Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 10, Ayat: 71-89)

Tafsir: Ṣawfat at-tafāsīr: tafsīr li-l-Qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

المنَاسَبَة : لما ذكر تعالى الدلائل الدالة على وحدانيته ، وذكر ما جرى بين الرسول صلى الله عليه وسلم وكفار مكة ، ذكر هنا بعض قصص الأنبياء ، تسلية للرسول صلى الله عليه وسلم ليتأسى بهم فيهون عليه ما يلقاه من الشدائد والمكاره ، وقد ذكر تعالى هنا ثلاث قصص : 1 - قصة نوح عليه السلام مع قومه 2 - قصة موسى وهارون مع الطاغية فرعون 3 - قصة يونس مع قومه ، وفي كل قصة عبرةٌ لمن اعتبر ، وذكرى لمن تدبر . اللغَة : { كَبُرَ } قال الواحدي : كَبِرَ يكْبَرُ كِبَراً في السنِّ ، وكبُر الأمرُ والشيءُ يكبُرُ كُبْراً وكُبَارةً إِذا عَظُم { فَأَجْمِعُوۤاْ } الإِجماع : الإِعداد والعزيمة على الأمر وأنشد الفراء : @ يا ليتَ شعري والمُنَى لا ينفعُ هلْ أغْدونْ يوماً وأمري مُجْمعُ @@ { غُمَّةً } مبهماً من قولهم غُمَّ علينا الهلال فهو مغموم إِذا التبس واستتر قال طَرفة : @ لعمرك ما أمري عليَّ بِغُمَّةٍ نهاري ولا ليلي عليَّ بسَرْمَد @@ { نَطْبَعُ } نختم { تَلْفِتَنَا } تصرفنا وتلوينا واللفت : الصرف عن أمرٍ وأصله الليُّ يقال لفت عنقه إِذا لواها { ٱلْكِبْرِيَآءُ } العظمة والملك والسلطان { عَالٍ } عاتٍ متكبر { ٱلْمُسْرِفِينَ } المجاوزين الحد في الضلال والطغيان { ٱطْمِسْ } الطمسُ : المسخ قال الزجاج : طمسُ الشيء إِذهابه عن صورته ومنه عينٌ مطموسة . التفسِير : { وَٱتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ } أي اقرأ يا محمد على المشركين من أهل مكة خبر أخيك نوحٍ مع قومه المكذبين { إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يٰقَوْمِ إِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ } أي حين قال لقومه الجاحدين المعاندين يا قوم إِن كان عظُم وشقَّ عليكم { مَّقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ ٱللَّهِ } أي طولُ مقامي ولبثي فيكم ، وتخويفي إِياكم بآيات ربكم ، وعزمتم على قتلي وطردي { فَعَلَى ٱللَّهِ تَوَكَّلْتُ } أي على الله وحده اعتمدت ، وبه وثقت فلا أبالي بكم { فَأَجْمِعُوۤاْ أَمْرَكُمْ وَشُرَكَآءَكُمْ } أي فاعزموا أمركم وادعوا شركاءكم ، ودبّروا ما تريدون لمكيدتي { ثُمَّ لاَ يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً } أي لا يكن أمركم في شأني مستوراً بل مكشوفاً مشهوراً ، { ثُمَّ ٱقْضُوۤاْ إِلَيَّ وَلاَ تُنظِرُونَ } أي أَنْفذوا ما تريدونه في أمري ولا تؤخروني ساعة واحدة ، قال أبو السعود : وإِنما خاطبهم بذلك إِظهاراً لعدم المبالاة ، وثقةً بالله وبوعده من عصمته وكلاءته { فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِّنْ أَجْرٍ } أي فإِن أعرضتم عن نصيحتي وتذكيري فليس لأني طلبت منكم أجراً حتى تمتنعوا ، بل لشقاوتكم وضلالكم { إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى ٱللَّهِ } أي ما أطلب ثواباً أو جزاءً على تبليغ الرسالة إِلا من الله ، وما نصحتكم إِلا لوجه الله لا لغرضٍ من أغراض الدنيا { وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ } أي من الموحدين لله تعالى { فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَمَن مَّعَهُ فِي ٱلْفُلْكِ } أي فأصروا واستمروا على تكذيب نوح فنجيناه ومن معه من المؤمنين في السفينة { وَجَعَلْنَاهُمْ خَلاَئِفَ } أي جعلنا من معه من المؤمنين سكان الأرض وخلفاً ممن غرق { وَأَغْرَقْنَا ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا } أي أغرقنا المكذبين بالطوفان { فَٱنْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلْمُنْذَرِينَ } أي انظر يا محمد كيف كان نهاية المكذبين لرسلهم ؟ والغرض : تسلية للرسول صلى الله عليه وسلم والتحذير لكفار مكة أن يحل بهم ما حلَّ بالسابقين { ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِ رُسُلاً إِلَىٰ قَوْمِهِمْ } أي أرسلنا من بعد نوح رسلاً إِلى قومهم يعني هوداً وصالحاً ولوطاً وإِبراهيم وشعيباً { فَجَآءُوهُمْ بِٱلْبَيِّنَاتِ } أي بالمعجزات الواضحات { فَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ بِمَا كَذَّبُواْ بِهِ مِن قَبْلُ } أي ما كانوا ليصدقوا بما جاءتهم به الرسل ، ولم يزجرهم عقاب السابقين { كَذَلِكَ نَطْبَعُ عَلَىٰ قُلوبِ ٱلْمُعْتَدِينَ } أي كذلك نختم على قلوب المجاوزين الحدَّ في الكفر والتكذيب والعناد { ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِمْ مُّوسَىٰ وَهَارُونَ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ } أي بعثنا من بعد أولئك الرسل والأمم موسى وهارون إِلى فرعون وأشراف قومه { بِآيَاتِنَا } أي بالبراهين والمعجزات الباهرة ، وهي الآيات التسع المذكورة في سورة الأعراف { فَٱسْتَكْبَرُواْ وَكَانُواْ قَوْماً مُّجْرِمِينَ } [ الأعراف : 133 ] أي تكبروا عن الإِيمان بها وكانوا مفسدين ، تعوّدوا الإِجرام وارتكاب الذنوب العظام { فَلَمَّا جَآءَهُمُ ٱلْحَقُّ مِنْ عِندِنَا قَالُوۤاْ إِنَّ هَـٰذَا لَسِحْرٌ مُّبِينٌ } أي فلما وضح لهم الحق الذي جاءهم به موسى من اليد والعصا قالوا لفرط عتوهم وعنادهم : هذا سحرٌ ظاهرٌ بيِّن أراد به موسى أن يسحرنا { قَالَ مُوسَىٰ أَتقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جَآءَكُمْ } الاستفهام للإِنكار والتوبيخ أي أتقولون عن هذا الحق إِنه سحرٌ ؟ ثم أنكر عليهم أيضاً باستفهام آخر { أَسِحْرٌ هَـٰذَا } أي أسحرٌ هذا الذي جئتكم به ؟ { وَلاَ يُفْلِحُ ٱلسَّاحِرُونَ } أي والحال أنه لا يفوز ولا ينجح الساحرون { قَالُوۤاْ أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا } أي أجئتنا لتصرفنا وتلوينا عن دين الآباء والأجداد ؟ { وَتَكُونَ لَكُمَا ٱلْكِبْرِيَآءُ فِي ٱلأَرْضِ } أي يكون لك ولأخيك هارون العظمة والملك والسلطان في أرض مصر { وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ } أي ولسنا بمصدقين لكما فيما جئتما به { وَقَالَ فِرْعَوْنُ ٱئْتُونِي بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ } أي ائتوني بكل ساحر ماهر ، عليمٍ بفنون السحر { فَلَمَّا جَآءَ ٱلسَّحَرَةُ قَالَ لَهُمْ مُّوسَىٰ أَلْقُواْ مَآ أَنتُمْ مُّلْقُونَ } في الكلام محذوف تقديره فأتوه بالسحرة فلما جاءوا قال لهم موسى ألقوا ما أنتم ملقون من حبالكم وعصيكم { فَلَمَّآ أَلْقُواْ قَالَ مُوسَىٰ مَا جِئْتُمْ بِهِ ٱلسِّحْرُ } أي ما جئتم به الآن هو السحرُ لا ما اتهمتموني به { إِنَّ ٱللَّهَ سَيُبْطِلُهُ } أي سيمحقه وسيذهب به ويظهر بطلانه للناس { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُصْلِحُ عَمَلَ ٱلْمُفْسِدِينَ } أي لا يصلح عمل من سعى بالفساد { وَيُحِقُّ ٱللَّهُ ٱلْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ } أي يثبت الله الحق ويقوّيه بحججه وبراهينه { وَلَوْ كَرِهَ ٱلْمُجْرِمُونَ } أي ولو كره ذلك الفجرة الكافرون { فَمَآ آمَنَ لِمُوسَىٰ إِلاَّ ذُرِّيَّةٌ مِّن قَوْمِهِ } أي فما آمن مع موسى ولا دخل في دينه ، مع مشاهدة تلك الآيات الباهرة إِلا نفرٌ قليلٌ من أولاد بني إِسرائيل قال مجاهد : هم أولاد الذين أُرسل إِليهم موسى من طول الزمان ومات آباؤهم { عَلَىٰ خَوْفٍ مِّن فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَن يَفْتِنَهُمْ } أي على تخوف وحذر من فرعون وملأه أن يعذبهم ويصرفهم عن دينهم { وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي ٱلأَرْضِ } أي عاتٍ متكبر مفسد في الأرض { وَإِنَّهُ لَمِنَ ٱلْمُسْرِفِينَ } أي المتجاوزين الحدَّ بادعاء الربوبية { وَقَالَ مُوسَىٰ يٰقَوْمِ إِن كُنتُمْ آمَنتُمْ بِٱللَّهِ } أي قال لقومه لما رأى تخوف المؤمنين من فرعون يا قوم إِن كنتم صدقتم بالله وبآياته { فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوۤاْ } أي على الله وحده اعتمدوا فإِنه يكفيكم كل شرٍّ وضُرّ { إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ } أي إِن كنتم مستسلمين لحكم الله منقادين لشرعه { فَقَالُواْ عَلَىٰ ٱللَّهِ تَوَكَّلْنَا } أي أجابوا قائلين : على ربنا اعتمدنا وبه وثقنا { رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ } أي لا تسلّطهم علينا حتى يعذبونا ويفتتنوا بنا فيقولوا : لو كان هؤلاء على الحق لما أصيبوا { وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلْكَافِرِينَ } أي خلِّصنا وأنقذنا بفضلك وإِنعامك من كيد فرعون وأنصاره الجاحدين { وَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰ وَأَخِيهِ أَن تَبَوَّءَا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتاً } أي اتخذا لهم بيوتاً للصلاة والعبادة { وَٱجْعَلُواْ بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً } أي اجعلوها مصلّى تصلون فيها عند الخوف قال ابن عباس : كانوا خائفين فأُمروا أن يصلّوا في بيوتهم { وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ } أي أدوا الصلاة المفروضة في أوقاتها ، بشروطها وأركانها على الوجه الأكمل { وَبَشِّرِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } أي بشّر يا موسى أتباعك المؤمنين بالنصر والغلبة على عدوهم { وَقَالَ مُوسَىٰ رَبَّنَآ إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا } أي قال موسى يا ربنا إنك أعطيت فرعون وكبراء قومه وأشرافهم ، زينةً من متاع الدنيا وأثاثها ، وأنواعاً كثيرة من المال { رَبَّنَا لِيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِكَ } اللام لامُ العاقبة أي آتيتهم تلك الأموال الكثيرة لتكون عاقبة أمرهم إِضلال الناس عن دينك ، ومنعهم عن طاعتك وتوحيدك { رَبَّنَا ٱطْمِسْ عَلَىٰ أَمْوَالِهِمْ } دعاءٌ عليهم أي أهلكْ أموالهم يا ألله وبدِّدْها { وَٱشْدُدْ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ } أي قسِّ قلوبهم واطبع عليها حتى لا تنشرح للإِيمان قال ابن عباس : أي امنعهم الإِيمان { فَلاَ يُؤْمِنُواْ حَتَّىٰ يَرَوُاْ ٱلْعَذَابَ ٱلأَلِيمَ } دعاءٌ عليهم بلفظ النفي أي اللهمَّ فلا يؤمنوا حتى يذوقوا العذاب المؤلم ويوقنوا به حيث لا ينفعهم ذلك ، وإِنما دعا عليهم موسى لطغيانهم وشدة ضلالهم ، وقد علم بطريق الوحي أنهم لن يؤمنوا فدعا عليهم قال ابن عباس : كان موسى يدعو وهارون يؤمّن فنسبت الدعوة إِليهما { قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَّعْوَتُكُمَا } أي قال تعالى قد استجبتُ دعوتكما على فرعون وأشراف قومه { فَٱسْتَقِيمَا } أي اثبتا على ما أنتما عليه من الدعوة إِلى الله وإِلزام الحجة { وَلاَ تَتَّبِعَآنِّ سَبِيلَ ٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ } أي لا تسلكا سبيل الجهلة في الاستعجال أو عدم الاطمئنان بوعد الله تعالى ، قال الطبري : رُوي أنه مكث بعد هذه الدعوة أربعين سنة ثم أغرق الله فرعون . البَلاَغَة : 1 - { فَعَلَى ٱللَّهِ تَوَكَّلْتُ } تقديم ما حقه التأخير لإِفاده الحصر أي على الله لا على غيره . 2 - { وَيُحِقُّ ٱلْحَقَّ } بينهما جناس الاشتقاق . 3 - { لاَ يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً } عبَّر عن الالتباس والستر بالغُمة بطريق الاستعارة أي لا يكن أمركم مغطّى تغطية حيرة ومبهما فيكون كالغمة العمياء . 4 - { وَٱشْدُدْ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ } الشدُّ استعارةٌ عن تغليظ العقاب ، ومضاعفة العذاب . تنبيه : قال ابن كثير : دعوة موسى على فرعون كانت غضباً لله ولدينه كما دعا نوح على قومه فقال { رَّبِّ لاَ تَذَرْ عَلَى ٱلأَرْضِ مِنَ ٱلْكَافِرِينَ دَيَّاراً * إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّواْ عِبَادَكَ } [ نوح : 26 - 27 ] ولهذا استجاب الله لموسى دعوته التي شاركه فيها أخوه هارون ، كما استجاب دعوة نوح عليه السلام .