Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 8, Ayat: 60-60)

Tafsir: ad-Durr al-maṣūn fī ʿulūm al-kitāb al-maknūn

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { مِّن قُوَّةٍ } : في محلِّ نصبٍ على الحال ، وفي صاحبها وجهان أحدهما : أنه الموصولُ . والثاني : أنه العائد عليه ، إذ التقدير : ما استطعتموه حال كونه بعضَ القوة . ويجوز أن تكون " مِنْ " لبيان الجنس . و " رباط " جوَّزوا فيه أن يكون جمعاً لـ " رَبْط " مصدر رَبَط يَرْبُط نحو : كَعْب وكِعاب ، وكلب وكِلاب ، وأن يكون مصدراً لـ " رَبَط " نحو : صاح صِياحاً قالوا : لأن مصادر الثلاثي لا تنقاس ، وأن يكونَ مصدرَ " رابط " . ومعنى المفاعلة أنَّ ارتباط الخيل يفعله كلُّ واحد لفعل الآخر ، فيرابط المؤمنون بعضهم بعضاً ، قال معناه ابن عطية . قال الشيخ : " قوله " مصادرُ الثلاثي غيرِ المزيد لا تنقاس " ليس بصحيح ، بل لها مصادرُ منقاسةٌ ذكرها النحويون " قلت : في المسألة خلافٌ مشهور ، وهو لم ينقل الإِجماعَ على عَدَمِ القياس حتى يَرُدَّ عليه بالخلاف ، فإنه قد يكون اختار أحدَ المذاهب وقال به ، فلا يُردُّ عليه بالقول الآخر . وقال الزمخشري : " والرِّباط : اسم للخيل التي تُرْبَطُ في سبيل الله ، ويجوز أن يُسَمَّى بالرباط الذي هو بمعنى المرابطة ، ويجوز أن يكونَ جمعَ رَبيط ، يعني بمعنى مربوط كفَصِيل وفِصال " . والمصدر هنا مضافٌ لمفعول له . قوله : " تُرْهبون " يجوز أن يكونَ حالاً من فاعل " أعِدُّوا " أي : حَصِّلوا لهم هذا حالَ كونكم مُرْهِبين ، وأن يكون حالاً من مفعوله وهو الموصولُ أي : أعِدُّوه مُرْهَباً به ، وجاز نسبتُه لكلٍّ منها لأنَّ في الجملة ضميرَيْهما ، هذا إذا أَعَدْنا الضمير من " به " على " ما " الموصولة . أمَّا إذا أَعَدْناه على الإِعدادِ المدلول عليه بأَعِدُّوا ، أو على الرِّباط ، أو على القوة بتأويل الحَوْل فلا يتأتَّى مجيئُها من الموصول . ويجوز أن يكون حالاً من ضمير " لهم " كذا نقله الشيخ عن غيره فقال : " وتُرْهبون قالوا : حال من ضمير " أعِدُّوا " أو من ضمير " لهم " ولم يَتَعَقَّبْه بنكير ، وكيف يَصِحُّ جَعْلُه حالاً من الضمير في " لهم " ولا رابط بينهما ؟ ولا يصِحُّ تقديرُ ضمير في جملة " تُرْهبون " لأَخْذِه معمولَه . وقرأ الحسن ويعقوب ورواها ابن عقيل عن أبي عمرو " تُرَهِّبون " مضعَّفاً عدَّاه بالتضعيف كما عدَّاه العامة بالهمزة ، والمفعول الثاني على كلتا القراءتين محذوف لأن الفعل قبل النقل بالهمزة / أو بالتضعيف متعدٍّ لواحد نحو : رَهَّبْتُك ، والتقدير : تُرَهِّبون عدوَّ الله قتالكم أو لقاءَكم . وزعم أبو حاتم أنَّ أبا عمرو نَقَلَ قراءةَ الحسن بياء الغيبة وتخفيف " يُرْهبون " وهي قراءة واضحة ، فإن الضميرَ حينئذٍ يَرْجع إلى من يرجع إليه ضمير " لهم " ، فإنهم إذا خافوا خَوَّفوا مَنْ وراءهم . وقرأ الحسن وأبو حيوة ومالك بن دينار " ومن رُبُط " بضمتين ، وعن الحسن أيضاً رُبْط بضم وسكون ، وذلك نحو كتاب وكُتُب . قال ابن عطية : " وفي جَمْعِه وهو مصدرٌ غيرُ مختلفٍ نظرٌ " . قلت : لا نُسَلِّم والحالةُ هذه أنه مصدر ، بل حكى أبو زيد أن " رِباطاً " الخَمْسُ من الخيل فما فوقَها وأن جمعها " رُبُط " ، ولو سُلِّم أنه مصدرٌ فلا نُسَلِّم أنه لم تختلف أنواعُه ، وقد تقدَّم أن " رباطاً " يجوز أن يكون جمعاً لرَبْط المصدر ، فما كان جواباً هناك فهو جوابٌ هنا . قوله : { عَدْوَّ ٱللَّهِ } العامَّة قرؤوه بالإِضافة ، وقرأه السلميُّ منوناً ، و " لله " بلام الجر ، وهو مفرد والمراد به الجنس فمعناه أعداء لله . قال صاحب " اللوامح " : " وإنما جَعَله نكرةً بمعنى العامَّة ، لأنها نكرة أيضاً لم تتعرَّفْ بالإِضافة إلى المعرفة ؛ لأنَّ اسم الفاعل بمعنى الحال أو الاستقبال ، ولا يتعرَّف ذلك وإن أُضيف إلى المعارف ، وأمَّا " وعدوَّكم " فيجوز أن يكونَ كذلك نكرةً ، ويجوز أن يتعرَّف لأنه قد أُعيد ذِكْره ، ومثله : " رأيت صاحباً لكم ، فقال لي صاحبكم " . يعني أن " عدوَّاً " يجوز أن يُلْمَحَ فيه الوصفُ فلا يتعرَّفُ وأن لا يُلْمَحَ فيتعرَّفَ . قوله : { وَآخَرِينَ } نسقٌ على " عدو الله " و " من دونهم " صفةٌ لـ " آخرين " . قال ابن عطية : " من دونهم " بمنزلة قولك " دون أن يكون هؤلاء " فـ " دون " في كلام العرب و " من دون " تقتضي عدمَ المذكور بعدها من النازلة التي فيها القول ، ومنه المثل : " وأُمِرَّ دون عُبَيْدَةَ الوَذَمُ " يعني أن الظرفيةَ هنا مجازية ، لأن " دون " لا بد أن تكونَ ظرفاً حقيقةً أو مجازاً . قوله : { لاَ تَعْلَمُونَهُمُ ٱللَّهُ يَعْلَمُهُمْ } في هذه الآية قولان ، أحدهما : أنَّ " علم " هنا متعديةٌ لواحدٍ ، لأنها بمعنى عرف ولذلك تَعَدَّتْ لواحد . والثاني : أنها على بابها فتتعدى لاثنين ، والثاني : محذوف ، أي : لا تَعْلَمونهم قارعين أو محاربين . ولا بد هنا من التنبيه على شيء : وهو أن هذين القولين لا يجوز أن يكونا في قوله " الله يَعْلمهم " ، بل يجب أن يقال : إنها المتعدية إلى اثنين ، وإن ثانيهما محذوف ، لِما تقدم لك من الفرق بين العِلْم والمعرفة ، منها : أنَّ المعرفة تستدعي سَبْقَ جهل ، ومنها : أن متعلقها الذوات دون النسب ، وقد نصَّ العلماء على أنه لا يجوز أن يُطْلَقَ ذلك أعني الوصفيةَ بالمعرفةِ على الله تعالى .