ، فاستحال ذلك . فإن قيل : تُجْعَلُ هنا للمُضِيِّ بمعنى " إذ " قيل : لا يجوز ذلك لأنه يَصيرُ التقدير : فلمَّا كُتِب عليهم القتال في وقتِ خشيةِ فريقٍ منهم ، وهذا يفتقرُ إلى جواب " لَمَّا " ولا جوابَ لها ، ولا جائزٌ أن يكونَ ما بعدها ؛ لأنَّ العاملَ فيها إذا كان بعدها كان جواباً لها ، ولا جوابَ لها هنا ، وكان قد تقدَّم أولَ البقرة أنَّ في " لَمَّا " قولين / قولَ سيبويه : إنها حرف وجوب لوجوب ، وقولَ الفارسي : إنها ظرفُ زمانٍ بمعنى " حين " وتقدَّم الردُّ عليه هناك بأنها أُجيبت بـ " ما " النافيةِ وإذا الفجائيةِ ، وأنَّ ما بعدها لا يعمل فيها قبلها فَأَغْنى عن إعادتهِ ، ولا يجوزُ أن يَعمل ما يليها فيها ؛ لأنه في محلِّ خفض بالإِضافة على زَعْمِه والمضافُ إليه لا يعمل في المضاف . وقد أجابَ بعضُهم بأنَّ العاملَ فيها هنا معنى " يَخْشَوْن " كأنه قيل : جَزِعوا ، قال : " وجَزعوا هو العاملُ في " إذا " وهذه الآيةُ مشكلةٌ ؛ لأنَّ فيها ظرفين أحدُهما لِما مضى والآخرُ لِما يُسْتقبل " . انتهى . قوله : { كَخَشْيَةِ ٱللَّهِ } فيه ثلاثةُ أوجه ، أحدها وهو المشهور عند المُعْربين : انها نعتُ مصدرٍ محذوفٍ ، أي : خشيةً كخشية الله . والثاني وهو المقرر من مذهب سيبويه غيرَ مرة ـ : أنها في محل نصب على الحال من ضمير الخشية المحذوف أي : يخشونها الناسَ ، أي : يخشون الخشيةَ الناسَ مشبهةً خشيةَ الله . والثالث : أنها في محل نصبٍ على الحال من الضمير في " يَخْشَوْن " أي : يَخْشَون الناسَ مثلَ أهل خشية الله أي : مشبهين لأهل خشية الله أو أشدَّ خشية أي : أشدَّ خشيةً من أهل خشية الله . و " اشدَّ " معطوف على الحال ، قاله الزمخشري . ثم قال : " فإنْ قلت : لِمَ عَدَلْتَ عن الظاهر وهو كونه صفة للمصدر ولم تقدِّرْه : يَخْشَوْن خشيةً [ مثل خشية ] الله بمعنى : مثلَ ما يخشى الله . قلت : أَبَى ذلك قولُه { أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً } ؛ لأنه وما عُطِفَ عليه في حكمٍ واحدٍ ، ولو قلت : " يخشون الناسَ أشدَّ خشيةً " لم يكن إلا حالاً من ضميرِ الفريقِ ، ولم ينتصِبْ انتصابَ المصدر لأنك لا تقول : " خَشِي فلانٌ أشدَّ خشيةً " فتنصِبُ " خشية " وأنت تريد المصدر ، إنما تقول " أشدَّ خشيةٍ " فتجرُّها ، وإذا نَصَبْتَها لم يكن " أشدَّ خشيةً " إلا عبارةً عن الفاعلِ حالاً منه ، اللهم إلا أن تَجْعَلَ الخشيةَ خاشيةً على حدِّ قولِهم : " جَدَّ جَدُّه " فتزعم أنَّ معناه : يخشون الناسَ خشيةً مثل خشيةٍ أشدَّ خشيةً من خشية الله ، ويجوز على هذا أن يكونَ محلُّ " أشدُّ " مجروراً عطفاً على " خشية الله " تريد كشخية الله أو كشخيةٍ أشدَّ منها " . انتهى . ويجوز نصبُ " خشيةً " على وجه آخر وهو العطف على محل الكاف ، وينتصب " أشدَّ " حينئذ على الحال من " خشية " لأنه في الأصلِ نعتُ نكرةٍ قُدِّم عليها ، والأصل : يخشون الناسَ مثلَ خشيةِ الله أو خشيةً أشدَّ منها . فلا ينتصب " خشية " تمييزاً حتى يلزم منه ما ذكره الزمخشري ويُعْتذر عنه ، وقد تقدَّم نحوٌ من هذا عند قوله { أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً } [ البقرة : 200 ] . والمصدرُ مضاف إلى المفعول والفاعل محذوف أي : كخشيتهم اللَّهَ . و " أو " تحتمل الأوجه المذكورة في قوله : { أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً } [ البقرة : 74 ] ، ويجوز أن تكونَ للتنويع : يعني أن منهم مَنْ يخشاهم كخشية الله ، ومنهم مَنْ يخشاهم أشدَّ خشية من خشية الله . و " لولا أخَّرْتَنا " " لولا " تحضيضةٌ . وقرأ ابن كثير والأخَوان : " لا يُظْلَمون " بالغيبة جرياً على الغائبين قبله ، والباقون بالخطاب التفاتاً . و " فَتيلاً " قد تقدَّم إعرابُه .