Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 5, Ayat: 3-3)

Tafsir: ad-Durr al-maṣūn fī ʿulūm al-kitāb al-maknūn

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وتقدَّم أيضاً إعرابُ { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ ٱلْمَيْتَةُ } : وأصلُها وقدم هنا لفظَ الجلالة في قوله : { وَمَآ أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ ٱللَّهِ } وأُخِّرت هناك ، لأنها في البقرة فاصلةٌ أو تشبه الفاصلة بخلافِها هنا ، فإنها بعدَها معطوفاتٌ . والموقوذة : هي التي وُقِذَت أي : ضُربت بعصا ونحوها حتى ماتت ، مِنْ : وَقَذَه أي : ضَرَبه حتى استرخى ، ومنه : " وقَذَه النعاس " أي : غَلَبه ، ووقَذْه النعاس " أي : غَلَبه ، ووقَذه الحُلُم أي : سكنه ، وكأن المادة دالة على سكون واسترخاء . والمُتَرَدِّيَةُ : مِنْ تَرَدَّى أي : سقط من عُلُوٍّ فهلك ، ويقال : " ما يَدْري أين رَدَى " أي : ذهب ، وَرَدَى وَتَردَّى بمعنى هَلك ، والنَّطيحة : فعيلة بمعنة مفعولة ، وكان مِنْ حقها ألاَّ تدخلها تاءُ التأنيث كقتيل وجريح ، إلا أنها جَرَتْ مَجْرى الأسماء أو لأنها لم يُذْكَر موصوفها ، كذا قاله أبو البقاء ، وفيه نظرٌ ، لأنهم إنما يُلحقون التاء إذا لم يُذْكر الموصوف لأجلِ اللَّبس نحو : " مَرَرْتُ بقتيلة بن فلان " لئلا يُلْبِس المذكرُ بالمؤنث ، وهنا اللبسُ منتفٍ ، وأيضاً فحكمُ الذكر والأنثى في هذا سواءٌ . و " ما أكل السَّبُعُ " : " ما " بمعنى الذي وعائده محذوف أي : وما أكلَه السبع ، ومحلُّ هذا الموصولِ الرفعُ عطفاً على ما لم يُسَمَّ فاعله ، وهذا غيرُ ماشٍ على ظاهرة لأنَّ ما أكله السبع وفرغ منه لا يُذَكَّى ، ولذلك قال أبو القاسم الزمخشري : " وما أكل بعضَه السبُع " وقرأ الحسن والفياض وأبو حيوة : " السَّبْع " بسكون الباء وهو تسكين للمضموم . ونُقل فتح السين والباء معاً ، والسَّبُع : كل ذي ناب ومِخْلب كالأسد والنمر ، ويُطْلَقُ على ذي المخلب من الطيور أيضاً ، قال : @ 1692 - وسِباعُ الطيرِ تَغْدُو بِطاناً تتخطَّاهُمُ فما تَسْتَقِلُّ @@ قوله : { إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ } فيه قولان ، أحدهما : أنه مستثنى متصل ، والقائلون بأنه استثناء متصل اختلفوا : فمنهم مَنْ قال : هو مستثنى من قوله : { وَٱلْمُنْخَنِقَةُ } إلى قوله : { وَمَآ أَكَلَ ٱلسَّبُعُ } وقال أبو البقاء : " والاستثناءُ راجعٌ إلى المتردية والنطيحة وأكيلة السَّبعُ " وليس إخراجُه المنخنقة منه بجيدٍ . ومنهم مَنْ قال : " هو مستثنى مِنْ " ما أكل السَّبُع " خاصة . والقول الثاني : أنه منقطعٌ أي : ولكن ما ذَكَّيْتم من غيرها فحلال ، أو فكلوه ، وكأنَّ هذا القائلَ رأى أنها وَصَلَتْ بهذه الأسباب إلى الموت أو إلى حالةٍ قريبة منه فلم تُفِدْ تَذْكِيتُها عندَه شيئاً . والتذكية : الذَّبْحُ ، وذَكَت النارُ : ارتفعَتْ ، وذَكَى الرجلُ : أَسَنَّ ، قال : @ 1693 - على أعراقهِ تَجْري المَذاكي وليس على تقلُّبِه وجُهْدِهْ @@ قوله : { وَمَا ذُبِحَ عَلَى ٱلنُّصُبِ } رُفِع أيضاً عطفاً على " الميتة " واختلفوا في النصبِ فقيل : هي حجارةٌ كانوا يَذْبحون عليها فـ " على " هنا واضحةٌ ، وقيل : هي للأصنام لأنها تُنصَب لتُعْبَدَ ، فعلى هذا في " على " وجهان ، أحدُهما : أنها بمعنى اللام أي : وما ذُبِحَ لأجل الأصنام . والثاني : هي على بابها ، ولكنها في محلِّ نصب على الحال أي : وما ذبح مُسَمَّى على الأصنام ، كذا ذكره أبو البقاء وفهي النظر المعروف وهو كونه قدَّر المتعلق شيئاً خاصاً . والجمهور على " النُّصُب " بضمتين فقيل : هو جمع " نِصاب " وقيل : هو مفرد ، ويدل له قول الأعشى : @ 1694 - وذا النُّصُبَ المنصوبَ لا تَقْرَبَنَّه ولا تَعْبُدِ الشيطانَ واللَّهَ فاعبُدا @@ وفيه احتمالٌ . وقرأ طلحة بن مصرف بضمِّ النون وإسكان الصاد وهي تخفيف القراءة الأولى . وقرأ عيسى بن عمر : " النَصَب " بفتحتين ، قال أبو البقاء : " وهو اسمٌ بمعنى المنصوب كالقبَض والنقَص بمعنى المقبوض والمنقوص ، والحسنُ : " النَّصْب " بفتح النون وسكون الصاد ، وهو مصدرٌ واقعٌ موقعَ المفعول به ، ولا يجوز أن تكون تخفيفاً لقراءة عيسى بن عمر لأنَّ الفتحة لا تُخَفَّفُ . / قوله : { وَأَنْ تَسْتَقْسِمُواْ بِٱلأَزْلاَمِ } " أن " وما في حيزها في محلِّ رفع عطفاً على " المتية " والأزلام : القِداح ، واحدُها " زَلْم " و " زُلْم " بفتح الزاي وضمها . والقِداح : سهام كانت العرب تطلب بها معرفة ما قُسم لها من خير وشر ، مكتوبٌ على أحدها : " أمرني ربي " وعلى الآخر : " نهاني ربي " ، والآخر غُفْل . وقيل : هي سهام الميسر أي : القِمار ، ووجهُ ذكرها مع هذه المطاعم أنها كانت تُرفع عند البيت معها . قوله : { ذٰلِكُمْ فِسْقٌ } مبتدأُ وخبر ، واسمُ الإِشارة راجع إلى الاستقسام بالأزلام خاصة ، وهو مرويٌ عن ابن عباس . وقيل : إلى جميع ما تقدَّم ، لأنَّ معناه : حَرَّم عليكم تناولَ الميتة وكذا ، فرجعَ اسمُ الإِشارة إلى هذا المقدَّر . قوله : { ٱلْيَوْمَ يَئِسَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } " اليوم " ظرفٌ منصوبٌ بـ " يئس " والألفُ واللام فيه للعهدِ ، قيل : أرادَ به يوم عرفة ، وهو يوم الجمعة عامَ حجة الوداع ، نزلَتْ هذه الآيةُ فيه بعد العصر . وقيل : هو يومَ دخولِه عليه السلام مكة سنة تسع ، وقيل : ثمان وقال الزجاج - وتبعه الزمخشري - إنها ليست للعَهد ، ولم يُرد باليوم معيناً ، وإنما أراد به الزمانَ الحاضر وما يدانيه من الأزمنة الماضية والآتية كقولك : " كنت بالأمس شاباً وأنت اليوم أشيب " لا تريد بالأمس الذي قبل يومك ، ولا باليوم الزمنَ الحاضر فقط ، ونحوه : " الآن " في قول الشاعر : @ 1695 - الآن لَمَّا ابيضَّ مَسْربتي وعَضَضْتُ مِنْ نابي على جِذْمِ @@ ومثلُه أيضاً قول زهير : @ 1696 - وأَعلم ما في اليومِ والأمسِ قبلَه ولكنني عن علمِ ما في غَدٍ عَمِ @@ لم يُرِد بهذه حقائقَها . والجمهورُ على " يَئِس " بالهمز ، وقرأ يزيد ابن القعقاع : " يَيِس " بياءين من غير همزة ، ورُويت أيضاً عن أبي عمرو ، يقال يَئِس يَيْئَس ويَيْئِسُ بفتح عين المضارع وكسرِها وهو شاذ ، ويقال : " أَيِس " أيضاً مقلوب من يئس فوزنه عَفِل ، ويدل على القلب كونُه لم يُعَل ، إذ لو لم يقدر ذلك للزم إلغاء المقتضي وهو تحرُّكُ حرف العلة وانفتاحِ ما قبله ، لكنه لما كان في معنى ما لم يُعَلَّ صح . واليأس : انقطاع الرجاء ، وهو ضد الطمع . و " من دينكم " متعلق بـ " يئس " ومعناها ابتداءُ الغاية ، وهو على حَذْف مضاف أي : من إبطال أمر دينكم . والكلامُ في قوله : { ٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ } كالكلامِ على " اليوم " قبله . و " عليكم " متعلقٌ بـ " أَتْممت " ، ولا يجوزُ تعلُّقه بـ " نعمتي " وإن كان فعلُها يتعدَّى بـ " على " نحو : { أَنعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ } [ الأحزاب : 37 ] لأنَّ المصدرَ لا يتقدَّم عليه معمولُه ، إلا أَنْ ينوبَ منابَه ، قال أبو البقاء : " فإنْ جَعَلْته على التبيين ، أي : أتممت أعني عليكم جازَ " ولا حاجةَ إلى ما ادَّعاه . قوله : { وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلأِسْلاَمَ دِيناً } في " رَضي " وجهان ، أحدهما : أنه متعدٍّ لواحدٍ وهو الإِسلام . و " ديناً " على هذا حالٌ . وقيل : هو مُضَمَّن معنى صَيَّر وجَعَل ، فيتعدَّى لاثنين أولهما " الإِسلام " ، والثاني : " ديناً " . و " لكم " يجوز فيه وجهان ، أحدهما : : أنه متعلق بـ " رضي " ، والثاني : أنه متعلقٌ بمحذوفٍ لأنه حال من الإِسلام ، ولكنه قُدِّم عليه . قوله : " فمن اضطر " قد تقدَّم الكلامُ على هذه الآيةِ وما قرئ فيها في البقرة فأغنى عن إعادته . و " في مَخْمَصَةٍ " متعلقٌ بـ " اضْطُرَّ " ، والمَخْمَصَةُ : المجاعة لأنها تَخْمُصُ لها البطونُ أي : تَضْمُرُ ، وهي صفةٌ محمودةٌ في النساء ، يقال : رجلٌ خُمْصان وامرأةٌ خُمْصانة ، ومنه : أَخْمَصُ القدمِ لدقتها ، ويُستعمل في الجوع والغَرْث قال : @ 1697 - تَبيتون في المَشْتى مِلاءً بطونُكم وجارتُكم غَرْثَى يَبِتْنَ خمائصا @@ وقال آخر : @ 1698 - كُلوا في بعضِ بطنِكُمُ تَعِفُّوا فإنَّ زمانَكم زمنٌ خَميصُ @@ وُصِف الزمانُ بذلك مبالغةً كقولهم : " نهارهُ صائم وليله قائم " و " غيرَ " نصب على الحال . والجمهور على " متجانِفٍ " بألف وتخفيفِ النون من تَجانَفَ وقرأ أبو عبد الرحمن والنخعي " مُتَجَنِّف بتشديد النون دون ألف . قال أبو محمد بن عطية : " وهي أبلغُ مِنْ " متجانف " في المعنى لأنَّ شدَّة العين تدلُّ على مبالغةٍ وتوغلٍ في المعنى " و " لإِثم " متعلق بـ " متجانف " واللامُ على بابها ، وقيل : هي بمعنى " إلى " أي : غيرُ مائل إلى إثم ، ولا حاجةَ إليه ، وقد تقدَّم معنى هذه اللفظة واشتقاقُها عند قوله : { فَمَنْ خَافَ مِن مُّوصٍ جَنَفاً } [ البقرة : 182 ] وقوله : { فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } جملةٌ : إمَّا في محلِّ جزم أو رفع على حسب ما قيل في " من " ، وكذلك القولُ في الفاء : إما واجبةٌ أو جائزةٌ ، والعائد على كلا التقديرين محذوف أي : فإن الله غفور له .