Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 89-89)
Tafsir: ad-Durr al-maṣūn fī ʿulūm al-kitāb al-maknūn
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { إِنْ عُدْنَا } : شرطٌ جوابه محذوف عند الجمهور أي : فقد افترَيْنا ، حُذِفَ لدلالةِ ما تقدَّم عليه ، وعند أبي زيد والمبرد والكوفيين هو قولُه : " فقد افترَيْنا " ، وهو مردودٌ بأنه لو كان جواباً بنفسه لوَجَبَتْ فيه الفاء . وقال أبو البقاء : " قد افترَيْنا بمعنى المستقبل لأنه لم يقع وإنما سَدَّ مَسَدَّ جواب " إنْ عُدْنا " وساغَ دخولُ " قد " هنا لأنهم نَزَّلوا الافتراءَ عند العَوْد منزلةَ الواقع فَقَرنوه بقد ، وكأنَّ المعنى : قد افترَيْنا الآن إن هَمَمْنا بالعَوْد " . وفي هذه الجملةِ وجهان ، أحدهما : أنها استئنافُ إخبارٍ فيه معنى التعجب ، قاله الزمخشري كأنه قيل : ما أَكْذَبَنا على الله إن عُدْنا في الكفر . والثاني : أنها جوابُ قسمٍ محذوف حُذِفَت اللامُ منه ، والتقديرُ : واللهِ لقد افترينا ، ذكره الزمخشري أيضاً . وجعله ابن عطية احتمالاً وأنشد : @ 2247ـ بَقَّيْتُ ما لي وانحرَفْتُ عن العُلَى ولَقِيْتُ أضيافي بوجهِ عبوس @@ قال : " كما تقول " افتريْتُ على الله إن كلَّمت فلاناً " ولم يُنْشِدْ ابن عطية البيتَ الذي بعد هذا وهو محلًُّ الفائدة لأنه مشتملٌ على الشرط وهو : @ إنْ لم أَشُنَّ على ابنِ هندٍ غارةً لم تَخْلُ يوماً من نهابِ نفوسِ @@ قوله : { بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا } منصوبٌ بـ " نعود " أي : ما يكون ولا يستقيمُ لنا عَوْدٌ بعد أن حصل لنا التنجيةُ منها . قوله : { إِلاَّ أَن يَشَآءَ } في هذا الاستثناء وجهان ، أحدهما : أنه متصل . والثاني : أنه منقطعٌ . ثم القائلون بالاتصال مختلفون فمنهم مَنْ قال : هو مستثنى من الأوقات العامة والتقدير : وما يكونُ لنا أن نعود فيها في وقتٍ من الأوقات إلا في وقت مشيئة الله ذلك ، وهذا متصورٌ في حَقِّ مَنْ عدا شعيباً ، فإن الأنبياءَ لا يشاء الله ذلك لهم لأنه عَصَمهم . ومنهم مَنْ قال : هو مستثنى من الأحوال العامة . والتقدير : ما يكونُ لنا أن نعودَ فيها في كل حال إلا في حال مشيئة الله تعالى . وقال ابن عطية : " ويُحتمل أن يريدَ استثناءَ ما يمكن أن يَتَعَبَّد الله به المؤمنين ممَّا تفعلُه الكفرةُ من القُرُبات فلمَّا قال لهم : إنَّا لا نعودُ في مِلَّتكم ، ثم خشي أن يُتَعَبَّد الله بشيءٍ من أفعال الكفرة فيعارض ملحدٌ بذلك ويقول : هذه عودةٌ إلى مِلَّتِنا استثنى مشيئة الله فيما يمكن أن يُتَعَبَّدَ به " . قال الشيخ : " وهذا الاحتمالُ لا يَصِحُّ لأن قوله : " بعد إذ نجَّانا اللهُ منها " إنما يعني النجاة من الكفر والمعاصي لا من أعمال البِرِّ " . قلت : قد حكى ابن الأنباري هذا القولَ عن المعتزلة الذين لا يؤمنون بالإِرادة ثم قال : " وهذا القول مُتَنَاوَلُهُ بعيد ، لأنَّ فيه تبعيضَ الملة " وقيل : هذا استثناء على سبيل التسليم والتأدُّب . قال ابن عطية : " ويقلق هذا التأويلُ من جهةِ استقبالِ الاستثناء ، ولو كان الكلام " إلا إنْ شاء " قوي هذا التأويل " . وهذا الذي قاله سهوٌ لأنَّ الماضيَ يتخلَّص للاستقبال بعد " إنْ " الشرطية ، كما يتخلَّص المضارع له بأَنْ المصدرية . وقيل : الضمير في قوله " فيها " ليس عائداً على المِلَّة بل عائدٌ على الفِرْية ، والتقدير : وما يكون أن نعودَ في الفِرْية إلا أن يشاءَ ربنا . وهو حَسَنٌ لولا بُعْدُه . وكرَّر هنا قوله " بيننا وبين قومنا " بخلاف / قوله { حَتَّىٰ يَحْكُمَ ٱللَّهُ بَيْنَنَا } [ الأعراف : 87 ] زيادةً في تأكيد تمييزه ومَنْ تبعه مِنْ قومه . وقد تقدَّم أن الفتح الحُكْم بلغة حِمْير ، وقيل بلغة مُراد وأنشد : @ 2248ـ ألا أبلغْ بني عُصْمٍ رَسُولاً بأنِّي عن فَتَاحَتِكُمْ غنيُّ @@ قوله : " عِلْماً " نصبٌ على التمييز وهو منقولٌ من الفاعلية ، تقديره : وَسِعَ علمُ ربِّنا كلَّ شيء كقوله تعالى : { وَٱشْتَعَلَ ٱلرَّأْسُ شَيْباً } [ مريم : 4 ] .