Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 15, Ayat: 1-44)
Tafsir: Ṣawfat at-tafāsīr: tafsīr li-l-Qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
اللغَة : { رُّبَمَا } ربَّ للتقليل و { مَآ } نكره موصوفة أي رب شيء { لَّوْمَا } للتحضيض كلولا وهلاّ { شِيَعِ } جمع شيعة وهي الفرقة والطائفة من الناس { نَسْلُكُهُ } ندخله ، والسَّلْك : إدخال الشيء في الشيء { يَعْرُجُونَ } عَرَج : صعد ، والمعارج المصاعد { سُكِّرَتْ } سُدَّت ومنعت { بُرُوجاً } البروج : منازل الكواكب السيارة وأصله الظهور ومنه تبرج المرأة وهو إظهار زينتها { لَوَاقِحَ } جمع لاقح وهي الريح التي تحمل المطر ، والتي لا تأتي بخير تسمى الريح العقيم ، أو ملقّحة للشجر أي تحمل اللّقاح له { صَلْصَالٍ } طين يابس يسمع له صلصلة إذا يبس { حَمَإٍ } الحمأ : الطين الأسود { مَّسْنُونٍ } منتن متغير قال الفراء : هو المتغيّر وأصله من سننتُ الحجر إذا حككته به { ٱلسَّمُومِ } الريح الحارة القاتلة . سَبَبُ النّزول : عن ابن عباس قال : كانت امرأة تصلي خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم حسناء من أحسن الناس ، فكان بعض القوم يتقدم حتى يكون في الصف الأول لئلا يراها ، ويتأخر بعضهم حتى يكون في الصف المؤخر فإذا ركع نظر من تحت إبطه فأنزل الله { وَلَقَدْ عَلِمْنَا ٱلْمُسْتَقْدِمِينَ مِنكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا ٱلْمُسْتَأْخِرِينَ } . التفسِير : { الۤرَ } إشارة إلى إعجاز القرآن أي هذا الكتاب العجيب المعجز كلام الله تعالى وهو منظوم من أمثال هذه الحروف الهجائية الألف واللام والراء { تِلْكَ آيَاتُ ٱلْكِتَابِ } أي هذه آيات الكتاب ، الكامل في الفصاحة والبيان ، المتعالي عن الطاقة البشرية ، { وَقُرْآنٍ مُّبِينٍ } أي قرآنٍ عظيم الشأن ، واضحٍ بيّن ، لا خلل فيه ولا اضطراب { رُّبَمَا يَوَدُّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } أي ربما تمنى الكفار { لَوْ كَانُواْ مُسْلِمِينَ } أي لو كانوا في الدنيا مسلمين ، وذلك عند معاينة أهوال الآخرة { ذَرْهُمْ يَأْكُلُواْ وَيَتَمَتَّعُواْ } أي دَعْهم يا محمد يأكلوا كما تأكل البهائم ، ويستمتعوا بدنياهم الفانية { وَيُلْهِهِمُ ٱلأَمَلُ } أي يشغلهم الأمل بطول الأجل ، عن التفكر فيما ينجيهم من عذاب الله { فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ } أي عاقبة أمرهم إذا رأوا القيامة وذاقوا وبال ما صنعوا ، وهو وعيد وتهديد { وَمَآ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ } أي وما أهلكنا أهل قرية من القرى الظالمة التي كذبت رسل الله { إِلاَّ وَلَهَا كِتَابٌ مَّعْلُومٌ } أي إلا لها أجل محدود لإِهلاكها { مَّا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا } أي لا يتقدم هلاك أمةٍ قبل مجيء أوانه { وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ } أي ولا يتأخر عنهم قال ابن كثير : وهذا تنبيهٌ لأهل مكة وإِرشاد لهم إلى الإِقلاع عما هم عليه من العِناد والإِلحاد الذي يستحقون به الهلاك { وَقَالُواْ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ ٱلذِّكْرُ } قال كفار قريش لمحمد صلى الله عليه وسلم على جهة الاستهزاء والتهكم : يا من تزعم وتدعي أن القرآن نزل عليك { إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ } أي إنك حقاً لمجنون ، أكّدوا الخبر بإنَّ واللام مبالغة في الاستخفاف والاستهزاء بمقامه الشريف عليه السلام { لَّوْ مَا تَأْتِينَا بِٱلْمَلائِكَةِ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّادِقِينَ } أي هلاّ جئتنا بالملائكة لتشهد لك بالرسالة إن كنت صادقاً في دعواك أنك رسول الله ! ! قال تعالى رداً عليهم { مَا نُنَزِّلُ ٱلْمَلائِكَةَ إِلاَّ بِٱلحَقِّ } أي ما ننزّل ملائكتنا إلا بالعذاب لمن أردنا إهلاكه { وَمَا كَانُواْ إِذاً مُّنظَرِينَ } أي وفي هذه الحالة وعندئذٍ لا إمهال ولا تأجيل ، والغرض أن عادة الله تعالى قد جرت في خلقه أنه لا ينزل الملائكة إلا لمن يريد إهلاكهم بعذاب الاستئصال ، وهو لا يريد ذلك مع أمته صلى الله عليه وسلم لعلمه تعالى أنه يخرج من أصلابهم من يعبد الله ، ففيه ردٌ عليهم فيما اقترحوا { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا ٱلذِّكْرَ } أي نحن بعظمة شأننا نزلنا عليك القرآن يا محمد { وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } أي ونحن الحافظون لهذا القرآن ، نصونه عن الزيادة والنقصان ، والتبديل والتغيير ، قال المفسرون : تكفَّل الله بحفظ هذا القرآن ، فلم يقدر أحد على الزيادة فيه ولا النقصان ، ولا على التبديل والتغيير كما جرى في غيره من الكتب فإن حفظها موكولٌ إلى أهلها لقوله تعالى { بِمَا ٱسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ ٱللَّهِ } [ المائدة : 44 ] وانظر الفرق بين هذه الآية { وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } حيث ضمن حفظه وبين الآية السابقة حيث وكل حفظه إليهم فبدَّلوا وغيَّروا { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي شِيَعِ ٱلأَوَّلِينَ } أي ولقد أرسلنا من قبلك يا محمد رسلاً في طوائف وفرق الأمم الأولين { وَمَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ } أي وما جاءهم رسولٌ إلاّ سخروا منه واستهزءوا به ، وهذا تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم والمعنى كما فعل بك هؤلاء المشركون فكذلك فُعل بمن قبلك من الرسل فلا تحزن { كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ ٱلْمُجْرِمِينَ } أي كذلك نسلك الباطل والضلال والاستهزاء بأنبياء الله في قلوب المجرمين ، كما سلكناه وأدخلناه في قلوب أولئك المستهزئين { لاَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ ٱلأَوَّلِينَ } أي لا يؤمنون بهذا القرآن وقد مضت سنة الله بإهلاك الكفار ، فما أقرب هؤلاء من الهلاك والدمار ؟ ثم بيَّن تعالى أن كفار مكة لا ينقصهم توافر براهين الإِيمان فهم معاندون مكابرون ، وفي ضلالهم وعنادهم سائرون فقال { وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَاباً مِّنَ ٱلسَّمَاءِ فَظَلُّواْ فِيهِ يَعْرُجُونَ } أي لو فرض أننا أصعدناهم إلى السماء ، وفتحنا لهم باباً من أبوابها ، فظلوا يصعدون فيه حتى شاهدوا الملائكة والملكوت { لَقَالُواْ إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا } أي لقالوا - لفرط مكابرتهم وعنادهم - إنما سُدَّت أبصارنا وخُدعت بهذا الارتقاء والصعود { بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَّسْحُورُونَ } أي سحرنا محمد وخيَّل إلينا ذلك وما هو إلا سحر مبين قال الرازي : لو ظل المشركون يصعدون في تلك المعارج ، وينظرون إلى ملكوت الله تعالى وقدرته وسلطانه ، وإِلى عبادة الملائكة الذين هم من خشيته مشفقون لشكّوا في تلك الرؤية ، وبقوا مصرين على الكفر والعناد كما جحدوا سائر المعجزات من انشقاق القمر ، والقرآن المعجز الذي لا يستطيع الجن والإِنس أن يأتوا بمثله ، ثم ذكر تعالى البراهين الدالة على وحدانيته وقدرته فقال { وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي ٱلسَّمَاءِ بُرُوجاً } أي جعلنا في السماء منازل تسير فيها الأفلاك والكواكب { وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ } أي زيناها بالنجوم ليُسرَّ الناظر إليها { وَحَفِظْنَاهَا مِن كُلِّ شَيْطَانٍ رَّجِيمٍ } أي حفظنا السماء الدنيا من كل شيطان لعين مطرود من رحمة الله { إِلاَّ مَنِ ٱسْتَرَقَ ٱلسَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُّبِينٌ } أي إلا من اختلس شيئاً من أخبار السماء فأدركه ولحقه شهاب ثاقب فأحرقه { وَٱلأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ } أي بسطناها ووسعناها وجعلنا فيها جبالاً ثوابت { وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْزُونٍ } أي أنبتنا في الأرض من الزروع والثمار من كل شيءٍ موزونٍ بميزان الحكمة ، بدقةٍ وإحكام وتقدير { وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ } أي ما تعيشون به من المطاعم والمشارب { وَمَن لَّسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ } أي وجعلنا لكم من العيال والمماليك والأنعام من لستم له برازقين ، لأننا نخلق طعامهم وشرابهم لا أنتم { وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ } أي ما من شيء من أزراق الخلق والعباد ومنافعهم إلا عندنا خزائنه ومستودعاته { وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ } أي ولكن لا ننزله إلا على حسب حاجة الخلق إليه ، وعلى حسب المصالح ، كما نشاء ونريد { وَأَرْسَلْنَا ٱلرِّيَاحَ لَوَاقِحَ } أي تلقِّح السحاب فيدر ماءً ، وتلقّح الشجر فيتفتَّح عن أوراقه وأكمامه ، فالريح كالفحل للسحاب والشجر { فَأَنزَلْنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ } أي فأنزلنا من السحاب ماءً عذباً ، جعلناه لسقياكم ولشرب أرضكم ومواشيكم { وَمَآ أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ } أي لستم بقادرين على خزنه بل نحن بقدرتنا نحفظه لكم في العيون والآبار والأنهار ، ولو شئنا لجعلناه غائراً في الأرض فهلكتم عطشاً كقوله { قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَآؤُكُمْ غَوْراً فَمَن يَأْتِيكُمْ بِمَآءٍ مَّعِينٍ } [ الملك : 30 ] { وَإنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ ٱلْوَارِثُونَ } أي الحياة والموت بيدنا ونحن الباقون بعد فناء الخلق ، نرث الأرض ومن عليها وإلينا يُرجعون { وَلَقَدْ عَلِمْنَا ٱلْمُسْتَقْدِمِينَ مِنكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا ٱلْمُسْتَأْخِرِينَ } أي أحطنا علماً بالخلق أجمعين ، الأموات منهم والأحياء قال ابن عباس : المستقدمون كل من هلك من لدن آدم عليه السلام والمستأخرون من هو حي ومن سيأتي إلى يوم القيامة وقال مجاهد : المستقدمون : الأمم السابقة ، والمستأخرون أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، والغرضُ أنه تعالى محيطٌ علمه بمن تقدم وبمن تأخر ، لا يخفى عليه شيء من أحوال العباد ، وهو بيان لكمال علمه بعد الاحتجاج على كمال قدرته { وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ } أي وإن ربك يا محمد هو يجمعهم للحساب والجزاء { إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ } أي حكيمٌ في صنعه عليمٌ بخلقه ، ولما ذكر تعالى الموت والفناء ، والبعث والجزاء ، نبّههم إلى مبدأ أصلهم وتكوينهم من نفسٍ واحدة ، ليشير إلى أن القادر على الإِحياء قادر على الإِفناء والإِعادة ، وذكّرهم بعداوة إبليس لأبيهم آدم ليحذروه فقال : { وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ } أي خلقنا آدم من طين يابسٍ يسمع له صَلْصلة أي صوت إذا نُقر { مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ } أي من طين أسود متغيّر { وَٱلْجَآنَّ خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ مِن نَّارِ ٱلسَّمُومِ } أي ومن قبل آدم خلقنا الجانَّ - أي الشياطين ورئيسهم إبليس - من نار السموم وهي النار الحارة الشديدة التي تنفذ في المسامّ فتقتل بِحرها قال المفسرون : عني بالجانِّ هنا " إبليس " أبا الجنِّ لأن منه تناسلت الجن فهو أصل لها كما أن آدم أصل للإِنس { وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلآئِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِّن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ } أي اذكر يا محمد وقت قول ربك للملائكة إني خالق بشراً من طين يابسٍ ، أسود متغيّر قال ابن كثير : فيه تنويهٌ بذكر آدم في الملائكة قبل خلقه له ، وتشريفه إيّاه بأمر الملائكة بالسجود له ، وامتناع إبليس عدوه عن السجود له حسداً وكفراً { فَإِذَا سَوَّيْتُهُ } أي سويت خَلْقه وصورته ، وجعلته إنساناً كاملاً معتدل الأعضاء { وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي } أي أفضتُ عليه من الروح التي هي خلقٌ من خلقي فصار بشراً حياً { فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ } أي خرو له ساجدين ، سجود تحيةٍ وتكريم لا سجود عبادة ، قال المفسرون : وإنما أضاف الروح إليه تعالى على سبيل التشريف والتكريم كقوله " بيت الله ، ناقة الله ! شهر الله " وهي من إضافة الملك إلى المالك ، والصنعة إلى الصانع { فَسَجَدَ ٱلْمَلاۤئِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ } أي سجد لآدم جميع الملائكة لم يمتنع منهم أحد { إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَىٰ أَن يَكُونَ مَعَ ٱلسَّاجِدِينَ } الاستثناء منقطع لأن إبليس خلقٌ آخر غير الملائكة ، فهو من نار وهم من نور ، وهم لا يعصون الله ما أمرهم وهو أبى وعصى ، فليس هو من الملائكة بيقين ، ولكنه كان بين صفوفهم فتوجه إليه الخطاب والمعنى : سجد جميع الملائكة لكنْ إبليس امتنع من السجود بعد أن صدر له الأمر الإِلهي { قَالَ يٰإِبْلِيسُ مَا لَكَ أَلاَّ تَكُونَ مَعَ ٱلسَّاجِدِينَ } أي ما المانع لك من السجود ؟ وأيُّ داعٍ دعا بك إلى الإِباء والامتناع ؟ وهو استفهام تبكيتٍ وتوبيخ { قَالَ لَمْ أَكُن لأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ } أي قال إبليس : لا ينبغي ولا يليق لمثلي أن يسجد لآدم وهو مخلوق من طينٍ يابسٍ متغير ، فهو من طينٍ وأنا من نار فكيف يسجد العظيم للحقير ، والفاضل للمفضول ؟ رأى عدوُّ الله نفسه أكبر من أن يسجد لآدم ، ومنعه كبره وحسده عن امتثال أمر الله { قَالَ فَٱخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ } أي اخرجْ من السماوات فإنك مطرودٌ من رحمتي { وَإِنَّ عَلَيْكَ ٱللَّعْنَةَ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلدِّينِ } أي وإن عليك لعنتي إلى يوم الجزاء والعقوبة { قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ } أي قال اللعين : أمهلني وأخرني إلى يوم البعث { قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ ٱلْمُنظَرِينَ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْوَقْتِ ٱلْمَعْلُومِ } أي قال له الله : إنك من المؤجلين إلى حين موتِ الخلائق قال القرطبي : أراد بسؤاله الإِنظار - إلى يوم يبعثون - ألا يموت ، لأن البعث لا موتَ بعده ، فأجابه المولى بالإِنظار إلى يوم الوقت المعلوم وهو يوم موت الخلائق ، فيموت إبليس ثم يُبعث { قَالَ رَبِّ بِمَآ أَغْوَيْتَنِي } أي بسبب إغوائك وإضلالك لي { لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي ٱلأَرْضِ } أي لأزيننَّ لذرية آدم المعاصي والآثام { وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ } أي ولأظلَّنهم عن طريق الهدى أجمعين { إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ ٱلْمُخْلَصِينَ } أي إلا من استخلصته من عبادك لطاعتك ومرضاتك فلا قدرة لي على إِغوائه { قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ } أي قال تعالى : هذا طريق مستقيم واضح ، وسنة أزليةٌ لا تتخلف وهي { إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ } أي إن عبادي المؤمنين لا قوة لك على إضلالهم { إِلاَّ مَنِ ٱتَّبَعَكَ مِنَ ٱلْغَاوِينَ } استثناء منقطع لأن الغاوين ليسوا من عباد الله المخلصين والمعنى لكنْ من غوى وضل من الكافرين فلك عليهم تسلط ، لأن الشيطان إنما يتسلط على الشاردين عن الله ، كما يتسلط الذئب على الشاردة من القطيع { وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ } أي موعد إبليس وأتباعه جميعاً { لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ } أي لجهنم سبعة أبواب يدخلون منها لكثرتهم وروي عن عليّ أنها أطباقٌ ، طبقٌ فوق طبق وأنها دركاتٌ بعضها أشد من بعض { لِكُلِّ بَابٍ مِّنْهُمْ جُزْءٌ مَّقْسُومٌ } أي لكل جماعة من أتباع إبليس بابٌ معينٌ معلوم ، قال ابن كثير : كلٌ يدخل من بابٍ بحسب عمله ، ويستقر في دَرَكٍ بقدر عمله . البَلاَغَة : تضمنت الآيات الكريمة من وجوه البيان والبديع ما يلي : 1 - المجاز المرسل في { وَمَآ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ } المراد أهلها وهو من باب إطلاق المحل وإرادة الحالّ . 2 - الاستعارة التخيليَّة في { عِندَنَا خَزَائِنُهُ } فهو تمثيل لكمال قدرته ، شبَّه قدرته على كل شيء بالخزائن المودوعة فيها الأشياء ، وإخراج كل شيء بحسب ما اقتضته حكمته على طريق الاستعارة . 3 - الطباق بين { نُحْيِي … وَنُمِيتُ } وبين { ٱلْمُسْتَقْدِمِينَ … ٱلْمُسْتَأْخِرِينَ } . 4 - جناس الاشتقاق في { خَزَائِنُهُ … وخَازِنِينَ } . 5 - السجع الذي له وقع على السمع مثل { ٱلْمُجْرِمِينَ } ، { ٱلأَوَّلِينَ } ، { ٱلْمُنظَرِينَ } الخ . لطيفَة : ذكر أن رجلاً أراد أن يمتحن الأديان أيها أصح وأحسن ؟ فعمد إلى التوراة والإِنجيل والقرآن - وكان خطاطاً - فنسخ من كل كتاب نسخة بخط جميل وزاد فيها ونقص ، ثم عرض التوراة على علماء اليهود فقبلوها وتصفحوها وأكرموه بالمال ، ثم عرض الإِنجيل الذي نسخه بيده على القسس فاشتروه بثمن كبير وأكرموه ، ثم عرض نسخة القرآن على شيوخ المسلمين فنظروا فيه فلما رأوا فيه بعض الزيادة والنقص أمسكوا به فضربوه ثم رفعوا أمره إلى السلطان فحكم بقتله ، فلما أراد قتله أشهر إسلامه وأخبرهم بقصته وأنه امتحن الأديان فعرف أن الإِسلام دين حق . انظر تفسير القرطبي 10 / 6 .