Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 7, Ayat: 54-54)

Tafsir: ad-Durr al-maṣūn fī ʿulūm al-kitāb al-maknūn

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { إِنَّ رَبَّكُمُ ٱللَّهُ } : الجمهور على رفع الجلالة خبراً لـ " إنَّ " ، ويَضْعُف أن تُجْعل بدلاً من اسم " إنَّ " على الموضع عند مَنْ يرى ذلك ، والموصولُ خبرٌ لـ " إنَّ " وكذا لو جَعَلَه عطفَ بيان ، ويتقوَّى هذا بنصب الجلالة في قراءة بكار فإنها فيها بدلٌ أو بيانٌ لاسم " إنَّ " على اللفظ ، ويضعف أن تكونَ خبرَها عند مَنْ يرى نَصْبَ الجزأين فيها كقوله : @ 2209ـ إذا اسْوَدَّ جنحُ الليلِ فلتأتِ ولتكنْ خُطاك خِفافاً إنَّ حُرَّاسنا أُسْدا @@ وقوله : @ 2210ـ إنَّ العجوزَ خَبَّةً جَرُوزا تأكلُ كلَّ ليلةٍ قَفيزا @@ قيل : ويؤيد ذلك قراءةُ الرفع أي في جَعْلها إياه خبراً ، فالموصولُ نعتٌ لله أو بيان له أو بدل منه ، أو يُجْعل خبراً لـ إنَّ على ما تقدم من التخاريج ، ويجوز أن يكون معطوفاً على المدح رفعاً أو نصباً . وقوله : { فِي سِتَّةِ } أصل ستة : سِدْس فقُلِبَتْ السينُ تاءً فلاقَتْها الدال وهي مقاربةٌ لها ساكنة فوجب الإِدغام ، وهذا الإِبدالُ لازمٌ ، ويدلُّ على أن هذا هو الأصل رجوعُه في التصغير إلى سُدَيْسَةٍ وفي الجمع [ أَسْداس ، وقولهم : جاء فلان سادساً وساتَّاً وسادِياً بالياء مثناة ] مِنْ أسفل قال الشاعر : @ 2211ـ … وتَعْتَدُّني إن لم يَقِ اللهُ ساديا @@ أي سادساً فأبدلها ياء . و { فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ } الظاهر أنه ظرفٌ لـ { خَلَقَ ٱلسَمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ } فاسْتُشْكِل على ذلك : أن اليوم إنما هو بطلوع الشمس وغروبها وذلك إنما هو بعد وجودِ السماوات والأرض . وأجابوا عنه بأجوبة منها : أن الستةَ ظرفٌ لخلق الأرض فقط ، فعلى هذا يكون قوله { خَلَقَ ٱلسَمَاوَاتِ } مطلقاً لم يُقَيَّدْ بمدة ، ويكون قولُه " والأرض " مفعولاً بفعل مقدر أي وخلق الأرض ، وهذا الفعلُ مقيدٌ بمدة ستة أيام ، وهذا قولٌ ضعيف جداً . وقوله " ثم استوى " الظاهرُ عَوْدُ الضمير على الله تعالى بالتأويل المذكور في البقرة . وقيل : الضمير يعود على الخَلْق المفهوم مِنْ خَلَق أي : ثم استوى خَلْقُه على العرش . ومثله : { ٱلرَّحْمَـٰنُ عَلَى ٱلْعَرْشِ ٱسْتَوَىٰ } [ طه : 5 ] قالوا : يحتمل أن يعود الضمير في " استوى " على الرحمن ، وأن يعود على الخَلْق ، ويكون " الرحمن " خبراً لمبتدأ محذوف أي : هو الرحمن . والعرش : يُطْلق بإزاءِ معانٍ كثيرة فمنه سرير المَلِك ، وعليه { نَكِّرُواْ لَهَا عَرْشَهَا } [ النمل : 41 ] { وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى ٱلْعَرْشِ } [ يوسف : 100 ] . ومنه السلطان والعزُّ ، وعليه قول زهير : @ 2212ـ تدارَكْتُما عبساً وقد ثُلَّ عرشُها وذبيانَ إذ زلَّتْ بأقدامها النَّعْلُ 2213ـ إنْ يَقْتُلوك فقد ثَلَلْتُ عروشَهُمْ بربيعةَ بن الحارث بن شهاب @@ ومنه خشب تُطوى به البئرُ بعد أن يُطوى بالحجارة أسفلُها . ومنه ما يلاقي ظهر القدم وفيه الأصابع . ومنه السقف وكلُّ ما علاك فهو عرش ، وكأن المادة دائرة مع العلو والرفعة ، ويقال لأربعة كواكب صغار أسفلَ من العَوَّاء . قوله : { يُغْشِي ٱلْلَّيْلَ ٱلنَّهَارَ } قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وابن عامر وحفص هنا وفي سورة الرعد " يُغْشي " مخففاً مِنْ أغشى على أفْعَل ، والباقون على التشديد مِنْ غشَّى على فَعَّل ، فالهمزةُ والتضعيفُ كلاهما للتعدية أكسبا الفعلَ مفعولاً ثانياً ، لأنه في الأصل متعدٍ لواحدٍ فصار الفاعل مفعولاً . وقرأ حميد بن قيس " يَغْشى " بفتح الياءِ والشين ، " الليلُ " رفعاً ، " النهار " نصباً هذه رواية الداني عنه . وروى ابن جني عنه نصب " الليل " ورفع " النهار " . قال ابن عطية : " ونَقْلُ ابن جني أَثْبَتُ " وفيه نظرٌ من حيث إن الداني أعنى من أبي الفتح بهذه الصناعة وإن كان دونه في العلم بطبقات ، ويؤيد روايةَ الداني أيضاً أنها موافقةٌ لقراءة العامة من حيث المعنى ، وذلك أنه جعل الليل فاعلاً لفظاً ومعنى ، والنهار مفعولاً لفظاً ومعنى ، وفي قراءة الجماعة : الليل فاعل معنى ، والنهار مفعول لفظاً ومعنى ، وذلك أن المفعولَيْن في هذا الباب متى صَلُح أن يكونَ كلٌّ منهما فاعلاً ومفعولاً في المعنى وَجَبَ تقديمُ الفاعل معنى لئلا يُلْبِسَ نحو : " أعطيت زيداً عمراً " فإن لم يُلْبس نحو : " أعطيت زيداً درهماً ، وكَسَوْتُ عمراً جبةً " جاز ، وهذا كما في الفاعل والمفعول الصريحين نحو : ضرب موسى عيسى ، وضرب زيد عمراً ، وهذه الآيةُ الكريمةُ من باب " أعطيت زيداً عمراً " لأن كلاً من الليل والنهار يَصْلُح أن يكون غاشياً مغشِّياً فوجَبَ جَعْلُ " الليل " في قراءة الجماعة هو الفاعل المعنوي و " النهار " هو المفعول من غير عكس ، وقراءة الداني موافقةٌ لهذه لأنها المصرَِّحةُ بفاعلية الليل ، وقراءة ابن جني مخالفةٌ لها ، وموافقةُ الجماعة أولى . قلت : وقد روى الزمخشري قراءةَ حميد كما رواها أبو الفتح فإنه قال : " يُغَشِّي " بالتشديد : أي يلحق الليل بالنهار أو النهار بالليل ، يحتملهما جميعاً ، والدليل على الثاني قراءةُ حميد بن قيس " يَغْشى " بفتح الياء ونصب الليل ورفع النهار " انتهى . وفيما / قاله أبو القاسم نظر لِما ذَكَرْتُ لك من أن الآية الكريمة مما يجب فيها تقديمُ الفاعل المعنوي ، وكأن أبا القاسم تبع أبا الفتح في ذلك فلم يلتفتْ إلى هذه القاعدةِ المذكورة سهواً . قوله " يَطْلبه " حال من الليل لأنه هو المحدَّث عنه أي : يغشى النهار طالباً له ، ويجوز أن يكونَ من النهار أي مطلوباً وفي الجملة ذِكْرُ كلٍّ منهما . و " حثيثا " يُحتمل أن يكون نعتَ مصدرٍ محذوف أي : طَلَباً حثيثا ، وأن يكون حالاً من فاعل " يطلبه " أي حاثَّاً ، أو من مفعوله أي : محثوثاً . والحَثُّ : الإِعجال والسرعة والحَمْل على فعلِ شيءٍ كالحَضِّ عليه ، فالحثُّ والحضُّ أخَوان . يقال : حَثَثْتُ فلاناً فاحتثَّ فهو حثيث ومحثوث . قال : @ 2214ـ تَدَلَّى حثيثاً كأنَّ الصُّوا رَ يَتْبَعُهُ أُزْرَقِيٌّ لَحِمْ @@ فهذا يُحتمل أن يكونَ نعتَ مصدرٍ محذوف ، وأن يكونَ حالاً أي : تولَّى تَوَلِّيَاً حثيثاً أو تولَّى في هذه الحال . قوله : { وَٱلشَّمْسَ } قرأ ابن عامر هنا وفي النحل برفع " الشمس " وما عُطف عليها ورفع " مُسَخَّرات " ، وافقه حفص عن عاصم في النحل خاصة على رفع { وَٱلنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ } ، والباقون بالنصب في الموضعين . وقرأ أبان ابن تغلب هنا برفع " النجوم " وما بعدها فقط ، كحفص في النحل . فأما قراءةُ ابن عامر فعلى الابتداء والخبر ، جعلها جملةً مستقلة بالإِخبار بأنها مسخرات لنا من الله تعالى لمنافعنا . وأما قراءة الجماعة فالنصبُ في هذه السورة على عطفها على " السماوات " أي : وخلق الشمس ، وتكون " مسخرات " على هذا حالاً من هذه المفاعيل . ويجوز أن تكون هذه منصوبة بـ " جَعَل " مقدراً ، فتكون هذه المنصوباتُ مفعولاً أول ، ومسخرات مفعولاً ثانياً . وأما قراءةُ حفص في النحل فإنه إنما رفع هناك لأن الناصبَ هناك " سخَّر " وهو قولُه تعالى { وَسَخَّرَ لَكُمُ ٱللَّيْلَ وَٱلْنَّهَارَ وَٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ } ، فلو نصب النجوم ومسخرات لصار اللفظ : سَخَّرها مسخرات ، فيلزم التأكيد فلذلك قطعهما على الأول ورفعهما جملةً مستقلة . والجمهورُ يخرِّجونها على الحال المؤكدة وهو مستفيضٌ في كلامهم ، أو على إضمار فعل قبل " والنجوم " أي : وجعل النجوم مسخرات ، أو يكون " مسخرات " جمع مُسَخَّر المراد به المصدر ، وجُمِع باعتبار أنواعه كأنه قيل : وسخَّر لكم الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم تسخيرات أي أنواعاً من التسخير . وقوله : { بِأَمْرِهِ } متعلق بمسخرات أي بتيسيره وإرادته لها في ذلك . ويجوز أن تكون الباءُ للحال أي : مصاحبةً لأمره غيرَ خارجةٍ عنه في تسخيرها . وقوله : { لَهُ ٱلْخَلْقُ وَٱلأَمْرُ } يجوز أن يكون مصدراً على بابه ، وأن يكونَ واقعاً موقع المفعول به .