Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 91, Ayat: 5-5)
Tafsir: ad-Durr al-maṣūn fī ʿulūm al-kitāb al-maknūn
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { وَمَا بَنَاهَا } : وما بعدَه ، فيه وجهان ، أحدُهما : أنَّ " ما " موصولةٌ بمعنىٰ الذي ، وبه استشهد مَنْ يُجَوِّزُ وقوعَها على آحادِ أولي العلم ؛ لأنَّ المرادَ به الباري تعالى ، وإليه ذهب الحسنُ ومجاهدٌ وأبو عبيدةَ ، واختاره ابن جرير . والثاني : أنها مصدريةٌ ، أي : وبناءِ السماء ، وإليه ذهبَ الزجَّاج والمبرد ، وهذا بناءً منهما على أنها مختصةٌ بغيرِ العقلاءِ ، واعْتُرِضَ على هذا القولِ : بأنَّه يَلْزَمُ أَنْ يكونَ القَسَمُ بنفسِ المصادر : بناءِ السماء وطَحْوِ الأرضِ وتَسْويةِ النفس ، وليس المقصودُ إلاَّ القَسَمَ بفاعلِ هذه الأشياءِ وهو الرَّبُّ تبارك وتعالىٰ . وأُجِيب عنه بوجهَيْن ، أحدُهما : يكونُ على حَذْفِ مضافٍ ، أي : وربِّ - أو باني - بناءِ السماء ونحوه . والثاني : أنه لا غَرْوَ في الإِقسام بهذه الأشياء كما أَقْسم تعالىٰ بالصبح ونحوه . وقال الزمخشري : " جُعِلَتْ مصدريةً وليس بالوجهِ لقولِه " فأَلْهمها " وما يؤدي إليه مِنْ فسادِ النظم . والوجهُ أَنْ تكونَ موصولةً ، وإنما أُوْثِرَتْ على " مَنْ " لإِرادة معنى الوصفية كأنه قيل : والسماءِ والقادرِ العظيم الذي بناها ، ونفس والحكيمِ الباهرِ الحكمةِ الذي سَوَّاها . وفي كلامهم : " سبحانَ ما سَخَّرَكُنَّ لنا " انتهى . يعني أنَّ الفاعلَ في " فألهمها " عائدٌ على اللَّهِ تعالىٰ فليكُنْ في " بناها " كذلك ، وحينئذٍ يَلْزَمُ عَوْدُه على شيءٍ وليس هنا ما يمكنُ عَوْدُه عليه غيرُ " ما " فتعيَّنَ أَنْ تكونَ موصولةً . وقال الشيخ : " أمَّا قولُه : " وليس بالوجهِ لقولِه " فَأَلْهمها " يعني مِنْ عَوْدِ الضمير في " فَأَلْهمها " على الله تعالىٰ ، فيكونُ قد عاد على مذكورٍ وهو " ما " المرادُ به الذي . قال : " ولا يَلْزَمُ ذلك ؛ لأنَّا إذا جَعَلْناها مصدريةً عاد الضميرُ على ما يُفْهَمُ مِنْ سياق الكلامِ ، ففي " بناها " ضميرٌ عائدٌ على الله تعالىٰ ، أي : وبناها هو ، أي : الله تعالىٰ ، كما إذا رأيتَ زيداً قد ضرب عَمْراً فتقول : " عجبتُ مِمَّا ضَرَبَ عمراً " تقديره : مِنْ ضَرْبِ عمروٍ هو ، كان حسناً فصيحاً جائزاً ، وعَوْدُ الضمير على ما يُفْهَمُ مِنْ سياقِ الكلامِ كثيرٌ وقوله : " وما يُؤدِّي إليه مِنْ فسادِ النظم " ليس كذلك ، ولا يُؤدِّي جَعْلُها مصدريةً إلى ما ذُكِرَ ، وقوله : " وإنما أُوْثِرَتْ " إلى آخره لا يُراد بما ولا بمَنْ الموصولتين معنى الوصفيةِ ؛ لأنهما لا يُوْصفُ بهما بخلاف " الذي " فاشتراكُهما في أنَّهما لا يُؤَدِّيان معنىٰ الوصفيةِ موجودٌ بينهما فلا تنفردُ به " ما " دون " مَنْ " وقوله : : وفي كلامِهم " إلى آخره تَأَوَّله أصحابُنا علىٰ أنَّ " سبحان " عَلَم و " ما " مصدريةٌ ظرفيةٌ " انتهى . أمَّا ما رَدَّ به عليه مِنْ كونِه يعود على ما يُفْهَمُ من السِّياق فليس يَصْلُح رَدَّاً ، لأنه إذا دار الأمرُ بين عَوْدِه على ملفوظٍ به وبينَ غيرِ ملفوظٍ به فعَوْدُه على الملفوظِ به أَوْلىٰ لأنَّه الأصلُ . وأمَّا قولُه : فلا تنفرد به " ما " دونَ " مَنْ " فليس مرادُ الزمخشري أنها تُوْصَفُ بها وصْفاً صريحاً ، بل مُرادُه أنها تقعُ على نوعِ مَنْ يَعْقل ، وعلى صفتِه ، ولذلك مَثَّل النَّحْويون ذلك بقوله : { فَٱنكِحُواْ مَا طَابَ } [ النساء : 3 ] ، وقالوا : تقديره : فانْكِحُوا الطيِّبَ مِنْ النساءِ ، ولا شكَّ أن هذا الحكمَ تَنْفَرِدُ به " ما " دون مَنْ . والتنكيرُ في " نفس " : إمَّا لتعظيمِها ، أي ، نفس عظيمة ، وهي نفسُ آدمَ ، وإمَّا للتكثيرِ كقولِه : { عَلِمَتْ نَفْسٌ } [ الانفطار : 5 ] .