Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 10, Ayat: 90-109)

Tafsir: Ṣawfat at-tafāsīr: tafsīr li-l-Qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

المنََاسَبَة : لمّا ذكر تعالى دعاء موسى على فرعون لطغيانه ، ذكر هنا ما حدث لفرعون وجنوده من الإِغراق في البحر نتيجة البغي والعدوان ، وأن إِيمانه لم ينفعه لأنه إِيمان المضطر ، ثم ذكر قصة يونس وتوبة الله تعالى على قومه ، وختم السورة الكريمة ببيان حقيقة التوحيد ، وأن الإِنسان لا ينجيه عند الله إِلا الإِيمان . اللغَة : { بَوَّأْنَا } أنزلنا وأسكنّا { ٱلْمُمْتَرِينَ } الشاكّين ، امترى : شكَّ وارتاب { فَلَوْلاَ } لولا للتحضيض بمعنى هلاّ { ٱلرِّجْسَ } العذاب أو السخط { حَنِيفاً } مائلاً عن الأديان الباطلة كلِّها { يَمْسَسْكَ } يصبك { كَاشِفَ } دافع ومزيل يقال : كشف السوء أي أزاله { بِوَكِيلٍ } بحفيظ موكول إِليَّ أمركم . التفسِير : { وَجَاوَزْنَا بِبَنِيۤ إِسْرَائِيلَ ٱلْبَحْرَ } أي قطعنا وعدَّينا ببني إِسرائيل البحر " بحر السويس " حتى جاوزوه { فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْياً وَعَدْواً } أي لحقهم فرعونُ مع جنوده ظلماً وعدواناً وطلباً للاستعلاء بغير حق { حَتَّىٰ إِذَآ أَدْرَكَهُ ٱلْغَرَقُ } أي حتى إِذا أحاط به الغرق وأيقن بالهلاك { قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لاۤ إِلِـٰهَ إِلاَّ ٱلَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنوۤاْ إِسْرَائِيلَ } أي قال عندئذٍ أقررتُ وصدقتُ بأنه لا إِله إِلا اللهُ ربُّ العالمين ، الذي آمنت وأقرت به بنو إِسرائيل { وَأَنَاْ مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ } تأكيدٌ لدعوى الإِيمان أي وأنا ممَّن أسلم نفسه لله ، وأخلص في إِيمانه قال ابن عباس : جعل جبريل عليه السلام في فم فرعون الطين مخافة أن تدركه الرحمة { آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ ٱلْمُفْسِدِينَ } أي آلآن تؤمن حين يئست من الحياة ، وقد عصيت الله قبل نزول نقمته بك ، وكنتَ من الغالين في الضلال والإِضلال والصدِّ عن دين الله ؟ { فَٱلْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ } أي فاليوم نخرجك من البحر بجسدك الذي لا روح فيه { لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً } أي لتكون عبرةً لمن بعدك من الناس ، ومن الجبابرة والفراعنة ، حتى لا يطغوا مثل طغيانك قال ابن عباس : إِن بعض بني إِسرائيل شكّوا في موت فرعون ، فأمر الله البحر أن يلقيه بجسده سوياً بلا روح ليتحققوا موته وهلاكه { وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ ٱلنَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ } أي معرضون عن تأمل آياتنا لا يتفكرون فيها ولا يعتبرون بها { وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ } أي أنزلنا وأسكنا بني إِسرائيل بعد إِهلاك أعدائهم منزلاً صالحاً مرضياً { وَرَزَقْنَاهُمْ مِّنَ ٱلطَّيِّبَاتِ } أي اللذائذ الطيبة النافعة { فَمَا ٱخْتَلَفُواْ حَتَّىٰ جَآءَهُمُ ٱلْعِلْمُ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ } أي فما اختلفوا في أمر الدين إِلا من بعد ما جاءهم العلم وهو التوراة التي فيها حكم الله ، وهذا ذمٌ لهم لأن اختلافهم كان بسبب الدين ، والدينُ يجمع ولا يفرّق ، ويوحّد ولا يشتت وقال الطبري : كانوا قبل أن يُبعث محمد صلى الله عليه وسلم مجمعين على نبوته ، والإِقرار بمبعثه ، فلما جاءهم ما عرفوا كفر به بعضهم ، وآمن البعض ، فذلك اختلافهم { فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّآ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ } هذا على سبيل الفرض والتقدير : أي إِن فرض أنك شككت فاسأل قال ابن عباس : لم يشك النبي صلى الله عليه وسلم ولم يسأل وقال الزمخشري : هذا على الفرض والتمثيل كأنه قيل : فإِن وقع شكٌ مثلاً ، وخيَّل لك الشيطان خيالاً تقديراً فسل علماء أهل الكتاب ، وفرقٌ عظيم بين قوله { وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ } [ فصلت : 45 ] بإِثبات الشك على سبيل التأكيد والتحقيق وبين قوله { فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ } بمعنى الفرض والتمثيل وقال بعضهم : الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم والمراد غيره { فَاسْأَلِ ٱلَّذِينَ يَقْرَءُونَ ٱلْكِتَابَ مِن قَبْلِكَ } أي اسأل أهل الكتاب الذين يعرفون التوراة والإِنجيل ، فإِن ذلك محقَّق عندهم كما قصصنا عليك ، والغرضُ دفع الشك عن قصص القرآن { لَقَدْ جَآءَكَ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ } أي جاءك يا محمد البيانُ الحق ، والخبر الصادق ، الذي لا يعتريه شك { فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُمْتَرِينَ } أي فلا تكن من الشاكين المرتابين { وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِ ٱللَّهِ } أي لا تكذّبْ بشيءٍ من آيات الله { فَتَكُونَ مِنَ ٱلْخَاسِرِينَ } أي فتصبح ممن خسر دنياه وآخرته ، قال البيضاوي : وهذا من باب التهييج والتثبيت وقطع أطماع المشركين عنه وقال القرطبي : الخطابُ في هاتين الآيتين للنبي صلى الله عليه وسلم والمراد غيره { إِنَّ ٱلَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ } أي وجبت عليهم كلمة العذاب بإِرادة الله الأزلية { لاَ يُؤْمِنُونَ وَلَوْ جَآءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ } أي لا يصدقون ولا يؤمنون أبداً ولو جاءتهم البراهين والمعجزات { حَتَّىٰ يَرَوُاْ ٱلْعَذَابَ ٱلأَلِيمَ } أي فحينئذٍ يؤمنون كما آمن فرعون ولكن لا ينفعهم الإِيمان { فَلَوْلاَ كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَآ إِيمَانُهَا } أي فهلاّ كانت قرية واحدة من القرى التي أهلكناها ، تابتْ عن الكفر وأخلصت الإِيمان عند معاينة العذاب فنفعها إِيمانها في ذلك الوقت { إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ } أي غير قوم يونس { لَمَّآ آمَنُواْ كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ ٱلخِزْيِ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا } أي لما تابوا عن الكفر وآمنوا بالله رفعنا عنهم العذاب المخزي المهين في الحياة الدنيا { وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَىٰ حِينٍ } أي أخرناهم إِلى انتهاء آجالهم قال قتادة : روي أن يونس أنذرهم بالعذاب ثم خرج من بين أظهرهم ، فلما فقدوا نبيَّهم وظنوا أن العذاب قد دنا منهم ، قذف الله في قلوبهم التوبة ولبسوا المُسُوح ، فلما عرف الله الصدق من قلوبهم ، والتوبة والندم على ما مضى منهم ، كشف الله عنهم العذاب { وَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي ٱلأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً } أي لو أراد الله لآمن الناس جميعاً ، ولكنْ لم يشأ ذلك لكونه مخالفاً للحكمة ، فإِنه تعالى يريد من عباده إِيمان الاختيار ، لا إِيمان الإِكراه والاضطرار { أَفَأَنتَ تُكْرِهُ ٱلنَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ } ؟ أي أفأنت يا محمد تُكره الناس على الإِيمان ، وتضطرهم إِلى الدخول في دينك ؟ ليس ذلك إِليك ، والآية تسليةٌ له صلى الله عليه وسلم وترويحٌ لقلبه مما كان يحرص عليه من إِيمانهم قال ابن عباس : كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم حريصاً على إِيمان جميع الناس ، فأخبره تعالى أنه لا يؤمن إِلا من سبقت له السعادة في الذّكر الأول ، ولا يضلُّ إِلا من سبقت له الشقاوة في الذكر الأول { وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تُؤْمِنَ إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ } أي ما كان لأحدٍ أن يؤمن إِلا بإِرادته تعالى وتوفيقه { وَيَجْعَلُ ٱلرِّجْسَ عَلَى ٱلَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ } أي ويجعل العذاب على الذين لا يتدبرون آيات الله ، ولا يستعملون عقولهم فيما ينفع { قُلِ ٱنظُرُواْ مَاذَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } أي قل يا محمد لهؤلاء الكفار : انظروا نظر تفكر واعتبار ، ما الذي في السماوات والأرض من الآيات الدالة على وحدانيته وكمال قدرته سبحانه ؟ { وَمَا تُغْنِي ٱلآيَاتُ وَٱلنُّذُرُ عَن قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ } أي وما تنفع الآيات والإِنذارات قوماً سبق لهم من الله الشقاء { فَهَلْ يَنتَظِرُونَ إِلاَّ مِثْلَ أَيَّامِ ٱلَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِهِمْ } أي فهل ينتظر مشركو مكة إِلا مثل أيام أسلافهم ، وما حلَّ بهم من العذاب والنكال ؟ { قُلْ فَٱنْتَظِرُوۤاْ إِنِّي مَعَكُمْ مِّنَ ٱلْمُنْتَظِرِينَ } أي قل لهم يا محمد : انتظروا عاقبة البغي والتكذيب إِني من المنتظرين هلاككم ودماركم { ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ كَذَلِكَ } أي ثم إِذا نزل العذاب بالمكذبين نُنجّي الرسل والمؤمنين إِنجاءً مثل ذلك الإِنجاء { حَقّاً عَلَيْنَا نُنجِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } أي حقاً ثابتاً علينا من غير شك قال الربيع بن أنس : خوَّفهم عذابه ونقمته ، ثم أخبرهم أنه إِذا وقع من ذلك أمرٌ أنجى الله رسله والذين آمنوا معه { قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي شَكٍّ مِّن دِينِي } أي قل يا محمد لهؤلاء المشركين من قومك إِن كنتم في شك من حقيقة ديني وصحته { فَلاَ أَعْبُدُ ٱلَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ } أي فلا أعبد ما تعبدون من الأوثان والأصنام التي لا تنفع ولا تضر { وَلَـٰكِنْ أَعْبُدُ ٱللَّهَ ٱلَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ } أي ولكني أعبد الله الذي يتوفاكم ، وبيده محياكم ومماتكم ، قال الطبري : وهذا تعريضٌ ولحنٌ من الكلام لطيف ، وكأنه يقول : لا ينبغي لكم أن تشكّوا في ديني ، وإِنما ينبغي أن تشكّوا في عبادة الأصنام التي لا تعقل ولا تضر ولا تنفع ، فأما إِلهي الذي أعبده فهو الذي يقبض الخلق وينفع ويضر { وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } أي وأنا مأمور بأن أكون مؤمناً موحّداً لله لا أشرك معه غيره { وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً } أي وأمرتُ بالاستقامة في الدين ، على الحنيفية السمحة ملةِ إِبراهيم { وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } أي ولا تكوننَّ ممن يشرك في عبادة ربه { وَلاَ تَدْعُ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لاَ يَنفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ } تأكيدٌ للنهي المذكور أي ولا تعبدْ غير الله ممّا لا ينفع ولا يضر كالآلهة والأصنام { فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِّنَ ٱلظَّالِمِينَ } أي فإِن عبدتَ تلك الآلهة المزعومة كنت ممن ظلم نفسه لأنك عرضتها لعذاب الله ، والخطابُ هنا للرسول صلى الله عليه وسلم والمراد غيره كما تقدم { وَإِن يَمْسَسْكَ ٱللَّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ } أي وإِن أراد الله إِصابتك بضُرّ فلا دافع له إِلا هو وحده { وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَآدَّ لِفَضْلِهِ } أي وإِن أراد إِصابتك بنعمة أو رخاء فلا يمنعه عنك مانع { يُصَيبُ بِهِ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ } أي يصيب بهذا الفضل والإِحسان من شاء من العباد { وَهُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ } أي هو سبحانه الغفور لذنوب العباد ، الرحيم بأهل الرشاد { قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ قَدْ جَآءَكُمُ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ } أي جاءكم القرآن العظيم المشتمل على محاسن الأحكام { فَمَنِ ٱهْتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ } أي من اهتدى بالإِيمان فمنفعة اهتدائه لها خاصة { وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا } أي ومن ضلَّ بالكفر والإِعراض فوبال الضلال مقصور عليها { وَمَآ أَنَاْ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ } أي ولستُ بحفيظ أحفظ عليكم أعمالكم إِنما أنا بشيرٌ ونذير { وَٱتَّبِعْ مَا يُوحَىٰ إِلَيْكَ } أي اتّبعْ يا محمد في جميع شئونك ما يوحيه إِليك ربك { وَٱصْبِرْ حَتَّىٰ يَحْكُمَ ٱللَّهُ } أي اصبر على ما يعتريك من مشاقّ التبليغ حتى يقضي الله بينك وبينهم { وَهُوَ خَيْرُ ٱلْحَاكِمِينَ } أي هو سبحانه خير من يفصل في الحكومة ، والآية تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم ووعيدٌ للمشركين . البَلاَغَة : 1 - { آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ } الاستفهام للتوبيخ والإِنكار . 2 - { بَوَّأْنَا … مُبَوَّأَ } يبنهما جناس الاشتقاق . 3 - { كَلِمَتُ رَبِّكَ } كناية عن القضاء والحكم الأزلي بالشقاوة . 4 - { ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا } صيغة المضارع حكاية عن الماضي لتهويل أمرها باستحضار صورتها . 5 - { مَا لاَ يَنفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ } بينهما طباق . 6 - { وَإِن يَمْسَسْكَ ٱللَّهُ بِضُرٍّ … وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ } بين الجملتين مقابلة لطيفة وهي من المحسنات البديعية . 7 - { فَمَنِ ٱهْتَدَىٰ … وَمَن ضَلَّ } بينهما طباقٌ . 8 - { يَحْكُمَ ٱللَّهُ … ٱلْحَاكِمِينَ } بينهما جناس الاشتقاق . فَائِدَة : قال الإِمام الفخر : آمن فرعون ثلاث مرات : أولها قوله { آمَنتُ } وثانيها قوله { لاۤ إِلِـٰهَ إِلاَّ ٱلَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنوۤاْ إِسْرَائِيلَ } وثالثها قوله { وَأَنَاْ مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ } فما السبب في عدم قبول إِيمانه ؟ والجواب : أنه إِنما آمن عند نزول العذاب ، والإِيمانُ في هذا الوقت غير مقبول ، لأنه يصير الحال حال الإِلجاء فلا ينفع التوبة ولا الإِيمان قال تعالى { فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا … } [ غافر : 85 ] . تنبيهْ : قال المفسرون : إِنما نجّى الله بدن فرعون بعد الغرق ، لأن قوماً اعتقدوا فيه الإِلهية ، وزعموا أن مثله لا يموت ، فأراد الله أن يشاهده الخلق على ذلك الذل والمهانة ، ليتحققوا موته ، ويعرفوا أن الذي كان بالأمس في نهاية الجلالة والعظمة قد آل أمره إِلى الذل والهوان ، فيكون عبرة للخلق ، وزجراً لأهل الطغيان .