Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 11, Ayat: 1-24)

Tafsir: Ṣawfat at-tafāsīr: tafsīr li-l-Qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

اللغة : { أُحْكِمَتْ } الإِحكام : المنعُ من الفساد يقال : أحكم الأمر إِذا أتى به على وجه لا يتطرأ إِليه خلل أو فساد { مُسْتَقَرَّهَا } المكان الذي تأوي إِليه في الدنيا { مُسْتَوْدَعَهَا } المكان الذي تصير إِليه بعد الموت { أُمَّةٍ مَّعْدُودَةٍ } الأمة هنا بمعنى المدة من الزمن أي مدة محدودة من السنين قال القرطبي : والأُمَّة اسم مشترك يطلق على ثمانية أوجه : الجماعة ، الملة ، الرجل الجامع للخير ، الحين والزمن ، أتباع الأنبياء الخ { مِرْيَةٍ } شك وارتياب { وَضَلَّ } ضاع وتلاشى { لاَ جَرَمَ } كلمة واحدة بمعنى حقاً وهو قول الخليل وسيبويه { وَأَخْبَتُوۤاْ } خشعوا وخضعوا والإِخباتُ : الذل والخضوع { ٱلأَصَمِّ } الذي لا يسمع وبه صمم . سَبَبُ النُّزول : ذكر القرطبي عن ابن عباس أن " الأَخْنس بن شريق " كان رجلاً حلو الكلام وحلو المنطق ، يلقى رسول الله صلى الله عليه وسلم بما يحب ، وينطوي له بقلبه على ما يسوء فأنزل الله { أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُواْ مِنْهُ … } الآية . التفسِير : { الۤر } إِشارة إِلى إِعجاز القرآن ، وأنه مركب من أمثال هذه الحروف الهجائية ، وعن ابن عباس أن معناه : أنا الله أرى { كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ } أي هو كتابٌ جليل القدر ، نظمت آياته نظماً محكماً ، لا يلحقه تناقضٌ ولا خلل { ثُمَّ فُصِّلَتْ } أي بُيّنت فيه أمور الحلال والحرام ، وما يحتاج إِليه العباد في أمور المعاش والمعاد { مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ } أي من عند الله فصَّلها وبيَّنها الخبير العالم بكيفيات الأمور ، ولذا كانت محكمة أحسن الإِحكام ومفصلة أحسن التفصيل { أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ ٱللَّهَ } أي لئلا تعبدوا إِلا الله { إِنَّنِي لَكُمْ مِّنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ } أي إِنني مرسلٌ إِليكم من جهته تعالى ، أنذركم بعذابه إِن كفرتم ، وأبشركم بثوابه إن آمنتم { وَأَنِ ٱسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوۤاْ إِلَيْهِ } أي استغفروه من الذنوب وأخلصوا التوبة واستقيموا عليها بالطاعة والإِنابة { يُمَتِّعْكُمْ مَّتَاعاً حَسَناً } أي يمتعكم في هذه الدنيا بالمنافع الجليلة من سعة الرزق ، ورغَد العيش { إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى } أي إِلى وقتٍ محدَّد هو انتهاء أعماركم { وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ } أي ويعطي كل محسنٍ في عمله جزاء إِحسانه { وَإِن تَوَلَّوْاْ } أي وإِن تتولوا عن الإِيمان وتُعرضوا عن طاعة الرحمن { فَإِنِّيۤ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ } أي أخاف عليكم عذاب يوم القيامة ، ووصف العذاب بأنه كبير لما فيه من الأهوال الشديدة { إِلَى ٱللَّهِ مَرْجِعُكُمْ } أي إِليه جلَّ وعلا رجوعكم بعد الموت { وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } أي قادر على إِماتتكم ثم إِحيائكم وعلى معاقبة من كذَّب لا يعجزه شيء ، وفي الآية تهديد عظيم { أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُواْ مِنْهُ } قال ابن عباس : نزلت في الأخنس بن شريق كان يجالس رسول الله صلى الله عليه وسلم ويحلف أنه ليحبه ويضمر خلاف ما يظهر وقال القرطبي : أخبر عن معاداة المشركين للنبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين ، ويظنون أنه تخفى على الله أحوالهم والمعنى إِنهم يطوون صدورهم على عداوة النبي والمؤمنين ، يريدون بذلك أن يستخفوا من الله حتى لا يفتضح أمرهم { أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ } أي حين يتغطون بثيابهم { يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ } أي يعلم تعالى ما يُبْطنون وما يُظهرون وكأن الآية تقول : لا تظنوا أن تغطيتكم تحجبكم عن الله بل الله يعلم سرائركم وظواهركم لا تخفى عليه خافية من أحوالكم { إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ } أي عالم بما في القلوب { وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي ٱلأَرْضِ إِلاَّ عَلَى ٱللَّهِ رِزْقُهَا } أي ما من شيء يدب على وجه الأرض من إِنسان أو حيوان إِلا تكفَّل الله برزقه تفضلاً منه تعالى وكرماً ، فكما كان هو الخالق كان هو الرازق { وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا } قال ابن عباس : مستقرها حيث تأوي إِليه من الأرض ، ومستودعها الموضع الذي تموت فيه فتدفن { كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ } أي كلٌّ من الأرزاق ، والأقدار ، والأعمار ، مسطَّرٌ في اللوح المحفوظ { وَهُوَ ٱلَّذِي خَلَق ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ } أي خلقها في مقدار ستة أيام من أيام الدنيا ، وفيه الحث للعباد على التأني في الأمور فإِن الإِله القادر على خلق الكائنات بلمح البصر خلقها في ستة أيام { وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى ٱلْمَآءِ } أي وكان العرش قبل خلقهما على الماء قال الزمخشري : أي ما كان تحته خلق ، وفيه دليل على أن العرش والماء كانا مخلوقين قبل السماوات والأرض { لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً } أي خلقهن لحكمة بالغة ليختبركم فيظهر المحسنُ من المسيء ، ويجازيكم حسب أعمالكم { وَلَئِن قُلْتَ إِنَّكُمْ مَّبْعُوثُونَ مِن بَعْدِ ٱلْمَوْتِ } أي ولئن قلت يا محمد لأولئك المنكرين من كفار مكة إِنكم ستبعثون بعد موتكم للحساب { لَيَقُولَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ } أي ليقولنَّ الكفار المنكرون للبعث والنشور ما هذا القرآن إِلا سحرٌ واضح مكشوف { وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ ٱلْعَذَابَ إِلَىٰ أُمَّةٍ مَّعْدُودَةٍ } أي إِلى مدةٍ من الزمن قليلة { لَّيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ } أي ليقولُنَّ استهزاءً ما يمنعه من النزول ؟ { أَلاَ يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ } أي ألا فلينتبهوا فإِنه يوم يأتيهم العذاب ليس مدفوعاً عنهم { وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ } أي نزل وأحاط بهم جزاء ما كانوا به يستهزئون { وَلَئِنْ أَذَقْنَا ٱلإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً } أي أنعمنا على الإِنسان بأنواع النعم من الصحة ، والأمن ، والرزق وغيرها من النعم { ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ } أي ثم سلبنا تلك النعم منه { إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ } أي قنوط من رحمة الله ، شديد الكفر به { وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَآءَ بَعْدَ ضَرَّآءَ مَسَّتْهُ } أي ولئن منحنا الإِنسان نعمة من بعد ما نزل به من الضر ، وما أصابه من البلاء ، كالفقر والمرض والشدة { لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ ٱلسَّيِّئَاتُ عَنِّيۤ } أي انقطع الفقر والضيق والمصائب ولن تصيبني بعد اليوم { إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ } أي بطرٌ بالنعمة مغترٌ بها ، متعاظم على الناس بما أُوتي ، والآيةُ ذمٌ لمن يقنط عند الشدائد ، ويبطر عند النعم { إِلاَّ ٱلَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ } أي هذه عادة الإِنسان إِلا المؤمنين الذين يصبرون على الضراء ، ويفعلون الخير في النعماء ، فهم في حالتي المحنة والنعمة محسنون { أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ } أي أولئك الموصوفون بالصفات الحميدة لهم مغفرةٌ لذنوبهم ، وأجر كبيرٌ في الآخرة هو الجنة قال في البحر : ووصف الثواب بأنه كبير وذلك لما احتوى عليه من النعيم السرمدي ، والأمن من العذاب ، ورضا الله عنهم ، والنظر إِلى وجهه الكريم { فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَىٰ إِلَيْكَ } كان المشركون يقترحون على رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأتي بكنز أو يأتي معه ملك ، وكانوا يستهزئون بالقرآن فقال الله تعالى له : فلعلك يا محمد تاركٌ بعض ما أُنزل إِليك من ربك فلا تبلغهم إِيَّاه لاستهزائهم { وَضَآئِقٌ بِهِ صَدْرُكَ } أي ويضيق صدرك من تبليغهم ما نزل عليك من ربك خشية التكذيب ، والغرضُ تحريضُه صلى الله عليه وسلم على تبليغ الرسالة وعدم المبالاة بمن عاداه { أَن يَقُولُواْ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ كَنزٌ } أي لأجل أن يقولوا هلاّ أُنزل عليه مالٌ كثير { أَوْ جَآءَ مَعَهُ مَلَكٌ } أي جاء معه ملك يصدّقه كما اقترحنا ، قال تعالى محدّداً مهمته عليه السلام { إِنَّمَآ أَنتَ نَذِيرٌ } أي لست يا محمد إِلا منذراً تخوّف المجرمين من عذاب الله { وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ } أي قائم على شئون العباد يحفظ عليهم أعمالهم { أَمْ يَقُولُونَ ٱفْتَرَاهُ } أي بل أيقولون اختلق محمد هذا القرآن وافتراه من عند نفسه ؟ { قُلْ فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ } أي إِن كان الأمر كذلك فأتوا بعشر سور مثله في الفصاحة والبلاغة مفتريات فأنتم عرب فصحاء { وَٱدْعُواْ مَنِ ٱسْتَطَعْتُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ } أي استعينوا بمن شئتم غير الله سبحانه { إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } في أنَّ هذا القرآن مفترى { فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ فَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّمَآ أُنزِلَ بِعِلْمِ ٱللَّهِ } أي فإِن لم يستجب لكم من دعوتموهم للمعاونة وعجزوا عن ذلك فاعلموا أيها المشركون أنما نزل هذا القرآن بوحيٍ من الله { وَأَن لاَّ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } أي لا ربّ ولا معبود إلا الله الذي أنزل هذا القرآن المعجز { فَهَلْ أَنتُمْ مُّسْلِمُونَ } لفظه استفهام ومعناه أمرٌ أي فأسلموا بعد ظهور هذه الحجة القاطعة إِذ لم يبق لكم عذر مانع من ذلك ، قال في التسهيل : الاستفهام معناه استدعاءٌ إِلى الإِسلام ، وإِلزامٌ للكفار أن يسلموا لما قام الدليل على صحة الإِسلام لعجزهم عن الإِتيان بمثل القرآن { مَن كَانَ يُرِيدُ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا وَزِينَتَهَا } أي من كان يقصد بأعماله الصاحلة نعيم الدنيا فقط لأنه لا يعتقد بالآخرة { نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا } أي نوفّ إِليهم أجور أعمالهم بما يحبون فيها من الصحة والأمن والرزق { وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ } أي وهم في الدنيا لا يُنقصون شيئاً من أجورهم قال قتادة : من كانت الدنيا همَّه ونيّته جازاه الله بحسناته في الدنيا ، ثم يُفضي إِلى الآخرة وليس له حسنة يُعطى بها ، وأما المؤمن فيُجازى بحسناته في الدنيا ويثاب عليها في الآخرة { أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ إِلاَّ ٱلنَّارُ } أي هؤلاء الذين هدفهم الدنيا ليس لهم في الآخرة إِلا نار جهنم وعذابها المخلَّد { وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا } أي بطل ما صنعوه من الأعمال الصالحة لأنهم قد استوفوا في الدنيا جزاءها { وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } تأكيدٌ لما سبق أي باطل ما كانوا يعملون في الدنيا من الخيرات { أَفَمَن كَانَ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ } أي أفمن كان على نور واضح ، وبرهان ساطع من الله تعالى ، وهو النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنون ، وجوابه محذوف أي كمن كان يريد الحياة الدنيا ؟ يريد أن بينهما تفاوتاً كبيراً ، وتبايناً بعيداً ، فلا يستوي من أراد الله ، ومن أراد الدنيا وزينتها { وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ } أي ويتبعه شاهد من الله بصدقه قال ابن عباس : هو جبريل عليه السلام { وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَىٰ إِمَاماً وَرَحْمَةً } أي ومن قبل القرآن كتاب التوراة الذي أنزله الله على موسى قدوةً في الخير ورحمة لمن نزل عليهم { أُوْلَـٰئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ } أي أولئك الموصوفون بأنهم على نور من ربهم يصدّقون بالقرآن حق التصديق { وَمَن يَكْفُرْ بِهِ مِنَ ٱلأَحْزَابِ فَٱلنَّارُ مَوْعِدُهُ } أي ومن يكفر بالقرآن من أهل الملل والأديان ، فله نار جهنم يردها لا محالة { فَلاَ تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِّنْهُ } أي فلا تكن في شكٍ من هذا القرآن { إِنَّهُ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ } أي إِنه الحق الثابت المنزّل من عند الله { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ } أي لا يصدّقون أنه تنزيل رب العالمين { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً } أي لا أحد أطغى ولا أظلم ممن اختلق الكذب على الله بنسبة الشريك والولد إِليه { أُوْلَـٰئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَىٰ رَبِّهِمْ } أي يُعرضون يوم القيامة في جملة الخلق على خالقهم ومالكهم { وَيَقُولُ ٱلأَشْهَادُ هَـٰؤُلاۤءِ ٱلَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَىٰ رَبِّهِمْ } أي ويقول الخلائق والملائكة الذين يشهدون على أعمالهم هؤلاء الذين كذبوا على الله ، والغرضُ فضيحتهم في الدار الآخرة على رءوس الأشهاد والتشهيرُ بهم خزياً ونكالاً { أَلاَ لَعْنَةُ ٱللَّهِ عَلَى ٱلظَّالِمِينَ } لظلمهم وافترائهم على الله ، واللعنةُ : الطرد من رحمة الله { ٱلَّذِينَ يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ } أي يمنعون الناس عن اتِّباع الحق ، وسلوك سبيل الهدى الموصل إِلى الله { وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً } أي ويريدون أن تكون السبيل معوّجة أي يبغون أن يكون دين الله معوجاً على حسب أهوائهم { وَهُمْ بِٱلآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ } أي جاحدون بالآخرة منكرون للبعث والنشور { أُولَـٰئِكَ لَمْ يَكُونُواْ مُعْجِزِينَ فِي ٱلأَرْضِ } أي ليسوا مفلتين من عذاب الله وإِن أمهلهم { وَمَا كَانَ لَهُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ مِنْ أَوْلِيَآءَ } أي ليس لهم من يتولاهم أو يمنعهم من عذاب الله { يُضَاعَفُ لَهُمُ ٱلْعَذَابُ } جملة مستأنفة أي يضاعف عليهم العذاب بسبب إِجرامهم وطغيانهم { مَا كَانُواْ يَسْتَطِيعُونَ ٱلسَّمْعَ وَمَا كَانُواْ يُبْصِرُونَ } أي سبب تشديد العذاب ومضاعفته عليهم أن الله جعل لهم سمعاً وبصراً ، ولكنهم كانوا صُما عن سماع الحق ، عمياً عن اتباعه ، فلم ينتفعوا بما منحهم الله من حواس { أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ خَسِرُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ } أي خسروا سعادة الدنيا والآخرة ، وخسروا راحة أنفسهم لدخولهم نار جهنم { وَضَلَّ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ } أي وغاب عنهم ما كانوا يزعمونه من شفاعة الآلهة { لاَ جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ هُمُ ٱلأَخْسَرُونَ } أي حقاً إِنهم يوم القيامة من أخسر الناس ، ولا ترى أحداً أبينَ خسراناً منهم ، لأنهم آثروا الفانية على الباقية ، واستعاضوا عن الجِنان بلظى النيران ، ثم لما ذكر تعالى حال الكفار الأشقياء ، ذكر حال المؤمنين السعداء فقال { إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ وَأَخْبَتُوۤاْ إِلَىٰ رَبِّهِمْ } أي جمعوا مع الإِيمان والعمل الصالح الإِخبات : وهو الاطمئنان إِليه سبحانه والخشوع له والانقطاع لعبادته { أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } أي منعَمون في الجنة لا يخرجون منها أبداً { مَثَلُ ٱلْفَرِيقَيْنِ } أي فريق المؤمنين وفريق الكافرين { كَٱلأَعْمَىٰ وَٱلأَصَمِّ وَٱلْبَصِيرِ وَٱلسَّمِيعِ } قال الزمخشري : شبَّه فريق الكافرين بالأعمى والأصم ، وفريق المؤمنين بالبصير والسميع ، وهو من اللفّ والطباق والمعنى حال الفريقين العجيب كحال من جمع بين العمى والصمم ، ومن جمع بين السمع والبصر { هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً } الاستفهام إِنكاري أي لا يستويان مثلاً فليس حال من يبصر نور الحق ويستضيء بضيائه كحال من يخبط في ظلمات الضلالة ولا يهتدي إِلى سبيل السعادة { أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ } أي أفلا تعتبرون وتتعظون ؟ والغرض التفريق بين أهل الطاعة والإِيمان ، وأهل الجحود والعصيان . البلاغة : 1 - { عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ } إِضافة العذاب إِلى اليوم الكبير للتهويل والتفظيع . 2 - { مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ } بينهما طباقٌ وكذلك بين { نَعْمَآءَ } و { ضَرَّآءَ } وبين { نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ } . 3 - { يَئُوسٌ كَفُورٌ } من صيغ المبالغة أي شديد اليأس كثير الكفران . 4 - { كَٱلأَعْمَىٰ وَٱلأَصَمِّ } فيه تشبيه مرسل مجمل لوجود أداة التشبيه وحذف وجه الشبه أي مثل الفريق الكافر كالأعمى والأصم في عدم البصر والسمع ، ومثل الفريق المؤمن كالسميع والبصير . لطيفَة : قال بعض الصالحين : الاستغفار بلا إِقلاع عن الذنب توبة الكذابين . تنبيه : التحدي بعشر سور جاء بعد التحدي بالقرآن الكريم ، فلما عجزوا عن الإِتيان بمثل القرآن تحداهم بعشر سور ، ثم لما عجزوا تحداهم بالإِتيان بسورة مثله في البلاغة والفصاحة والاشتمال على المغيبات والأحكام التشريعية وأمثالها ، وهي الأنواع التسعة وقد نظمها بعضهم بقوله :