Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 185-185)
Tafsir: ad-Durr al-maṣūn fī ʿulūm al-kitāb al-maknūn
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { وَأَنْ عَسَىۤ } : " أنْ " فيها وجهان أحدهما : وهو الصحيح أنها المخففةُ من الثقيلة ، واسمُها ضمير الأمر والشأن . و " عسى " وما في حيِّزها في محل الرفع خبراً لها ، ولم يُفْصل هنا بين أنْ والخبر وإن كان فعلاً ؛ لأن الفعل الجامد الذي لا يتصرَّف يشبه الأسماء ، ومثله { وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَىٰ } [ النجم : 39 ] { وَٱلْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ ٱللَّهِ عَلَيْهَآ } [ النور : 9 ] في قراءة نافع لأنه دعاء . وقد وقع خبرُ " أَنْ " جملةً طلبية في هاتين الآيتين الأخيرتين فإنَّ " عسى " للإِنشاء ، و " غضب الله " دعاء . والثاني : أنها المصدرية ، قاله أبو البقاء يعني التي تنصب المضارع الثنائية الوضع ، وهذا ليس بجيد ؛ لأن النحاةَ نَصُّوا على أنَّ " أَنْ " المصدرية لا تُوصل إلا بالفعل المتصرِف مطلقاً أي ماضٍ ومضارع وأمر و " عسى " لا يتصرف فكيف يقع صلة لها ؟ و " أنْ " على كلا الوجهين في محل جرٍّ نَسَقاً على " ملكوت " ، أي : وألم ينظروا في أن الأمر والشأن عسى أن يكون . و " أن يكون " فاعل عسى ، وهي حينئذٍ تامَّةٌ لأنها متى رفعت أَنْ وما في حيزها كانت تامةً ، ومثلها في ذلك أوشك واخلولق . وفي اسم " يكون " قولان ، أحدُهما : هو ضمير الشأن ، ويكون " قد اقترب أجلهم " خبراً لها . والثاني : أنه " أجلُهم " و " قد اقترب " جملةٌ من فعلٍ وفاعلٍ هو ضمير " أجلهم " ولكن قَدَّم الخبر وهو جملة فعلية على اسمها ، وقد تقدَّم ذلك والخلاف فيه : وهو أن ابن مالك يجيزه ، وابن عصفور يمنعه ، عند قوله : { مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ } [ الأعراف : 137 ] . قوله : { فَبِأَيِّ } متعلِّقٌ بـ " يُؤْمنون " وهي جملةٌ استفهامية سِيقَتْ للتعجب ، أي : إذا لم يؤمنوا بهذا الحديث فكيف يُؤْمنون بغيره ؟ والهاء في " بعده " تحتمل العَوْدَ على القرآن وأن تعودَ على الرسول ، ويكون الكلامُ على حَذْف مضافٍ ، أي : بعد خبره وقصته ، وأن تعود على " أجلهم " ، أي : إنهم إذا ماتوا وانقضى أجلُهم فكيف يؤمنون بعد انقضاء أجلهم ؟ قال الزمخشري : " فإن قلت : بم تُعَلِّق قوله : " فبأي حديث بعده يؤمنون " ؟ قلت : بقوله " عسى أن يكونَ قد اقترب أجلهم " . كأنه قيل : لعل أجلَهم قد اقترب فما لهم لا يبادرون [ إلى ] الإِيمان بالقرآن قبل الموت ، وماذا ينتظرون بعد وضوح الحق ، وبأي حديثٍ أحقَّ منه يريدون أن يؤمنوا " ؟ يعني التعلُّق المعنويَّ المرتبطَ بما قبله لا الصناعي وهو واضح . قوله : " ويَذَرهم " قرأ الأخَوان بالياء وجزم الفعل ، وعاصم وأبو عمرو بالياء أيضاً ورفع الفعل ، ونافع وابن كثير وابن عامر بالنون ورفع الفعل أيضاً . وقد رُوي الجزمُ أيضاً عن نافع وأبي عمرو في الشواذ . فالرفعُ من وجهٍ واحدٍ وهو الاستئناف أي : وهو يَذَرُهم ، أو : ونحن نذرهم على حسب القراءتين . / وأمَّا السُّكون فيحتمل وجهين أحدهما : أنه جزم نسَقاً على محلِّ قوله " فلا هادي له " لأن الجملَة المنفيَّة جوابٌ للشرط فهي في محلِّ جزمٍ فَعَطَف على مَحَلِّها وهو كقوله تعالى : { وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا ٱلْفُقَرَآءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَيُكَفِّرُ } [ البقرة : 271 ] بجزم " يكفر " ، وكقول الشاعر : @ 2350ـ أنَّى سلكتَ فإنني لك كاشحٌ وعلى انتقاصِك في الحياة وأزْدَدِ @@ وأنشد الواحدي أيضاً قول الآخر : @ 2351ـ فَأَبْلوني بَلِيَّتَكمْ لعلِّي أُصالِحُكم وأسْتدرِجْ نَوَيَّا @@ قال : " حمل " أستدرج " على موضع الفاء المحذوفة من قوله " فلعلي أصالحكم " . والثاني : أنه سكونُ تخفيف كقراءة أبي عمرو : { يَنصُرْكُمُ } [ آل عمران : 160 ] و { يُشْعِرُكُمْ } [ الأنعام : 109 ] ونحوه . وأما الغيبة فَجَرْياً على اسم الله تعالى ، والتكلم على الالتفات من الغيبة إلى التكلم تعظيماً .