Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 5, Ayat: 5-5)
Tafsir: ad-Durr al-maṣūn fī ʿulūm al-kitāb al-maknūn
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وقوله تعالى : { ٱلْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ } : الكلامُ فيه كالكلامِ فيما قبله . وزعمَ قومٌ أنَّ المرادَ بثلاثةِ الأيام المذكورةِ هنا وقتٌ واحدٌ ، وإنما كرره توكيداً ، ولاختلافِ الأحداثِ الواقعةِ فيه حَسُنَ تكريره ، وليس بشي . وادَّعى بعضُهم أنَّ في الكلام تقديماً وتأخيراً ، وأن الأصل : " فاذكروا اسم اللّهِ عليه وكلُوا مِمَّا أَمْسَكْن عليكم " وهذا يُشْبه قولَ مَنْ يعيدُ الضميرَ على الجوارحِ المرسلة . قوله : { وَطَعَامُ ٱلَّذِينَ } فيه وجهان ، الصحيحُ منهما أنه مبتدأ ، وخبرُه " حِلُّ لكم " أبرز الإِخبارَ بذلك في جملةٍ اسميةٍ اعتناءً بالسؤال عنه . وأجاز أبو البقاء أن يكونَ مرفوعاً عطفاً على مرفوع ما لم يُسَمِّ فاعلُه وهو " الطيبات " وجَعَل قولَه " حِلٌّ لكم " خيرَ مبتدأ محذوف ، وهذا يَنْبغي ألاَّ يجوزَ البتة لتقدير ما لا يُحْتاج إليه مع ذهابِ بلاغةِ الكلامِ . وقوله : { وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ } مبتدأ وخبر ، وقياسُ قولِ أبي البقاء أن يكونَ " طعام " عطفاً على ما قبله ، و " حِلٌّ " خبر مبتدأ محذوف ، ولم يَذْكره كأنه استشعر الصواب . قوله : { وَٱلْمُحْصَنَاتُ } في رفعه أيضاً وجهان ، أحدهما : أنه مبتدأٌ خبرُه محذوفٌ أي : المُحْصَنات حِلُّ لكم أيضاً ، وهذا هو الظاهر . واختار أبو البقاء أن يكونَ معطوفاً على " الطيبات " فإنه قال : " مِن المؤمنات " حالٌ من الضمير في " المُحْصَنات " أو من نفس " المحصنات " إذا عَطَفَتْها على " الطيبات " و " حِلٌّ " : مصدر بمعنى الحال فلذلك لم يُوَنَّث ولم يُثَنَّ ولم يُجْمع ، لأنه أحسن الاستعمالين في المصادر الواقعة صفةً للأعيان ، ويُقال في الإِتباع : حِلُّ بِلُّ " وهو كقولهم : " حَسَن بَسَن " و " عَطْشان نَطْشان " و " من المؤمنات " حالٌ كما تقدم : إمَّا من الضمير في " المحصنات " أو من " المحصنات " / . وقد تقدَّم الكلامُ في اشتقاق هذه اللفظة واختلافِ القُرَّاء فيها في سورة النساء . قوله : { إِذَآ آتَيْتُمُوهُنَّ } ظرفٌ العاملُ فيه أحدُ شيئين : إمَّا " أُحِلَّ " وإمَّا " حِلُّ " المحذوفُ على حَسَب ما قُرِّرَ . والجملة بعده في محلِّ خفضٍ بإضافته إليها ، وهي هنا لمجرد الظرفية . ويجوز أن تكونَ شرطيةً وجوابُها محذوف ، أي : إذا آتيتموهن أجورَهن حَلَلْنَ لكم ، والأولُ أظهر . و " مُحْصِنين " حال ، وعاملُها أحد ثلاثة أشياء : إمَّا " آتيتموهُنَّ " ، وصاحبُ الحالِ الضميرُ المرفوعُ ، وإمَّا " أُحِلَّ " المبني للمفعول ، وإمَّا " حِلٌّ " المحذوفُ كما تقدم . وغيرَ " يجوز فيه ثلاثة أوجه ، أحدها : أن ينتصب على أنه نعت لـ " محصنين " والثاني : أنه يجوزُ نصبُه على الحال ، وصاحبُ الحالِ الضميرُ المستتر في " مُحْصِنين " والثالث : أنه حالٌ من فاعل آتيتموهن " على أنها حالٌ ثانيةٌ منه ، وذلك عند مَنْ يُجَوِّز ذلك وقوله : { وَلاَ مُتَّخِذِيۤ } يجوزُ فيه الجر على أنه عطفٌ على " مسافحين " وزيدت " لا " تأكيداً للنفي المفهوم من " غير " ، والنصبُ على أنه عطفٌ على " غير " باعتبارِ أَوْجهها الثلاثة ، ولا يجوز عطفُهُ على " مُحْصِنين " لأنه مقترنٌ بـ " لا " المؤكدةِ للنفي المتقدمِ ولا نفيَ مع " محصنين " وتقدَّم معاني هذه الألفاظ . وقوله : { وَمَن يَكْفُرْ بِٱلإِيمَانِ } تقدَّم له نظائر . وقيل : المراد بالإِيمان المؤمَنُ به ، فهو مصدرٌ واقعٌ موقعَ المفعول كـ " درهم ضَرْبُ الأمير " وقيل : ثَمَّ مضافٌ محذوف أي : بموجِبِ الإِيمان وهو الباري تبارك وتعالى . قوله : { وَهُوَ فِي ٱلآخِرَةِ مِنَ ٱلْخَاسِرِينَ } الظاهرُ أنَّ الخبرَ قوله : " من الخاسرين " فيتعلَّقُ قولُه " في الآخرة " بما تعلَّق به هذا الخبر . وقال مكي : " العاملُ في الظرفِ محذوفٌ تقديرُه : " وهو خاسر في الآخرةِ " ودَلَّ على المحذوفِ قولُه : " من الخاسرين " . فإن جعلة الألف واللام في " الخاسرين " ليستا بمعنى الذين جاز أن يكونَ العامل في الظرف " من الخاسرين " يعني أنه لو كانَتْ موصولةً لامتنع أن يعمل ما بعدها فيما قبلها ، لأنَّ الموصولَ لا يتقدم عليه ما في حَيِّزه ، وهذا كما قالوا في قوله : { إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِّنَ ٱلْقَالِينَ } [ الشعراء : 168 ] { وَكَانُواْ فِيهِ مِنَ ٱلزَّاهِدِينَ } [ يوسف : 20 ] ، وتقديرُ مكي متعلِّق هذا الظرف وهو " خاسر " إنما هو بناء على كون " أل " موصولةً بدليل قولِه : " فإنْ جعلت الألف واللام ليستا بمعنى " الذين " وبالجملة فلا حاجة إلى هذا التقدير : بل العاملُ فيه كما تقدم العاملُ في الظرفِ الواقعِ خبراً وهو الكون المطلق ، ولا يجوز أن يكونَ " في الآخرة " هو الخبر ، و " من الخاسرين " متعلِّقٌ بما تعلَّق به لأنه لا فائدة في ذلك ، فإنْ جُعِل " من الخاسرين " حالاً من ضميرِ الخبر وتكونُ حالاً لازمةً جاز ، وهو ضعيفٌ في الإِعراب ، وقد تقدَّم وقد تقدَّم نظيرُ هذه الآية في البقرة عند قوله : { وَإِنَّهُ فِي ٱلآخِرَةِ لَمِنَ ٱلصَّالِحِينَ } [ الآية : 130 ] .