Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 5, Ayat: 13-13)
Tafsir: ad-Durr al-maṣūn fī ʿulūm al-kitāb al-maknūn
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { فَبِمَا نَقْضِهِم } تقدم الكلام على نظيره ، وكذلك { سَوَآءَ ٱلسَّبِيلِ } [ النساء : 155 ] . وقرأ الجمهور : " قاسيةً " اسم فاعل من قسا يقسو ، وقرأ الأَخَوان : - وهي قراءة عبد الله - " قَسِيَّةً " بفتح القاف وكسر السينِ وتشديدِ الياء . واختلفَ الناسُ في هذه القراءةِ : فقال الفارسي : " ليست في ألفاظِ العربِ في الأصل ، وإنما هي كلمةٌ أعجميه معرَّبة " يعني أنها مأخوذةٌ من قولِهم : " دِرْهم قِسِيّ " أي : مَغْشُوش ، شَبَّه قلوبَهم في كونِها غيرَ صافيةٍ من الكَدَر بالدارهم المغشوشةِ غير الخالصةِ ، وأنشدوا قولَ أبي زبيد : @ 1711 - لها صَواهِلُ في صُمِّ السِّلام كما صاحَ القَسِيَّات في أَيْدي الصياريفِ @@ وقوله الآخر : @ 1712 - وما زَوَّدوني غيرَ سَحْقِ عِمامةٍ وخمسَ مِئٍ منها قِسِيُّ زائفُ @@ وقال صحاب الكشاف : " وقرأ عبد الله : " قَسِيَّة " أي : رديئة مغشوشة مِنْ قولِهم : " درهم قَسِيّ " وهو من القسوة ؛ لأنَّ الذهبَ والفضة الخالصين فهيما لينٌ ، والمغشوشُ فيه صلابةٌ ويُبس ، والقسي والقاسح - بالحاءِ المهملة - أَخَوانِ في الدلالة على اليُبْس " وهذا القول سبقه إليه المبردُ فإنه قال : " يُسَمَّى الدرهمُ المغشوشُ قَسِيّاً لصلابته وشدتِه للغشِّ الذي فيه " ، وهو يَرْجِعُ للمعنى الأول ، والقاسي والقاسح ، بمعنى واحد ، وعلى هذين القولين تكوت اللفظةُ عربية ، وقيل : بل هذه القراءة توافِقُ قراءةُ الجماعة في المعنى والاشتقاق ، لأنه فعيل للمبالغة كشاهد وشهيد فكذلك قاسٍ وقسِيّ ، وإنما أُنِّث على معنى الجماعةِ . وقرأ الهَيْصم بن شداخ : " قُسِيَّة " بضم القاف وتشديد الياء . وقرئ " قِسَّية " بكسر القاف إتباعاً ، وأصل القراءتين : قاسِوَة وقَسِيوة لأنَّ الاشتقاق من القسوة . قوله : { يُحَرِّفُونَ } في هذه الجملة أربعة أوجه ، أنها مستأنفة بيانٌ لقسوة قلوبهم ، لأنه لا قسوةَ أعظمُ من الافتراء على الله تعالى . والثاني : أنها حال من مفعول " لعنَّاهم " أي : لعنَّاهم حالَ اتصافهم بالتحريف . والثالث : - قال أبو البقاء - أنه حال من الضمير المستتر في " قاسية " ، وقال : " ولا يجوزُ أن يكون حالاً من القلوب ، لأن الضمير في " يُحَرِّفون " لا يرجع إلى القلوب " وهذا الذي قاله فيه نظر ، لأنه من حيث جَوَّز أن يكونَ حالاً من الضمير في " قاسية " يلزَمُه أن يُجَوِّز أن يكون حالاً من " القلوب " لأنَّ الضميرَ المسترر في " قاسية " يعودُ على القلوب ، فكما يمتنع أن يكونَ حالاً مِنْ ظاهره ، يمتنع أن يكونَ حالاً من ضميرِه ، وكأن المانع الذي توهَّمه كونُ الضمير - وهو الواو في " يُحَرِّفون - إنما يعود على اليهود بجملتِهم لا على قلوبهم خاصةً ، فإنَّ القلوبَ لا تُحَرِّف ، إنما يحرِّف أصحاب القلوب ، وهذا لازمٌ له في تجويزه الحاليةَ من الضمير في " قاسية " . ولقائل أن يقولَ : المرادُ بالقلوبِ نفسُ الأشخاص ، وإنما عَبَّر عنهم بالقلوب لأن هذه الأعضاءَ هي محلُّ التحريف أي : إنه صادرٌ عنها بتفكُّرها فيه ، فيجوزُ على هذا أن يكونَ حالاً من القلوب . والرابع : أن تكون حالاً من " هم " قال أبو البقاء : " وهو ضعيفٌ " يعني لأنَّ الحالَ من المضاف إليه لا تجوزُ ، وغيرُه يجوِّزُ ذلك في مثلِ هذا الموضعِ ؛ لأنَّ المضاف بعضُ المضاف إليه . / وقرأ الجمهورُ بفتح الكافِ وكسرِ اللامِ وهو جمعُ " كلمة " وقرأ أبو رجاء : " الكِلْمِ " بكسر الكافِ وسكونِ اللام ، وهو تخفيفُ قراءة الجماعة ، وأصلُها أنه كَسَرَ الكافَ إتباعاً ثم سكَّن العينَ تخفيفاً ، وقرأ السُلمي والنخغي : " الكلام " بالألف . " وعن مواضِعه " قد ذُكِر مثلُه في النساء . قوله : { عَلَىٰ خَآئِنَةٍ } في " خائنة " ثلاثةُ أوجه ، أحدها : أنها اسمُ فاعل والهاء للمبالغة كراوية ونسَّابة أي : على شخص خائن ، قال الشاعر : @ 1713 - حَدَّثْتَ نفسَك بالوفاءِ ولم تَكُنْ للغدرِ خائنةً مُغِلَّ الإصبَعِ @@ الثاني : أن التاء للتأنيث ، وأُنِّث على معنى طائفة أو نفس أو فَعْلَة خائنة . الثالث : أنها مصدرٌ كالعافية والعاقبة ، ويؤِّيد هذ الوجه قراءةُ الأعمش : { على خيانة } وأصل خائِنة : خاونة ، وخيانة : خِوانة ، لقولهم : تَخَوَّن وخَوَّان وهو أَخْوَن ، وإنما أُعِلاَّ إعلالَ " قائمة وقيام " و " منهم " صفة لـ " خائنة " إن أريد بها الصفة ، وإن أريد بها المصدرُ قُدِّر مضافٌ أي : من بعض خياناتهم . قوله : { إِلاَّ قَلِيلاً } منصوبٌ على الاستثناء ، وفي المستنثى منه أربعةُ أقوالٍ ، أظهرُها : أنه لفظ خائنة ، وهمُ الأشخاصُ المذكورون في الجملة قبله أي : لا تزالُ تَطَّلع على مَنْ يَخْون منهم إلى القليلَ ، فإنه لا يخون فلا تَطَّلِعُ عليه ، وهؤلاء هم عبد الله بن سلام وأصحابه . قال أبو البقاء " ولو قرئ بالجر على البدل لكان مسقيماً " يعني على البدل من " خائنة " فإنه في حَيِّز كلام غير موجب . والثاني : ذكره ابن عطية أنه الفعل أي : لا تزال تطَّلع على فِعْل الخيانة إلا فعلاً قليلاً ، وهذا واضح إنْ أُريد بالخيانة أنها صفة للفعلة المقدرة كما تقدَّم ، ولكن يُبْعِدُ ما قاله ابنُ عطية قولُه بعدَه " منهم " ، وقد تقدَّم لنا نظيرُ ذلك في قوله { مَّا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِّنْهُمْ } [ النساء : 66 ] ، حيث جَوَّز الزمخشري فيه أن يكونَ صفةً لمصدرٍ محذوفٍ . الثالث : أنه " قلوبهم " في قوله : { وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً } قال صاحبُ هذا القول : " والمرادُ بهم المؤمنون لأن القسوة زالَتْ عن قلوبهم " وهذا فيه بُعْدٌ كبير ، لقوله " لعنَّاهم " الرابع : أنه الضمير في " منهم " مِنْ قوله تعالى : { عَلَىٰ خَآئِنَةٍ مِّنْهُمْ } قاله مكيّ .