Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 78-78)

Tafsir: ad-Durr al-maṣūn fī ʿulūm al-kitāb al-maknūn

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { أَيْنَمَا تَكُونُواْ } : " أين " اسم شرط يجزم فعلين و " ما " زائدة على سبيل الجواز مؤكدةٌ لها ، و " أين " ظرف مكان و " تكونوا " مجزومٌ بها ، و " يُدْرِكْكم " جوابُه . والجمهورُ على جزمه ؛ لأنه جواب الشرط ، وطلحة بن سليمان : " يدرِكُكم " برفعه ، فخرَّجه المبرد على حَذْفِ الفاء أي : فيدرككم الموت . ومثلُه قولُ الآخر : @ 1612 - يا أقرعُ بنَ حابسٍ يا أقرعُ إنك إنْ يُصْرَعْ أخوكَ تُصْرَعُ @@ وهذا تخريج المبرد ، وسيبويه يزعم أنه ليس بجواب ، إنما هو دالٌّ على الجواب والنيةُ به التقديمُ . وفي البيت تخريجٌ آخر وهو أن يكون " يصرعُ " المرفوعُ خبراً لـ " إنك " والشرطُ معترضٌ بينهما ، وجوابُه ما دَلَّ عليه قوله " إنك تُصْرَعُ " كقوله : { وَإِنَّآ إِن شَآءَ ٱللَّهُ لَمُهْتَدُونَ } [ البقرة : 70 ] وخَرَّجه الزمخشري على التوهَّم فإنه قال : " ويجوز أن يقال : حُمِل على ما يقع موقعَ " أينما تكونوا " وهو " أينما كنتم " كما حُمِل " ولا ناعبٍ " على ما يقع موقع ليسوا مصلحين وهو " ليسوا بمصلحين " فرَفَع كما رفع زهير : @ 1613ـ … يقول لا غائبٌ مالي ولا حَرِمُ @@ وهو قولُ نحويّ سِيبيّ ، يعني منسوب لسيبويه ، فكأنه قال : " أينما كنتم " وفعلُ الشرط إذا كان ماضياً لفظاً جازَ المضارعِ الرفعُ والجزمُ كقول زهير : @ وإنْ أتاه خليلٌ يومَ مسألةٍ يقولُ … @@ وفي رفعه الوجهان المذكوران عن سيبويه والمبرد . ورَدَّ عليه الشيخ بأن العطفَ على التوهم لا ينقاس ، ولأنَّ قوله يؤدِّي إلى حذف جواب الشرط ، ولا يُحْذَفُ إلا إذا كان فعل الشرط ماضياً ، لو قلت : " أنت ظالمُ إنْ تفعل " لم يجز . وهذا كما رأيتَ مضارعٌ . وفي هذا الردِّ نظرٌ لا يَخْفَى . " ولو كنتم " قالوا : هي بمعنى " إنْ " وجوابُها محذوف أي : لأدرككم . وذكر الزمخشري فيه قولاً غريباً من عند نفسِه فقال : " ويجوزُ أن يتصل بقوله { وَلاَ تُظْلَمُونَ فَتِيلاً } أي : لا تُنقَضون شيئاً مِمَّا كُتِب من آجالكم أينما تكونوا في ملاحمِ حروب أو غيرها ، ثم ابتدأ بقوله : { يُدْرِككُّمُ ٱلْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ } ، والوقف على هذا الوجه [ على ] " أينما تكونوا " . انتهى . وردَّ عليه الشيخ فقال : " هذا تخريجُ ليس بمستقيمٍ لا من حيث المعنى ولا من حيث الصناعة النحوية : أمَّا من حيث المعنى فإنه لا يناسِبُ أن يكون متصلاً بقوله : { وَلاَ تُظْلَمُونَ فَتِيلاً } لأنَّ انتفاءَ الظلم ظاهراً إنما هو في الآخرة لقوله : { قُلْ مَتَاعُ ٱلدُّنْيَا قَلِيلٌ وَٱلآخِرَةُ خَيْرٌ لِّمَنِ ٱتَّقَىٰ } وأما من حيث الصناعةُ النحوية فإنَّ ظاهرَ كلامِه يَدُلُّ على أن " أينما تكونوا " متعلقٌ بقولِه : { ولا تُظْلمون } بمعنى ما فَسَّره ، وهذا لا يجوز لأن أسماءَ الشرط لها صدرُ الكلام فلا يتقدَّم عامُلها عليها ، فإنْ وَرَدَ مثلُ : " اضربْ زيداً متى جاء " قُدِّر له عاملٌ يدلُّ عليه " اضرب " لا نفسُ " اضرب " المتقدم . فإن قيل : فكذلك يُقَدِّر الزمخشري عاملاً يدلُّ عليه " ولا تُظْلمون " تقديره : " أينما تكونوا فلا تظلمون " فحذف " فلا تظلمون " لدلالةِ ما قبله عليه ، فيخلُصُ من الإِشكال المذكور . قيل : لا يمكن ذلك لأنه حينئذ يُحذف جواب الشرط وفعلُ الشرط مضارع ، وقد تقدم أنه لايكون إلا ماضياً " وفي هذا الردِّ نظرٌ ، لأنه أراد تفسير المعنى . قوله : " ولا يناسب أن يكون متصلاً بقوله : " ولا تظلمون " ممنوعُ ، بل هو مناسب ، وقد أوضحه الزمخشري بما تقدَّم أحسنَ إيضاح . والجملة الامتناعية في محلِّ نصب على الحال أي : أينما تكونوا من الأمكنة يدركْكم الموت ، ولو كانت حالُكم أنكم في هذه البروج فيُفْهَمُ أن إداركَه لهم في غيرها بطريق الأَوْلى والأَحْرى ، وقريبٌ منه : " أعطُوا السائل ولو على فرسٍ " والجملةُ الشرطية تحتمل وجهين ، أحدهما : أنها لا محلَّ لها من الإِعراب لأنها استئنافُ إخبارٍ ، أخبر تعالى أنه لا يفوتُ الموتَ أحدٌ ومنه قولُ زهير : @ 1614ـ ومَنْ هابَ أسبابَ المنايا يَنَلْنَه ولو رامَ أسباب السماء بسُلَّمِ @@ والثاني : أنها في محل نصب بالقول قبلها / أي : قُلْ متاعُ الدنيا قليل ، وقل أيضاً : أينما تكونوا . والجمهور على " مُشَيَّدة " بفتح الياء اسم مفعول . ونعيم بن ميسرة بكسرها ، نسَبَ الفعلَ إليها مجازاً كقولهم : " قصيدةٌ شاعرة " ، والموصوفُ بذلك أهلُها ، وإنما عَدَلَ إلى ذلك مبالغةً في الوصف . والبُروج : الحصونُ مأخوذةٌ من " التبرُّج " وهو الإِظهارُ ، ومنه : { غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتِ بِزِينَةٍ } [ النور : 60 ] ، والبَرَجُ في العين سَعَتُها ، ومنه قولُ ذي الرمة : @ 1615ـ بيضاءُ في بَرَجٍ صفراءُ في غَنجٍ كأنَّها فِضةٌ قد مَسَّها ذَهَبُ @@ وقولهم : " ثوبٌ مُبَرَّجٌ " أي : عليه صورُ البروج كقولهم : " مِرْطٌ مُرَجَّل " أي : عليه صورُ الرجال ، يروى بالجيم والحاء . والمشيَّدة : المصنوعة بالشِّيد وهو الجِصُّ ، ويقال : " شاد البناء وشَيَّده " كَرَّرالعين للتكثير . ومن مجيء " شاد " قولُ الأسود : @ 1616ـ شادَه مرمراً وجَلَّله كِلْـ ـسَاً فللطير في ذُراه وكُورُ @@ ويقال : " أشاد " أيضاً فيكون فَعَل وأَفْعل بمعنى . ووقف أبو عمرو والكسائي بخلاف عنه على " ما " في قوله " فما لهؤلاء " وفي قوله : { مَالِ هَـٰذَا ٱلرَّسُولِ } [ الفرقان : 7 ] وفي قوله : { مَالِ هَـٰذَا ٱلْكِتَابِ } [ الكهف : 49 ] ، وفي قوله : { فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُواْ } [ المعارج : 36 ] . والباقون على اللام التي للجرِّ دون مجرورها إتباعاً للرسم ، وهذا ينبغي أن لا يجوز أعني الوقفين لأنَّ الأول يُوقف فيه على المبتدأ دونَ خبرِه ، والثاني يُوقف فيه على حرفِ الجَرِّ دونَ مجرورِه ، وإنما يجوزُ ذلك لضرورة قطعِ النفَس أو ابتلاءٍ .