Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 7, Ayat: 157-157)

Tafsir: ad-Durr al-maṣūn fī ʿulūm al-kitāb al-maknūn

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { ٱلَّذِينَ يَتَّبِعُونَ } : في محله أوجه ، أحدها : الجر نعتاً لقوله " الذين يتقون " . الثاني : أنه بدلٌ منه . الثالث : أنه منصوبٌ على القطع . الرابع : أنه مرفوع على خبر ابتداء مضمر وهو معنى القطع أيضاً . الخامس : أنه مبتدأ ، وفي الخبر حينئذ وجهان ، أحدهما : أنه الجملةُ الفعلية من قوله " يأمرهم بالمعروف " . والثاني : الجملةُ الاسمية من قوله { أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ } ذكر ذلك أبو البقاء ، وفيه ضعف ، بل مَنْعٌ ، كيف يجعل " يأمرهم " خبراً وهو من تتمة وَصْفِ الرسول صلى الله عليه وسلم ، أو على أنه معمولٌ للوجدان عند بعضهم كما سيأتي التنبيهُ عليه ، وكيف يَجْعَلُ " أولئك هم المفلحون " خبراً لهذا الموصول ، والموصولُ الثاني وهو قوله { فَٱلَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ } يطلبه خبراً ، لا يتبادَرُ الذهنُ إلى غيره ولو تبادر لم يكن مُعْتبراً . قوله : { ٱلأُمِّيَّ } العامَّةُ على ضم الهمزة نسبةً : إمَّا إلى الأُمة وهي أمة العرب ، وذلك لأن العرب لا تحسب ولا تكتب ، ومنه الحديثُ : " إنَّا أمةٌ أمِّيَّةٌ لا نكتب ولا نحسب " ، وإمَّا نسبةً إلى الأَمّ وهو مصدر أَمَّ يَؤُمُّ ، أي : قصد يقصد ، والمعنى على هذا : أن هذا النبيَّ الكريم مقصود لكل أحدٍ . وفيه نظر ، لأنه كان ينبغي أن يقال : الأَمِّيّ بفتح الهمزة . وقد يقال : إنه من تغيير النسب . وسيأتي أن هذا قراءةٌ لبعضهم ، وإما نسبةً إلى أمِّ القرى وهي مكة ، وإمَّا نسبة إلى الأُمّ كأن الذي لا يقرأ ولا يكتب على حالةِ ولادتِه من أمه . وقرأ يعقوب " الأَمِّيّ " بفتح الهمزة ، وخرَّجها بعضهم على أنه من تغيير النسب ، كما قالوا في النسب إلى أُمَيَّة : أَمَوي / . وخرَّجها بعضهم على أنها نسبةٌ إلى الأَمّ وهو القصد ، أي : الذي هو على القصد والسَّداد ، وقد تقدَّم ذكرُ ذلك أيضاً في القراءة الشهيرة . فقد تحصَّل أن كلاً من القراءتين يحتمل أن تكون مُغَيَّرَةً من الأخرى . قوله : " تجدونه " الظاهر أن هذه متعديةٌ لواحد لأنها اللُّقْبَة ، والتقدير : تَلْقَوْنه ، أي تَلْقَوْن اسمَه ونعته مكتوباً ، لأنه بمعنى وُجْدان الضالَّة فيكون " مكتوباً " حالاً من الهاء في " تجدونه " . وقال أبو علي : " إنها متعدية لاثنين أولهما الهاء ، والثاني " مكتوباً " . قال : " ولا بد من حذف هذا المضاف ، أعني قوله " ذكره أو اسمه " . قال سيبويه : " تقول إذا نظرت في هذا الكتاب : هذا عمرو ، وإنما المعنى : هذا اسم عمرو وهذا ذِكْر عمرو قال : " وهذا يجوزُ على سَعة الكلام " . قوله : { عِندَهُمْ فِي ٱلتَّوْرَاةِ } هذا الظرف وعديلُه كلاهما متعلِّقٌ بـ " تَجدون " ، ويجوز وهو الأظهر أن يتعلَّقا بـ " مكتوباً " ، أي : كُتِبَ اسمُه ونعته عندهم في تَوْراتهم وإنجيلهم . قوله : { يَأْمُرُهُم } فيه ستةُ أوجه ، أحدها : أنه مستأنف ، فلا محلَّ له حينئذ وهو قول للزجاج . والثاني : أنه خبر لـ " الذين " . قاله أبو البقاء ، وقد ذُكِرَ ، قلت : وقد ذكر ما فيه ثَمَّة . الثالث : أنه منصوبٌ على الحال من الهاء في " تجدونه " ولا بد من التجوز بها ، ذلك بأن تُجْعَلَ حالاً مقدرة . وقد منع أبو علي أن تكون حالاً من هذا الضمير قال : " لأن الضميرَ للاسم والذِّكْرِ ، والاسم والذِّكر لا يأمران " يعني أن الكلام على حَذْفِ مضافٍ كما مرَّ ، فإن تقديره : تجدون اسمه أو ذِكْره ، والذكرُ والاسمُ لا يأمران ، إنما يأمر المذكور والمسمَّى . الرابع : أنه حال من " النبيّ " . الخامس : أنه حال من الضمير المستكن في " مكتوباً " . السادس : أنه مفسِّر لـ " مكتوباً " ، أي لِما كُتِب ، قاله الفارسي . قال : " كما فَسَّر قوله : { وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } بقوله : { لَهُمْ مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ } [ المائدة : 9 ] ، وكما فسَّر المَثَل في قوله تعالى : { إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِندَ ٱللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ } [ آل عمران : 59 ] بقوله { خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ } . وقال الزجَّاج هنا : " ويجوز أن يكون المعنى : يجدونه مكتوباً عندهم أنه يأمرُهم بالمعروف ، وعلى هذا يكون الأمرُ بالمعروف وما ذُكِر معه مِنْ صفته التي ذُكِرت في الكتابين " . واستدرك أبو علي عليه هذه المقالةَ فقال : " لا وجهَ لقوله " يجدونه مكتوباً عندهم أنه يأمرهم بالمعروف " إن كان يعني أن ذلك مرادٌ ، لأنه لا شيءَ يَدُلُّ على حَذْفِه ، ولأنَّا لا نَعْلَمهم أنهم صَدَقُوا في شيء ، وتفسير الآية أنَّ { وجدت } فيها تتعدى لمفعولين " فَذَكر نحو ما قدَّمته عنه . قلت : وهذا الردُّ تحاملٌ منه عليه ، لأنه أراد تفسيرَ المعنى وهو تفسير حسن . قوله : { إصرهم } قرأ ابن عامر : " آصارهم " بالجمع على صيغة أفْعال ، فانقلبت الهمزة التي هي فاء الكلمة ألفاً لسَبْقِها بمثلها ، والباقون بالإِفراد فهي جمع باعتبار متعلَّقاته وأنواعه ، وهي كثيرة . ومَنْ أفرد فلأنه اسمُ جنسٍ . وقرأ بعضهم : " أَصرهم " بفتح الهمزة ، وبعضُهم " أُصْرهم " بضمها . وقد تقدم تفسير هذه المادة في أواخر البقرة . والأغلال جمع غُلّ ، وهو هنا مَثَل لِما كُلِّفوه . وقد تقدَّم تفسير المادة أيضاً في آل عمران : { وما كان لنبي أن يَغُلَّ } ، وكذا تقدم تفسير التعزير في المائدة . والعامَّة على تشديد " وعزَّروه " . وقرأ الجحدري وعيسى بن عمر وسليمان التيمي بتخفيفها ، وجعفر بن محمد : " وعَزَّزوه " بزايين معجمتين . قوله : { أُنزِلَ مَعَهُ } قال الزمخشري : " فإن قلت : ما معنى " أُنْزِلَ معه " ، وإنما أُنْزِل مع جبريل ؟ قلت : معناه أُنزل مع نبوته ؛ لأن اسْتِنْباءَه كان مصحوباً بالقرآن مشفوعاً به . ويجوز أن يتعلَّق بـ " اتَّبعوا " ، أي : واتَّبعوا القرآن المنزَّل مع اتِّباع النبيّ وبالعمل بسنته وبما أَمَرَ به ونَهَى عنه ، أو واتَّبعوا القرآنَ كما اتَّبعه مصاحبين له في اتَّباعه " يعني بهذا الوجهِ الأخير أنه حالٌ من فاعل " اتبعوا " . / وقيل : " مع " بمعنى " على " ، أي : أُنْزِلَ عليه . وجوَّز الشيخ أن يكون " معه " ظَرْفاً في موضعِ الحال . قال : " والعاملُ فيها محذوف تقديره : أُنْزِلَ كائناً معه ، وهي حال مقدَّرة كقولهم : " مررت برجلٍ معه صقرٌ صائداً به غداً " فحالةُ الإِنزال لم يكن معه ، لكنه صار معه بعدُ ، كما أن الصيدَ لم يكن وقتَ المرور " .