Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 7, Ayat: 187-187)

Tafsir: ad-Durr al-maṣūn fī ʿulūm al-kitāb al-maknūn

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { أَيَّانَ مُرْسَاهَا } : فيه وجهان أحدهما : أن " أيان " خبر مقدم ، و " مُرْساها " مبتدأ مؤخر . والثاني : أن " أيان " منصوب على الظرف بفعل مضمر ، ذلك الفعل رافع لـ " مرساها " بالفاعلية ، وهو مذهب أبي العباس . وهذه الجملةُ في محل نصب لأنها بدل من " الساعة " بدلُ اشتمال ، وحينئذ كان ينبغي ألاَّ تكون في محل جر لأنها بدل من مجرور . وقد صرَّح بذلك أبو البقاء فقال : " والجملةُ في موضع جر بدلاً من " الساعة " تقديره : يسألونك عن زمان حلول الساعة " ، إلا أنه مَنَع مِنْ كونها مجرورةَ المحل أن البدل في نيَّة تكرار العامل ، والعامل هو " يَسْألونك " والسؤال يعلق بالاستفهام وهو متعدٍّ ، يعني فتكون الجملة الاستفهاميةُ في محلِّ نصب بعد إسقاط الخافض كأنه قيل : يسألونك أيان مُرْسى الساعة ، فهو في الحقيقة بدلٌ من موضع " عن الساعة " لأن موضع المجرور نصب ، ونظيره في البدل على أحسن الوجوه فيه : عَرَفْتُ زيداً أبو مَنْ هو . و " أيان " ظرف زمان مبني لتضمُّنه معنى الاستفهام ولا يتصرف ، ويليه المبتدأ والفعل المضارع دون الماضي ، بخلاف " متى " فإنها يليها النوعان . وأكثرُ ما تكون " أيَّان " استفهاماً كقول الشاعر : @ 2352ـ أيَّان تَقْضي حاجتي أيَّانا أما تَرى لفِعْلها إبَّانا @@ وقد تأتي شرطيةً جازمة لفعلين . قال الشاعر : @ 2353ـ أيَّان نُؤْمِنْكَ تُؤْمَنْ غيرَنا وإذا لم تُدْرِكِ الأمنَ منَّا لم تزلْ حَذِرا @@ وقال آخر : @ 2354ـ إذا النَّعْجَةُ العَجْفاءُ باتت بقَفْرةٍ فأيَّان ما تَعْدِلْ بها الريحُ تَنْزِلِ @@ والفصيحُ فتحُ همزتها وهي قراءةُ العامة . وقرأ السُّلمي بكسرها وهي لغة سُلَيْم . واختلف النحويون في " أيَّان " : هل هي بسيطةٌ أم مركبة ؟ فذهب بعضُهم إلى أن أصلَها : أيّ أوانٍ فحُذِفَت الهمزةُ على غيرِ قياس ولم يُعَوَّضْ منها شيء ، وقُلبت الواوُ ياء على غير قياس ، فاجتمع ثلاثُ ياءات فاسْتُثْقِل ذلك فَحُذِفت إحداهن ، وبُنيت الكلمةُ على الفتح فصارت أيان . واختلفوا فيها أيضاً : هل هي مشتقةٌ أم لا ؟ فذهب أبو الفتح إلى أنها مشتقة مِنْ أَوَيْتُ إليه ، لأن البعض آوٍ إلى الكل ، والمعنى : أيّ وقت وأي فعلٍ ، ووزنه فَعْلان أو فِعْلان بحسب اللغتين ، ومنع أن يكون وزنه فَعَّالاً مشتقةً مِنْ " أين " ، لأنَّ أين ظرف مكان وأيان ظرف زمان . ومُرْساها يجوز أن يكون اسمَ مصدر وأن يكون اسم زمان ، قال الزمخشري : " مُرْساها " إرساؤُها أو وقت إرسائها ، أي : إثباتها وإقرارها " . قال الشيخ " وتقديره : وقت إرسائها ليس بجيدٍ ، لأن " أيَّان " استفهام عن الزمان فلا يَصِحُّ أن يكونَ خبراً عن الوقت إلا بمجاز لأنه يكون التقدير : في أي وقتٍ وقتُ إرسائها " وهو كلام حسن ، ويقال : رسا يرسو : ثَبَتَ ، ولا يقال إلا في الشيء الثقيل نحو : رَسَت السفينةُ تَرْسُو ، وأَرْسَيْتها . قوله : { عِلْمُهَا } مصدرٌ مضاف للمفعول والظرف خبره . وقوله : " في السماوات " يجوز فيها وجهان ، أحدهما : أن تكون " في " بمعنى على ، أي : على أهل السماوات أو هي ثقيلة على نفس السماوات والأرض لانشقاق هذه وزلزال ذي . والثاني : أنها على بابها من الظرفية ، والمعنى : حَصَل ثِقَلُها وهو شِدَّتها أو المبالغة في إخفائها في هذين الظرفين . قوله : { كَأَنَّكَ حَفِيٌّ } هذه الجملة التشبيهية في محلِّ نصبٍ على الحال مِنْ مفعولِ " يسألونك " . وفي " عنها " وجهان ، أحدهما : أنها متعلقةٌ بيسألونك وكأنك حَفِيٌّ معترض ، وصلتها محذوفة تقديره : حَفِيٌّ بها . وقال أبو البقاء : " في الكلام تقديمٌ وتأخير ، ولا حاجةَ إلى ذلك لأن هذه كلَّها متعلقاتٌ للفعل فإنَّ قولَه : / " كأنك حفيٌّ " حال كما تقدم . والثاني أنَّ " عن " بمعنى الباء كما أن الباء بمعنى عن كقوله : { فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً } [ الفرقان : 59 ] { وَيَوْمَ تَشَقَّقُ ٱلسَّمَآءُ بِٱلْغَمَامِ } [ الفرقان : 25 ] لأن حَفِي لا يتعدَّى بـ " عن " بل بالباءِ كقوله : { كَانَ بِي حَفِيّاً } [ مريم : 47 ] ويُضَمَّن معنى شيء يتعدَّى بـ " عن " ، أي : كأنك كاشف بحفاوتك عنها . والحَفِيُّ : المستقصي عن الشيء ، المهتبل به ، المعتني بأمره قال : @ 2355ـ سؤال حفيٍّ عن أخيه كأنه بذُكْرَتِهِ وَسْنانُ أو مُتَواسِنُ @@ وقال آخر : @ 2356ـ فلمَّا التقينا بَيَّن السيفُ بيننا لسائلةٍ عنا حَفِيٍّ سؤالُها @@ وقال الأعشى : @ 2357ـ فإنْ تَسْأَلي عني فيا رُبُّ سائلٍ حَفِيٍّ عن الأعشى به حيث أَصْعَدا @@ والإِحْفاءُ : الاستقصاء ومنه " إحفاء الشوارب " والحافي ، لأنه حَفِيَتْ قدمُه في استقصاء السَّير . والحفاوة : البرُّ واللطف . وقرأ عبد الله " حَفِيٌّ بها " وهي تَدُلُّ لمن ادَّعى أن " عَنْ " بمعنى الباء . وحَفِيٌّ فعيل بمعنى مفعول أي : محفوٌّ . وقيل : بمعنى فاعل أي : كأنك مبالِغٌ في السؤال عنها ومتطلع إلى عِلْمِ مجيئها .